ياسمين الأزرق
على مرأى من العالم، يُبدع جنود الاحتلال الإسرائيلي بأساليب القتل التي يستخدمونها ضد المدنيين في قطاع غزة، وهم يطلقون ضحكاتهم دون وجود رادع يجعلهم يفرقون بين مسن، طفل، امرأة، أم حامل، ذوي الإعاقة أو العائلات، بل إنهم بعد تهجيرهم لأهالي قطاع غزة وتدمير منازلهم، يتجولون داخلها ويلعبون بممتلكاتهم، يرتدون ملابسهم ويلعبون بألعابهم ويفجرون البيوت رغبة بالتسلية، ويصورون أنفسهم لاستفزاز الفلسطينيين ممن يشاهدونهم وهم يسرقون ذكرياتهم وذكريات أطفالهم، لكنّ ذلك كله غير مهم أبدًا في نظر CNN التي خرجت بتقرير تحكي فيه عن الاضطرابات النفسية التي يعاني منها جنود الاحتلال الإسرائيلي ممن شاركوا في الحرب على غزة، وسبب قتلهم وتنكيلهم بالمدنيين هو “اضطرابهم النفسي” بالإضافة إلى أن “الجنود يواجهون معضلات أخلاقية حين يلتقون بالمدنيين في غزة”.
أنسنة الوحشية في سردية CNN تبرير صريح للقتل الإسرائيلي
تقول CNN في تقريرها بأن الجندي الإسرائيلي “المسالم”، ليس شخصًا شريرًا أبدًا، هو فقط عانى من اضطراب ما بعد الصدمة والأمراض العقلية التي كان سببها الصدمات التي تعرّض لها أثناء الحرب، مشيرة إلى أن عددا من الجنود (غير واضح العدد) انتحروا لهول ما رأوه في غزة.
وفي نبرة استعطاف للعالم، استعرضت CNN قصة جندي الاحتياط (إيليران مزراحي)، وحين قدّمته للعالم في تقريرها وصفته بأنه “أب لأربعة أطفال” في محاولة منها لاستعطاف القراء والمشاهدين عالميًّا وأنسنة وحشية الجنود الإسرائيليين، فمزراحي عانى، كما أفادت CNN، مما وصفته بـ “اضطراب ما بعد الصدمة”، والتي أدت لانتحاره.
هذا السرد الاستعطافي كان مقدّمة لإخبار العالم بأنه إنسان وله ضمير يقظ جعله ينتحر بسبب ضغط حكومته عليه مبررة مقاطع الفيديو والصور التي انتشرت له وهو يفجّر منازل ومباني في غزة ويلتقط لنفسه صورًا ساخرة أمام هياكل البيوت المدمرة، وتستغرب شقيقته من وصف رواد مواقع التواصل الاجتماعي له بـ “القاتل”!
طبيب من الجيش الإسرائيلي: “الجنود يواجهون معضلات أخلاقية حين يلتقون بالمدنيين في غزة”
تكمل CNN أنسنة الأفعال الإجرامية لجنود الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، مستشهدة بما يقوله طبيب منهم، دون أي حيادية فلم تستشهد بطبيب عالمي مثلاً، حتى لو كان أمريكيًّا لوصف الحالة النفسية للجنود، بل برّرت على لسانه إجرامهم بأنهم أخذوا فكرة مسبقة عن المدنيين في غزة بأنهم يعملون مع حماس!
لكنّها لم تقف أمام دفاعها المستميت عن الجنود عند هذا الحد، بل وصفت سائقي الجرافات من جنود الاحتلال، الذين شاهدهم العالم وهم يجرفون الناس أحياء، ويدهسونهم بجرافاتهم، وينكلون بجثثهم، ويسوون أجسادهم مع الأرض، بأنهم “الأكثر تعرضًا لوحشية الحرب”!
وذلك على لسان أستاذ علوم سياسية في لندن “خدم في الجيش الإسرائيلي لـ 6 سنوات”، ولأنسنة وحشيتهم يقول أهرون بريغمان عن هذه الفئة من الجنود “ما يرونه هو جثث، ويقومون بتنظيفها مع الحطام. إنهم يمرون فوقها”، أي أن المبرّر هنا أنهم حسب وجهة نظره ينظفون المكان من الحطام فيدهسون الناس أحياء وينكلون بالجثث!
لكنه لا يكتفي بذلك بل يطرح تساؤلًا مهمًّا “كيف يمكنك أن تضع أطفالك في الفراش عندما رأيت أطفالاً يُقتلون في غزة؟”، وفعل القتل في التساؤل المطروح من الجندي السابق وهو يصف الحالة النفسية لزملائه الحاليين، هو فعل مبني للمجهول، وكأنهم لم يقتلوا إنسانًا واحدًا خلال هذه الحرب، هم فقط شاهدوا المأساة!
الحالة النفسية للفلسطينية بعد أهوال حرب غزة المستمرة هامشية في تقرير CNN
في آخر التقرير الخاص بها وبعد التلاعب بالمصطلحات ونسف الموضوعية والحيادية من العمل الصحفي، واستعطاف العالم بحالة الجنود الإسرائيليين، تقتصر CNN على وصف الحالة النفسية لمن يصارع للبقاء حيًّا حتى اللحظة من بين 2 مليون إنسان في قطاع غزة، بجملة هامشية في آخر التقرير، “من المرجح أن تكون الاضطرابات النفسية في غزة كبيرة أيضاً” واستشهدت بفقرة هامشية من تقرير سابق للأمم المتحدة نُشر في آب الماضي، قالت فيه “إن تجارب سكان غزة تتحدى “التعاريف الطبية الحيوية التقليدية” لاضطراب ما بعد الصدمة، “نظراً لعدم وجود “ما بعد” في سياق غزة”.