تسنيم دراويش
في حديقة منزلها الصغيرة المليئة بالخضرة، تتنقل سامية رجوب بين صفوف النباتات بهدوء، ممسكةً بورقة الألوفيرا برفق وكأنها جزء من كيانها، هنا بدأت قصتها بين هذه النباتات المتواضعة التي أصبحت رمزًا لصبرها وقوتها.
تسترجع الرجوب ذكرياتها، قائلة في حديث ل”بالغراف أنها تستذكر اليوم الذي جلبت فيه الألوفيرا للمنزل حينها كانت ذاهبة لتلقي تدريب في مؤسسة دورا لذوي الإعاقة، وعند خروجها لفت انتباهها نبتة الألوفيرا، وأعجبت بها كثيرًا فسمحوا لها بقص جزء منها، مؤكدة أنها زرعتها في حديقة منزلها.
تحدت الرجوب الصعوبات منذ نعومة أظفارها، حيث أصيبت بالسحايا قبل أن تبلغ عامها الأول، مما حرمها القدرة على المشي لسنوات، ورغم الألم والخوف لم تفقد الأمل، وفي السادسة عشرة من عمرها خضعت لعملية جراحية معقدة بقيت على إثرها 160 يومًا في الجبس، وحينها كانت النباتات رفيقاتها في تلك الأوقات العصيبة، مؤكدة أن “الألوفيرا” كانت مصدر إلهام لها، فهي تبدو قوية من الخارج لكنها شفافة من الداخل، مضيفة أنه وبعد العملية بدأت سامية رحلة العلاج الطبيعي حتى استطاعت الوقوف على قدميها، وكانت كل خطوة تذكرها بأن الحياة دائمًا تمنح الفرص لمن يسعى.
مع مرور الوقت، أصبحت الألوفيرا رمزًا للأمل والدعم في حياتها، حيث أهدتها إلى صديقاتها، واستخدمتها والدتها لعلاج الحروق، وبالرغم من وجود ضعف بسيط في يدها، إلا أنها قررت تكريس نفسها لزراعة الألوفيرا وتحويل هذا الشغف إلى مشروع يثمر نجاحًا.
لم تكتفِ الرجوب بزراعة الألوفيرا، بل وسعت شغفها ليشمل مجموعة متنوعة من الصباريات، المعروفة بجمالها وقدرتها على التكيف في مختلف الظروف، مضيفة أنها تحب زراعة الصباريات لأنها تضفي لمسة جمالية على أي مكان، سواء داخل المنزل أو خارجه، مبينة أن هذه النباتات تعكس القوة والقدرة على التكيف، تمامًا كما واجهت التحديات في حياتها وفق قولها.
تروج الرجوب لمنتجاتها عبر صفحتها على فيسبوك “مشتل الألوفيرا”، حيث تعرض عليها مجموعة متنوعة من النباتات التي تعكس شغفها وإبداعها في عالم الزراعة، فيما تطمح بفتح متجر هدايا ومشتل خاص بها، مؤكدةً أنها تود أن تكون أشتالها موجودة في كل منزل، لتجلب الحياة والأمل إلى الناس.
تُعتبر الرجوب رمزًا للإلهام في مجتمعها من خلال لعبها دورًا محوريًا في دعم نساء عائلتها، حيث شجعت والدتها وشقيقاتها وزوجات أشقائها على دخول عالم الزراعة والريادة، إيمانًا منها بأن التعاون هو مفتاح النجاح، مبينة أنه وعلى الرغم من صغر المشروع إلا أنهم يتعاونون معًا ويتقاسمون الأرباح التي ربما تكون بسيطة، لكنها تحمل بركة خاصة، ولا شيء أجمل من جني الإنسان للأموال بيديه.
تحلم الرجوب بتمكين النساء في مجتمعها، خاصةً اللواتي يواجهن ظروفًا صعبة، كما أنها تخطط لتوفير فرص عمل وتدريب في مجال الزراعة والريادة، مما يُتيح للنساء تحقيق دخل مستقل، مؤكدة أنها تريد لمشروعها أن يكون أكثر من مجرد عمل زراعي؛ وأن يصبح مساحة للنساء ليثبتن قدراتهن ويحققن استقلالهن.
تحظى الرجوب بدعم عائلتها، حيث كانوا بجانبها مع كل خطوة تخطيها صوب النجاح، بدءًا من مرافقتها خلال رحلة علاجها وصولًا لدعمها في إنشاء مشروعها وتلقي التعليم الذي يغذي شغفها، فيما تعبر الرجوب عن امتنانها لعائلتها، مفيدة بأنه لولا دعم عائلتها وخاصة والدها، لما تمكنت من الوقوف على قدمها والوصول إلى ما هي عليه اليوم، مؤكدة أنهم كانوا السند الذي تحتاجه معتبرينها دائمًا فتاة قوية قادرة على الإنجاز.
شاركت الرجوب في معرض محلي بالتعاون مع مركز مصادر للتنمية الشبابية في الخليل يهدف لدعم المشاريع الصغيرة وتعزيز روح الريادة، فكانت تلك الفعالية فرصة مميزة لها لعرض منتجاتها من النباتات، وتميزت بتفاعلها الإيجابي مع الزوار، حيث شاركت قصتها وكيف حولت التحديات إلى فرص، مشيرة إلى أن المعرض لم يكن مجرد مكان لعرض المنتجات، بل منصة للتواصل وبناء علاقات جديدة.
وحصلت سامية أيضًا على تمويل لدعم مشروعها، وهي تسعى باستمرار لتطوير مهاراتها من خلال تدريبات متنوعة، مؤمنة أن لكل امرأة مهما كانت تحدياتها القدرة على تحقيق أحلامها والنهوض بعد السقوط، مؤكدةً أن الحياة دائمًا تمنح الفرص لمن يؤمن بنفسه، موجهة رسالتها للنساء اللواتي يواجهن صعوبات، بأن لا يفقدن الأمل في رحمة الله، فهي واسعة، إضافة إلى أن النجاح يحتاج إلى صبر ومثابرة وعليهن البدء الآن، فالفُرص لا تأتي إلا لمن يسعى.