تسنيم دراويش
كانت الحرب وما زالت أداة الدمار والموت، فعندما تُذكر الحرب تنهال معها قصص الخراب ومشاهد المقابر، ولكن ليست وحدها مقابر البشر بل أيضًا مقابر الأحلام التي يُوأد فيها كل شيء جميل، ولكن الأمر مختلف بالنسبة لأصيل سلامة ككاتبة وُلِدت وأبدعت أثناء الحرب.
الكاتبة أصيل عبد السلام سلامة، ابنة الأربع وعشرين ربيعًا والتي عرفت اللجوء قبل أن تولد، حيث هُجرت عائلتها من قرية يبنا قضاء الرملة إلى رفح، وفي الحرب الحالية يأبى اللجوء إلا أن يُعرّفها بنفسه ويؤكد التعريف فتقول أنها خُلعت من جذور حبها من أرضها يوم الجمعة الموافق العاشر من أيار، حيث نزحت ذلك اليوم من بيتها لتعيش في غرفة مكتظة مع عائلتها وأشخاص آخرين، لتنزح مرة أخرى في الثاني من حزيران إلى خيمة في مواصي خانيونس، وكأن التاريخ يعيد نفسه بنكبة أيار ونكسة حزيران ولكن هذه المرة في حرب واحدة.
ولكن أصيل ابنة الشعب الأصيل كانت كطائر الفينيق تنهض من الرماد لتنطلق بجناحيها نحو عنان السماء، فقبل الحرب كانت تكتب لنفسها، أما بعد الحرب فأصبح لديها هدف سامٍ، مؤكدة أنها أصبحت إعلامية نفسها وأهلها وحارتها، حيث سعت لتوثيق كل لحظة تعيشها في الحرب، إيمانًا منها بأهمية تأريخ هذه الفترة العصيبة.
بدأت أصيل بمنشورات على الفيس بوك توثق فيها بشكل عفوي يومياتها مع الأطفال خلال الحرب، ومع تلقيها الكثير من الرسائل التشجيعية التي تحثها على الاستمرار بالكتابة، خاصة تلك التي تلقتها من الكاتب محمود شقير، تحولت المنشورات إلى كتاب يرصد حياة الغزيين تحت القصف والنزوح، أسمته “أصيل والأطفال الخمسة”، وهم أبناء إخوتها وأخواتها: “عمر، وزين، ودينا، وإيناس، وأمير”.
ولغلاف كتابها قصته أيضاً، حيث أرسلت دار النشر لأصيل أكثر من لوحة لتختار من بينها غلافًا لكتابها إلا أنها تؤكد إصرارها على اللوحة الحالية لأنها رأت بها كمية دفئ وانتماء ومشاعر عذبة تلائم يومياتها، مشيرة إلى أنها اكتشفت أن صاحبة هذه اللوحة هي طفلة صماء من مراكز الإيواء تدعى بيان الشافعي، وبهذا تم رسم اللوحة وتأليف الكتاب في الحرب وعنها.
وقبل أيام نشرت أصيل كتابها الثاني وهو مجموعة قصصية صادرة عن “مكتبة كل شيء” في حيفا بعنوان “قمر 14” والذي تقول عنه أنها أسمته نسبة لضوء القمر الذي ينبثق عبر السماء ليشكل قلادة في جيدها العتم، مشيرة إلى أنها تعمل في هذه الأيام على كتاب مشترك مع مجموعة كُتّاب من قطاع غزة اسمه “خط الصفر”.
تصف سلامة علاقتها بالكتابة بأنها عبر الكتابة والقراءة وأمور أخرى تستطيع الضحك على الواقع والمشي على الجمر دون أن يشعر الجمر أنها تشعر به
وإضافة إلى عملها بكتابة الكتب ونشرها تعمل سلامة مع مؤسسة تامر على تشجيع الأطفال على الكتابة والتعبير عما يختلج نفوسهم، حيث تحثهم على ذلك لأن الكتابة هي أولى خطوات التعافي النفسي من الذي يعيشونه في هذه الحرب، كما أن الكتابة صديق جيد يحتفي معنا بالأوقات السعيدة، ونستعين بها لتوثيق الذكريات المتنوعة