loading

لمياء الجمل: صيدلانية حولت الماء إلى خضار

تسنيم دارويش

بعيدًا عن زحمة الحياة السريعة في المدينة وجدت الصيدلانية لمياء الجمل شغفها في حياة الريف، وجعلت من حبها للنباتات طريقًا لمشروع يعكس إبداعًا مختلفًا وغير مألوف، حيث قامت ببناء بيت بلاستيكي للزراعة وسط المنازل لتصبح رائدة في مجال “الوظائف الخضراء”، معتمدة على أحدث الأساليب الزراعية المستدامة.

الجمل تقول في حديث ل “بالغراف” أنه وبسبب نقص المياه خاصة مع ظروف الحرب، أرادت ابتكار مشروعًا صديقًا للبيئة يساهم في توفير الموارد ويُنتج غذاءً صحيًا خاليًا من الأمراض والحشرات، مضيفة أنها لجأت للزراعة المائية والتي توفر حوالي 90% من المياه مقارنةً بالزراعة التقليدية، إضافة إلى أنها تحقق إنتاجية تفوق الزراعة العادية بأضعاف.

رحلة غير تقليدية: من الصيدلية إلى الزراعة المائية

وجدت الجَمل بزراعة الزهور والنباتات في حديقة منزلها ملاذًا يملأ روحها بالفرح والأمل، لكن سرعان ما تحولت هذه الهواية إلى مشروع طموح عندما التحقت ببرنامج “الوظائف الخضراء” الذي أطلقته منظمة “الفاو”، حيث قدمت فكرتها المبتكرة عن “الاستزراع السمكي”، الذي يدمج بين تربية الأسماك واستخدام المياه الناتجة عنها لري المزروعات، إلا أن الظروف الصعبة حالت دون تنفيذ فكرتها بالشكل الذي كانت تطمح إليه، إذ لم تتمكن من الحصول على الأسماك.

ورغم ذلك إلا أنها أظهرت قدرة استثنائية على التكيف، مما دفعها إلى إعادة صياغة مشروعها وتحويله للزراعة المائية بطريقة مبتكرة، مؤكدة أن دراستها للصيدلة ساعدتها بشكل غير مباشر في مشروعها، وخاصة في فهم كيفية قياس درجة الحموضة والموصلية عند إضافة السماد السائل إلى المياه، وهو ما ساهم في تطوير مشروعها بدقة علمية.

التحديات: البداية في أحلك الظروف

لم يكن طريق الجمل مفروشًا بالورود نظراً لكون الزراعة المائية حديثة العهد بفلسطين عموماً، فقد لجأت للدراسات العلمية والأبحاث المختصة بهذا المجال ثم استشارت المهندسين الزراعيين وذوي الاختصاص، الأمر الذي أكد لها أنها تسير في الطريق الصحيح.

وأكدت أنها بدأت العمل في ظروف مناخية صعبة في شهر فبراير وهو أحد أكثر الأشهر برودة، إضافة إلى أنها لم تتوفر لديها الأشتال التي كانت تخطط لزراعتها، وتحديدًا “الخيار والفراولة” ما دفعها إلى زرع الخس بدلاً من ذلك، ورغم هذه العقبات إلا أنها أصرت على المواصلة وتطوير مشروعها، مشيرة إلى أنها في البداية شعرت بالإحباط لكنها وبدلاً من التراجع غيرت اتجاهها نحو زراعة أنواع أخرى من المحاصيل ثم إلى التشتيل بنفسها

إنتاج فعّال في مساحة محدودة

اعتمدت الجمل في نظام مشروعها على استخدام الماء بدلاً من التربة، حيث يتألف النظام من أنابيب محمولة على دعامات حديدية بارتفاع “30 سم” عن الأرض، وتحتوي هذه الأنابيب على ثقوب مخصصة لزراعة النباتات، ويتم ضخ المياه بشكل دوري من الخزان الرئيسي عبر مضخة ماء، لتنتقل المياه عبر الأنابيب ثم تعود مجددًا إلى الخزان، كما تم تزويد النظام بمضخة أكسجين لضمان تزويد النباتات بالأكسجين اللازم، ولتقليل تأثير العوامل الجوية والحشرات اختارت أن يكون النظام مغلقًا داخل بيت بلاستيكي، ليُثبت هذا النظام نجاحه حيث تمكنت من إنتاج 1050 شتلة في مساحة 250 متر مربع.

