ترجمة محمد أبو علان: خاص لبالغراف
عمليات الاغتيال التي نفذها سلاح الجو التابع لجيش الاحتلال الإسرائيلي خلال الأيام القليلة الماضية ضد قيادات وازنة من حزب الله ومنهم أمين عام الحزب حسن نصر الله يمكن القول إنها أصابت الجميع بالصدمة، المؤيدة والمعارضة لحزب الله، ويرى المحلل العسكري ليديعوت أحرنوت إنه رغم التطور التكنولوجي الإسرائيلي في مجال التجسس، إلا أن العامل البشري في الميدان هو الحاسم.
بعد اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله بقصف جوي إسرائيلي على الضاحية الجنوبية في بيروت، كتب المحلل العسكري ليديعوت أحرنوت رون بن يشاي تحت عنوان: “الأشخاص الذين شغلهم الموساد في الساحة الخلفية لحزب الله قادوا لاغتيال نصر الله”، وادعى بن يشاي إنه لم تكن “المعلومة الذهبية” هي التي أدت لاغتيال قائد حزب الله، يل البنية التحتية الاستخبارية التي بُنيّت على مدار عقد من الزمن في الساحة الخلفية للحزب.
وتابع رون بن يشاي: حتى من هو ليس خبيراً عسكرياً يدرك أن عملية “سهام الشمال” وخاصة اغتيال قيادة حزب الله بما فيهم أمين عام الحزب حسن نصر الله لا يمكن أن تكون دون معلومات استخبارية دقيقة، والتي أشارت ليس فقط للمكان الذي تواجدوا فيه، بل للوقت الذي يجب فيه إطلاق القنابل، وخاصة التي تخترق الملاجئ والتي قتلت حسن نصر الله وقيادة الحزب المتواجدة معه.
هذا ليس كل شيء كتب بن يشاي، المعلومات الاستخبارية أشارت إلى العمق الدقيق لغرفة الاجتماعات في الموقع تحت الأرض في الضاحية في بيروت، والذي اجتمع فيه نصر الله مع قيادات من الحزب من أجل بلورة خطط استراتيجية لاستمرار الحرب.
المعلومات الاستخبارية هي التي مكنت تحديد الزاوية والارتفاع الذي منه أطلقت القنابل، لكي تتمكن من الاختراق والانفجار في المكان المطلوب بما فيه غرفة الاجتماعات، هذه المعلومات تم الحصول عليها من خلال سلسلة عمليات استخبارية بدونها كانت إسرائيل لازالت تفتش في الظلام، وسلاح الجو مستمر في البحث عن منصات إطلاق الصواريخ.
من الممكن القول إن كل ما يجري في لبنان من يوم الثلاثاء الماضي هو نتيجة منظومة استخبارية عمرها سنوات، نتيجتها عملية القضاء على قيادة الحزب، وتدمير مخزونه من الصواريخ والقذائف والطائرات المسيرة، وهذه يمكن وصفها بالنتائج الفورية، عملياً يدور الحديث عن حرب مكونة من ثلاث مراحل/طبقات، طبقتان تتعلق بالاستخبارات، والتي من خلالها تم الكشف عن المخابئ، والطابق الثالث الذي يمكن من خلاله الرؤية والتنفيذ، وعملياً يوجد طابق مخابراتي آخر وهو التقييم لمعرفة ما حققته الهجمات الجوية.
وتابع المحلل العسكري ليديعوت أحرنوت: الطبقتان الأولى والثانية لا يمكن القول عنها إلا القليل، ولكن يمكن القول وبشكل كبير، المعلومات الاستخبارية التي أدخلت لحواسيب الطائرات والتسليح إنجاز لاستخبارات الجيش الإسرائيلي، وبشكل خاص للوحدة 8200، المسؤولة عن جلب المعلومات من التنصت على المكالمات الهاتفية وعبر وسائل السايبر ووسائل تكنولوجية أخرى، بالإضافة إلى معلومات للوحدة 9900 التي تجمع معلومات عبر الذكاء البصري، لتحديد كيف تُرى الأهداف، ووحدة تشغيل العملاء التي تحمل اسم وحدة 504.
