تسنيم دراويش
في قرية رابود جنوب الخليل حيث تتحدى الزراعة الفلسطينية الظروف الصعبة والمخاطر المتزايدة، تبرز الشابة بيان قطيط “28 عامًا”، لتصبح نموذجًا للأمل والإبداع في وجه التحديات، عقب عملها بنظام الزراعة البيئية.
بدأت قصة بيان في عمر التاسعة عشر، حيث لم تكن تتوقع أن لحظة بسيطة في المطبخ ستغير مسار حياتها بشكل جذري، وذلك حينما لاحظت أن الخضروات التي اشترتها من السوق لم تكن تنضج أثناء الطهي، لتكتشف أن السبب يكمن في الأسمدة الكيماوية والهرمونات التي تستخدم في الزراعة مما دفعها للبحث عن حلول بديلة.
التقت بيان بالمهندس الزراعي سعد داغر، الذي عرفها بمفهوم الزراعة البيئية، حتى بات هذا اللقاء هو الذي غير حياتها، وأصبح له تأثير كبير على مسيرتها، لتبدأ بعدها مسيرتها الزراعية من حديقة منزلها الصغيرة، التي لا تتجاوز مساحتها 200 متر مربع.
قطيط أوضحت أن هدفها هو زراعة خضروات صحية خالية من الكيماويات، ومع النجاح الذي حققته في زراعتها المنزلية، أطلقت فكرة طموحة لإنشاء بيت بلاستيكي يعمل بنظام الزراعة الحيوية، ليكون الأول من نوعه في جنوب الخليل، مبينة أن الأرض تشكل الأساس والتربة هي روح النبات، ولذلك عملت على تعزيز تغذية التربة بدلاً من التركيز فقط على النباتات.
تعتمد قطيط استراتيجيتها في الزراعة البيئية على إعادة بناء التربة وتغذيتها بالمواد العضوية، مع تجنب الحراثة التي تُزعزع طبقات الأرض وتضر بالكائنات الحية الموجودة فيها، إضافة لسعيها إلى تعزيز التنوع البيولوجي عبر زراعة أنواع متعددة من النباتات في نفس المكان، مما يساهم في تقليل احتمالية إصابة النباتات بالأمراض.
حصلت قطيط على دعم من مسرعة المشاريع الريادية بالإغاثة الزراعية، التي ساعدتها في بناء البيت البلاستيكي، فكانت هذه الخطوة مفتاحاً لإنتاج وفير من الخضروات، وتسويق منتجاتها بكفاءة عبر الحسبة المركزية بدعم مباشر من عائلتها، حيث تؤكد أن عائلتها كانت الداعم الأساسي لها وخاصة والدها الذي ما انكف يشجعها وهو يرى شغفها ونجاحها، فقدم لها قطعة أرض جديدة لتوسيع مشروعها الزراعي، وهي الآن في طور إنشاء مزرعتها الخاصة التي ستضيف بُعداً جديداً لطموحاتها الزراعية، كما أن مشروعها خلق فرص عمل لأفراد عائلتها في قطف وتوزيع وتسويق الخضراوات.
لم تكن رحلة قطيط خالية من التحديات، ففي البداية واجهت صعوبات هائلة في تحقيق حلمها الزراعي من المجتمع المحلي كونها فتاة في مجتمع لا يتقبل بسهولة أن تبني فتاة بيتاً بلاستيكياً بمفردها، إضافة لصعوبات وضعها الاحتلال الذي يمنع إقامة آبار ارتوازية في مناطق ج، ولم يكن الأمر سهلاً أيضاً بسبب نقص الخبرة حول الزراعة البيئية في فلسطين.
وعلى الرغم من الصعوبات الكبيرة التي واجهتها منذ السابع من أكتوبر في الوصول إلى مراكز تسويق الخضراوات بسبب الحواجز التي وضعها الاحتلال، إلا أن قطيط أصرت على المضي قدماً، متغلبةً على كل التحديات لإثبات قدرتها على تحقيق طموحها الزراعي، لتصبح مصدر إلهام للمجتمع المحلي، حيث بدأت بتقديم ورشات زراعية مع المؤسسات الدولية في مناطق مختلفة من الضفة خاصة مناطق “ج” إيمانا منها بأهمية الزراعة فيها
تؤمن قطيط بأن الزراعة ليست مجرد وسيلة لكسب الرزق، بل هي أمانة يجب المحافظة عليها، مؤكدة أنها تريد أن ترى القرى الفلسطينية تزدهر وأن يكون للمجتمع دور في حماية البيئة، كما وتطمح بتوسيع نطاق مشروعها ليشمل قرى أخرى، إضافة لتخطيطها لإنشاء مزرعة تعليمية يستطيع من خلالها المزارعون الشباب تعلم أساليب الزراعة المستدامة والمكافحة الحيوية، متأملة أن تحصل على الدعم اللازم من المنظمات البيئية والمحلية لتحقيق هذا الحلم.