استغلال كل شبر من الأرض

لم تكتفِ الجَمل بالزراعة في الأنابيب المائية فقط بل وجدت طريقة لاستغلال الأرض الموجودة تحت هذه الأنابيب ورفضت أن تُفَرِطَ بالتربة الموجودة أسفلهم، مؤكدة أن الأنابيب مرتفعة عن الأرض بحاملات حديدية بارتفاع نصف متر تقريبًا، ما ألهمها لزراعة الأرض تحتها باستخدام نظام الري بالتنقيط، فمثلت هذه الخطوة نقلة نوعية لمشروعها، حيث تمكنت من زراعة الخضروات مثل “الكوسا، والباذنجان، والفلفل، والبندورة، إلى جانب الخضروات المزروعة مائيًا مثل الخس، والخيار، والفراولة”، وبفضل ذلك لم يكن هناك أي هدر للمياه، حيث يتم توزيع المياه بشكل متساوٍ على المحاصيل، مما جعل المشروع يتسم بالكفاءة العالية في استخدام الموارد الطبيعية.

سر الاستمرارية

حصلت الجَمَل على دعم عائلتها خاصة والديها حيث كانوا يشاركونها في زراعة الشتلات والاهتمام بالمزرعة، مما كان له أثرً كبيرًا على استمرار المشروع في ظل الظروف الصعبة، وعلى الرغم من دخولها مجالًا غير تقليدي للنساء في مجتمعها، إلا أنها لم تواجه اعتراضات أو انتقادات كبيرة، بل على العكس من ذلك شكلت مثالًا حيًا للمرأة التي تَكسر الحواجز وتخوض مجالات جديدة بثقة، مبينة أنها ربما سمعت بعض الانتقادات، ولكنها لم تؤثر عليّها أو على رؤيتها للمشروع.

الابتكار والاستدامة

تؤكد الجَمل أن ما يميز محاصيلها أنها نظيفة ولا تحتوي على غبار أو شوائب، وهذا ما لاحظه المشترين، خاصة من المطاعم التي تفضل منتجاتها لمذاقها النقي والمميز، مشيرة إلى أن استخدام بقايا النباتات كسماد طبيعي للمحاصيل الأرضية يعزز من استدامة المشروع ويجعل منه نموذجًا يُحتذى به في الحفاظ على البيئة.

رؤية مستقبلية وطموحات لا تنتهي

تطمح الجَمل بتوسيع مشروعها ليصبح نقطة بيع رئيسية للمنتجات المزروعة في بيتها البلاستيكي، كما أنها تأمل في تقديم شتلات للفلاحين والمزارعين المحليين لتشجيعهم على التحول نحو الزراعة المائية، خاصة في جنوب الضفة الغربية في ظل الأوضاع الصعبة التي تشهدها المنطقة بسبب الحرب وإغلاق الطرق، مفيدة أن الزراعة المائية ليست فقط وسيلة لتوفير الغذاء، بل هي أيضًا فرصة لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتوفير مصدر دخل ثابت في ظل انعدام الاستقرار الاقتصادي، مضيفة أنها ترى مستقبلًا واعدًا للزراعة المائية، خاصة مع التطور التكنولوجي وزيادة الوعي حول فوائدها في ظل الظروف المناخية والحرب.

رسالة للنساء والشباب

تسعى الجَمل لتقديم تدريبات للنساء والشباب في مجال الزراعة المائية، إيمانًا منها بأن هذا المجال يمكن أن يكون مصدر دخل مستدام للكثيرين في ظل التحديات الاقتصادية، موجهة رسالتها للنساء والشباب بأن لا يخافوا من دخول مجالات جديدة وغير تقليدية، وأن يضعوا أهدافهم أمامهم ويثقوا بأنفسهم فالنجاح لا يأتي دفعة واحدة بل خطوة بخطوة، مشددة على ضرورة إيمانهم بقدرتهم على التغيير مهما كانت الظروف.

تشعر اليوم الجَمل بفخر كبير عقب نجاح مشروعها ورؤيتها لثمار مجهودها ينمو، مؤكدة أن هذا المشروع ليس مجرد مصدر دخل بل هو أيضًا مصدر إلهام ودافع للتغيير في حياتها، فالزراعة المائية بالنسبة لها باتت أكثر من مجرد مهنة وأصبحت رحلة نحو الاكتشاف الذاتي المليء بالتفاؤل والأمل.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة