loading

بأيدي مبتورة: يعزفون الموسيقى

بشار عودة

ليس وحده الأذى الجسدي الذي يترك أثراً على ضحايا الحرب في غزة، ولكن هذه الحرب تركت نُدبًا كثيرة لا يمكن حصرها في نفوس أهالي القطاع، نُدبًا يسعى بعض الحالمين وبعض الموهوبين لإزالتها من نفوس الصغار خاصة النفسية منها، وهناك من يُعيد تشكيل الحياة على أنغام الموسيقى.

سما نجم مدربة الكمان حاولت أن تفتح فوهة للأمل، وتحول آلام الأطفال التي يعانوا منها ويحملونها منذ 10 أشهر، إلى ألحان تحمل معها الأمل والسعادة، فبعد تعلمها فن العزف على الكمان في معهد “إدوارد سعيد” للموسيقى أصبحت مصدر إلهام للأطفال الذين طالتهم يد الحرب، ومن بينهم الطفل محمد أبو عيده، الذي فقد إحدى ذراعيه بسبب قصف الاحتلال.

لم تستسلم نجم لفكرة فقدان محمد إحدى ذراعيه، فابتكرت طريقة لربط قوس الكمان بذراعه بواسطة منديل قماشي، لتعيد إليه القدرة على العزف ومواصلة حلمه، لتصبح تلك الحركة البسيطة جسرًا بينه وبين أحلامه التي مزقتها غارة إسرائيلية قبل عدة أشهر.

وقالت في حديث ل” بالغراف” إنها تعمل برفقة زميلها صالح جبر على تدريب الطفل محمد وباقي الأطفال لكي يتمكنوا من مواصلة حلمهم بالعزف، مضيفة أنهم يمارسون موهبتهم في مراكز الإيواء من خلال تنظيم زيارات لهذه المراكز، وذلك للترفيه عن الأطفال في ظل الوضع الصحي والنفسي الصعب الذي يعيشونه، وذلك لمنحهم فسحة من الأمل والفرح.

وتابعت نجم بأنها مستمرة في مبادرتها مع زميلها صالح في تعليم الأطفال العزف على الآلات الموسيقية، إضافة للأغاني الوطنية، وذلك بهدف إخراجهم من أجواء الحرب والمعاناة التي تعرضوا لها خلال الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر الماضي.

الطفل محمد أبو عيده الذي حاولت سما انتزاعه من وجعه من خلال الموسيقى، حيث ورغم حزنه على فقد إحدى ذراعيه، لا يُخفي سعادته بتمكنه من العزف مجدداً لأن العزف على الكمان يساعده على “الخروج من أجواء الحرب”، ونسيان الإصابة التي بُتِرَت على إثرها يده، خصوصا أنه بعد الإصابة شعر أنه فقد القدرة على ممارسة الهواية التي يحبها، لكن إرادته القوية جعلته “ينتصر على الإعاقة” وفق ما يقوله في حديث ل” بالغراف”.

أما الطفلة دينا ناصر، وعلى الرغم من أنها لم تُصب بالحرب، إلا أن أصوات هدير الطائرات والإنفجارات أثرت عليها بشكل كبير، ويمكن رؤيتها وهي تحرك شفتيها بانسيابية مع أنغام الكمان خلال العزف وهي تدندن كلمات الأغنية، داخل إحدى غرف مدرسة الايواء في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.

وتصف الطفلة دينا لـ “بالغراف” لحظات انتظار مجيء المدربين سما نجم وصالح جبر ليعلموهم على آلة الكمان بأنه شعور جميل، قائلة إن العزف “يخرجهم من أجواء الحرب التي يعيشونها”.

بدوره يشكو الطفل عبد الرحمن النشاش من استمرار الوضع القائم في قطاع غزة والمعاناة المستمرة جراء وجودهم في أجواء القصف، خاصة عقب إصابته في إحدى غارات الاحتلال ما أدى إلى خسارته لقدمه، إلا أنه وفي ذات الوقت يؤكد أن التدريب مع المدربين سما وصالح مرحًا جدًا خاصة وأنهم يتعلمون أشياء جديدة لم يكونوا يعرفونها

في ذات السياق، أكد قطاع تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة في شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، ارتفاع عدد الإعاقات التي سببتها الحرب الإسرائيلية المتصاعدة والمستمرة في قطاع غزة، والتي تقارب 10 آلاف حالة نصفها من الأطفال، في وقت يمنع فيه الاحتلال دخول الأدوات والمستلزمات الطبية، ويمنع سفرهم للعلاج في الخارج ما يُعرّض حياتهم للخطر.

ومن جهته، يقول الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن أعداد الأفراد ذوي الإعاقة في قطاع غزة تضاعفت بفعل الحروب الإسرائيلية المتكررة من 24.608 حالة في عام 2007 إلى 48.140 حالة في عام 2017.

وحسب التقرير الصحي السنوي في قطاع غزة لعام 2022 بلغ عدد الأفراد ذوي الإعاقة المسجلين 55,538 فرداً وتشكل الإعاقة الحركية 47% منها، وتعتبر حروب الاحتلال المتكررة على قطاع غزة سبباً في الاعاقات الحركية لحوالي 2000 فرد بالغ مُشكلة ما نسبته 9% من الأفراد البالغين من ذوي الإعاقة الحركية، إضافة لما يقارب 3% من الأطفال دون الثامنة عشرة من ذوي الإعاقة.

ويعاني جرحى العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر المنصرم، وخاصة الأطفال الذين يشكلون 17% من مجمل الجرحى من تداعيات مختلفة تتمثل في إصابات جسدية خطيرة تترك آثارًا طويلة الأمد على صحتهم وحياتهم، وقد يحتاجون إلى جراحات متكررة وعلاجات طبية مكلفة.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة