مريم ياسين
تُعتبر آلية المقاصة الفلسطينية من الأدوات المالية الرئيسية التي تنظم العلاقة الاقتصادية بين السلطة الوطنية الفلسطينية والجانب الإسرائيلي. تم تأسيس هذه الآلية بموجب بروتوكول باريس الاقتصادي الذي تم توقيعه في عام 1994 كجزء من اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. يحدد البروتوكول كيفية جمع وتحويل الضرائب والجمارك على السلع التي تدخل الأراضي الفلسطينية عبر موانئ إسرائيل وحدودها. وتعتبر الأموال المحصلة من خلال هذه الآلية مصدرًا أساسيًا لإيرادات الحكومة الفلسطينية، حيث تُستخدم لتمويل الرواتب وتقديم الخدمات العامة.
آلية عمل المقاصة:
تشمل آلية عمل المقاصة ثلاثة مراحل رئيسية:
- التحصيل: تقوم إسرائيل بجمع الضرائب والجمارك على السلع التي تدخل الأراضي الفلسطينية عبر موانئها وحدودها. هذه الضرائب تشمل ضريبة القيمة المضافة (VAT)، الضرائب الجمركية، وضرائب الوقود. يعتبر هذا التحصيل المصدر الأساسي للإيرادات التي يتم تحويلها إلى السلطة الفلسطينية.
- التحويل: بعد جمع الضرائب، تقوم إسرائيل بتحويل الأموال إلى السلطة الفلسطينية على أساس شهري. تعتبر هذه الأموال جزءًا كبيرًا من إيرادات الحكومة الفلسطينية، حيث تشكل نحو 68% من الميزانية العامة.
- الاقتطاعات: في بعض الحالات، تقوم إسرائيل بخصم مبالغ من أموال المقاصة بحجة تغطية ديون أو كجزء من عقوبات مفروضة على السلطة الفلسطينية. هذه الاقتطاعات تؤدي إلى تقليل المبالغ التي تُحول إلى السلطة الفلسطينية، مما يؤثر بشكل كبير على قدرتها على تلبية احتياجات المواطنين.
أهمية المقاصة:
تُعد أموال المقاصة ذات أهمية كبيرة في الاقتصاد الفلسطيني لعدة أسباب:
- تمويل النفقات الحكومية: تشكل المقاصة حوالي 68% من إجمالي إيرادات الخزينة العامة في فلسطين، مما يجعلها المصدر الرئيسي لتمويل الرواتب والنفقات العامة مثل التعليم والصحة. تعتمد السلطة الفلسطينية بشكل كبير على هذه الأموال لضمان استقرار المالية العامة وتلبية احتياجات المواطنين.
- استقرار الاقتصاد: تعتمد السلطة الفلسطينية على هذه الأموال لضمان استقرار الاقتصاد الوطني. يشكل اعتماد الحكومة على المقاصة تحديًا كبيرًا، حيث قد تؤدي أي توترات سياسية أو إجراءات عقابية من جانب إسرائيل إلى تأثير سلبي على قدرة السلطة الفلسطينية على الوفاء بالتزاماتها المالية.
- أداة ضغط سياسي: تستخدم إسرائيل أموال المقاصة كأداة ضغط سياسي على السلطة الفلسطينية، مما يزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي والمالي. قد تؤدي التهديدات أو إجراءات الحجب إلى زيادة الأعباء الاقتصادية على الحكومة الفلسطينية.
شهادات الخبراء:
أيمن أبو غوش، خبير اقتصادي، يوضح أن المقاصة تشكل حوالي 68% من إيرادات الخزينة العامة الفلسطينية، مما يجعلها محركًا أساسيًا لنفقات الحكومة. يشير أبو غوش إلى أن إسرائيل تستخدم أموال المقاصة كأداة ضغط سياسي، حيث تقوم بخصم مبالغ كبيرة من الأموال التي تجمعها تحت مسميات متعددة، مثل مخصصات أسرى وشهداء وقطاع غزة. وهذا يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الفلسطيني، حيث تراجعت قيمة المقاصة من حوالي مليار شيكل إلى 650-700 مليون شيكل شهريًا نتيجة لهذه الاقتطاعات. التحديات التي يواجهها الاقتصاد الفلسطيني تتسبب في ضغوط كبيرة على الحكومة لتوفير الرواتب والخدمات الأساسية.
هدى المصري، موظفة حكومية وأم لثلاثة أبناء، تروي تجربتها الشخصية مع أزمة الرواتب الناتجة عن الاقتطاعات الإسرائيلية. تقول هدى: “منذ نوفمبر 2021، نعاني كموظفين من رواتب منقوصة، وهذا أثر بشكل كبير على حياتي اليومية. كأم، أجبرت على تقليص مصاريفي، ولم أعد قادرة على توفير احتياجات عائلتي بشكل مناسب. حتى أنني أفكر في تغيير تخصص ابنتي في الجامعة بسبب عدم قدرتي على تحمل تكاليف دراستها في الطب، وهذا يشعرني بالحزن كأم فلسطينية. هذا التحدي لا يؤثر فقط على مستوى حياتنا اليومي بل أيضًا على أحلام أبنائنا.”
مؤيد عفانة، أستاذ محاسبة، يؤكد أن إسرائيل لا تكترث للقوانين الدولية عندما تقوم بحجز إيرادات المقاصة. يشير إلى أن هذه السياسة تعيق السلطة الفلسطينية بشكل كبير عن الوفاء بالتزاماتها المالية، حيث تشكل إيرادات المقاصة حوالي 68% من الإيرادات العامة. يقول عفانة: “احتجاز إسرائيل لهذه الأموال تحت مسميات مثل مخصصات أسرى وشهداء ومخصصات قطاع غزة يضرب الاقتصاد الفلسطيني في مقتل. تزداد الأمور تعقيدًا مع استمرار حجز إسرائيل لمعظم الإيرادات، مما يجعل من الصعب على الحكومة دفع الرواتب وتسديد مستحقات القطاع الخاص.”
التحديات التي تواجه المقاصة:
تواجه المقاصة الفلسطينية عدة تحديات رئيسية، منها:
- الاقتطاعات الإسرائيلية: تقوم إسرائيل بخصم مبالغ كبيرة من أموال المقاصة تحت مسميات متعددة، مما يؤدي إلى تقليص المبالغ المتاحة للسلطة الفلسطينية. على سبيل المثال، تراجعت قيمة المقاصة من حوالي مليار شيكل إلى 650-700 مليون شيكل شهريًا نتيجة لهذه الاقتطاعات، مما يؤثر بشكل كبير على قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها المالية.
- الضغوط السياسية: تستخدم إسرائيل أموال المقاصة كأداة ضغط سياسي على السلطة الفلسطينية، مما يؤثر على قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية. هذا التأثير السلبي يتعزز خلال فترات التوترات السياسية أو الأزمات الأمنية.
- التأثيرات الاقتصادية: تؤدي الاقتطاعات المستمرة إلى ضغوط كبيرة على الاقتصاد الفلسطيني، مما يعيق قدرة الحكومة على دفع الرواتب وتقديم الخدمات الأساسية. التحديات الاقتصادية الناتجة عن هذه الاقتطاعات تؤثر على جودة الحياة اليومية للمواطنين الفلسطينيين.
- القرارات القضائية: هناك اقتطاعات تتعلق بقرارات من المحاكم الإسرائيلية، مما يزيد من تعقيد الوضع المالي للسلطة الفلسطينية. هذه القرارات تعزز من تفاقم المشكلات المالية التي تواجهها السلطة الفلسطينية.
الحلول الممكنة لتحسين وضع المقاصة:
- التفاوض مع إسرائيل: يجب على السلطة الفلسطينية العمل على التفاوض مع الجانب الإسرائيلي لإعادة النظر في سياسات الاقتطاع وتحسين شروط المقاصة. يتطلب ذلك جهودًا دبلوماسية مستمرة للوصول إلى اتفاقيات جديدة تخدم مصالح الاقتصاد الفلسطيني.
- تنويع مصادر الإيرادات: ينبغي على الحكومة الفلسطينية البحث عن مصادر جديدة للإيرادات، مثل تعزيز الضرائب المحلية وزيادة الاستثمارات في القطاعات الاقتصادية المختلفة. التنوع في مصادر الإيرادات يمكن أن يساعد في تقليل الاعتماد على أموال المقاصة.
- تعزيز الشفافية والمساءلة: تحسين إدارة الأموال العامة وتعزيز الشفافية في كيفية استخدام أموال المقاصة يمكن أن يساعد في بناء الثقة مع المواطنين والمجتمع الدولي. الشفافية والمساءلة تعتبران عناصر أساسية في تعزيز الاستقرار المالي.
- تطوير الاقتصاد المحلي: دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتعزيز الإنتاج المحلي يمكن أن يقلل من الاعتماد على المقاصة ويزيد من الاستقلالية الاقتصادية. الاستثمار في قطاعات جديدة يمكن أن يساهم في تعزيز النمو الاقتصادي وتقليل الضغوط المالية.
- التعاون الدولي: يجب على السلطة الفلسطينية السعي للحصول على دعم دولي لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية المتعلقة بالمقاصة. التعاون مع المجتمع الدولي يمكن أن يسهم في تقديم الدعم المالي والتقني اللازم لمواجهة الأزمات.
تُعد آلية المقاصة الفلسطينية أداة مالية حيوية لكنها تتعرض لتحديات كبيرة بسبب الاعتماد الكبير عليها والتحديات السياسية المصاحبة لها. مع استمرار التوترات الاقتصادية والسياسية، تظل الحاجة ملحة لإيجاد حلول جذرية تضمن استقرار الاقتصاد الفلسطيني وتعزز استقلاليته المالية. تحتاج السلطة الفلسطينية إلى استراتيجية شاملة لمواجهة هذه التحديات وضمان تحقيق التنمية المستدامة للشعب الفلسطيني.
يهدف إلى تقديم رؤية شاملة حول آلية المقاصة الفلسطينية، التحديات التي تواجهها، والحلول الممكنة لتحسين الوضع الاقتصادي والمالي.