حسب مصادر من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، جهاز الموساد الإسرائيلي بدأ تخطيط الحرب ضد حزب الله قبل أكثر من عشر سنوات، الموساد درس التنظيم الشيعي بما فيه من نقاط قوة ونقاط ضعف، بناءً على ذلك بدأ التخطيط، وبناءً على ذلك تم تخطيط عدد من العمليات الاستخبارية الميدانية، والتي كانت المعركة الاستخبارية الأساسية التي بدونها لم يكن الجيش الإسرائيلي قادر على القيام بما قام به هذه الأيام.
نفس المصدر الأمني قال، العمليات الاستخبارية الإسرائيلية زادت وتيرتها بعد الحرب في العام 2006، خلال تلك الحرب الموساد هو من مكن سلاح الجو الإسرائيلي من تنفيذ عملية “الثقل النوعي”، والتي دمر فيها سلاح الجو الصواريخ الثقيلة التي زودت إيران فيها حزب وحملت الاسم “زلزال”.
شخصية أمنية إسرائيلية سابقة قالت: “العمليات الاستخبارية الإسرائيلية التي مكنت من النجاح أمام حزب الله ومنعت عمليات دمار وخسائر كبيرة في الجبهة الداخلية بفعل صواريخ زلزال”، وفي الحرب الحالية تمكن جهاز الموساد أيضاً من توفير كل السبل التكنولوجية، ولكن في نهاية الأمر، قوة جهاز الموساد تكمن في تجنيد عملاء في ساحة العدو، الذين يجمعون المعلومات، والتي يتم ترجمتها لأهداف وتحويلها لسلاح الجو عندما تحين ساعة التنفيذ.
وعن اغتيال حسن نصر الله كتب المحلل العسكري ليديعوت أحرنوت: لم تكن “معلومة ذهبية” التي أدت لاغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله، إنما بنية تحتية استخبارية مكنت رئيس الأركان ووزير الحرب ورئيس الحكومة من اغتيال حسن نصر الله الأسبوع الماضي، وعلموا أن عناصر المخابرات والموساد سيوفرون لهم المعلومات عن التوقيت والمكان والزمان الذي يريدونه.
مع الأسف لا يمكن الحديث أكثر عن البنية التحتية الاستخبارية التي بناها الموساد والاستخبارات العسكرية معاً، جهات خارجية تنسب تفجير أجهزة البيجر وأجهزة الإرسال في لبنان لجهاز الموساد، وبدون البت إن كان ذلك دقيقاً أم لا، تفجير أجهزة البيجر مؤشر على عملية استخبارية واسعة امتدت لسنوات على مساحات عدة دول.
وختم رون بن يشاي تحليله بعد اغتيال حسن نصر الله بالقول: يمكن التقدير في ذات الوقت أن عمليات الموساد التي تأتي في إطار المواجهة مع حزب الله والمستمرة على مدار سنوات، هي التي تمكن الجيش الإسرائيلي من المبادرة لتنفيذ عمليات اغتيال، وتدمير منصات إطلاق صواريخ، والسيطرة على عمليات التصعيد وفق إرادته.
بقي الإشارة إلى أن كل ما يكتب وينشر من تفاصيل حول عمليات الاغتيال لقادة حزب الله وعلى رأسهم الأمين العام للحزب خاضعة بشكل كامل للرقابة العسكرية الإسرائيلية التي تصادق بشكل مسبق على كل حرف يكتب في هذا المجال.
بالتالي ما كتبه المحلل العسكري ليديعوت أحرنوت يمكن اعتباره اعتراف إسرائيلي رسمي بوجود عملاء للموساد وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الأخرى في صفوف الحزب، وفي مواقع متقدمة في مؤسسات الحزب، لا أحد بحاجة لهذا الاعتراف كونها حقيقة واضحة، ولكن الاعتراف الإسرائيلي يحمل رسالة للمقاومة ضد الاحتلال أينما كانت، في سياق محاولة استعادة نظرية الردع الاستخباري الإسرائيلي خاصة بعد السابع من أكتوبر.