هيئة التحرير
أسفرت نتائج الانتخابات الأمريكية عن عودة ترمب لسدة الحُكم بولاية جديدة، وذلك عقب فوزه على المرشحة الديمقراطية كاميلا هاريس، فوز اعتبره نتنياهو عودة تاريخية لترمب مسارعًا بتهنئته.
وخلال حملته الانتخابية وعد ترمب بإنهاء الحرب وتسوية الأوضاع في الشرق الأوسط لمنع اندلاع حرب عالمية ثالثة، وعقب فوزه أعاد ما قاله بأنه لا يريد إشعال أي حرب بل سيُطفئ الحروب المشتعلة، فهل سينجح ترمب في إنهاء الحرب على غزة أم ستبقى مجرد وعود للحصول على أصوات الناخبين؟ وهل من الممكن أن يتخذ بايدن قرارات من شأنها التأثير على مجريات الأمور قُبيل تسلم ترمب للحكم في يناير المقبل؟!
الكاتب والمختص بالشأن الإسرائيلي خلدون البرغوثي قال في حديث ل ” بالغراف” إن الإعلام العبري لا يتفق بأكمله مع ترمب وبعضهم يفضلون إدارة بايدن التي أنتهت ولايتها في السياق العام، مضيفاً أن الإعلام المقرب من نتنياهو احتفى بفوز ترمب، لأنهم يرون أن تجربته الرئاسية الأولى استطاع التحقيق بها لإسرائيل ونتنياهو ما لم تستطع الإدارات الأمريكية الأخرى تحقيقه لهم، حيث “اعترف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل ونقل السفارة لها، إضافة لشرعنة الإستيطان، وشطب اسم الأراضي المحتلة في البيانات الأمريكية الرسمية، والاعتراف بسيادة اسرائيل على الجولان، وأيضًا خطة ترمب والتي هي عمليًا تنفيذًا لخطة نتنياهو في الضفة الغربية بالاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأراضي، وترك إدارة شؤون الفلسطينيين لأي سلطة ولكن ليس في إطار دولة فلسطينية أو إذا سُميت دولة فلسطينية تكون مجردة من مواصفات الدولة”.
وبين أن هناك نوعًا من النشوة والاحتفال في الاعلام المقرب من نتنياهو، الذي سارع بتهنئة ترمب واعتبار عودته عودة تاريخية ومُنتظرة، مفيدًا أنه في الوقت نفسه تشعر المعارضة الإسرائيلية بالقلق حيث إنهم لا يثقون بتعهدات ترامب بوقف الحرب ومدى صدقه بهذه الوعود، ففي بداية فترة رئاسته الأولى كان مُعاديًا لليهود في أمريكا ولكن مع توليه الإدارة وإحاطته بالمسؤولين من الحزب الجمهوري الذين قاموا بتحديد مسار اتجاهه السياسي الذي كان مُنحازًا تمامًا لإسرائيل.
بدوره يقول المحلل السياسي نهاد أبو غوش في حديث ل” بالغراف” أنه مهما كانت هوية الرئيس الأمريكي سواء كان ديمقراطيًا أو جمهوريًا فإن السياسات الأمريكية بشكل عام هي منحازة تمامًا لإسرائيل، ولكن تأثير وفعالية هذه السياسة يعتمد على الوضع الفلسطيني فإن كان الوضع يُغري الإسرائيلي في العدوان والتمادي به فإنه يُغري أيضًا الأمريكي في دعمه لإسرائيل، حيث كلما كان الوضع الفلسطيني مفككًا ومنقسمًا كلما شجع هذا الأمريكي والإسرائيلي على التمادي وتجاوز الحقوق الفلسطينية، ولكن كلما كان الوضع الداخلي أفضل فبالتأكيد ستكون قدرة السياسة الأمريكية على تجاوز الحقوق الفلسطينية أقل
وبين أبو غوش أن خيارات الفلسطينيين ليست مع ترامب أو هاريس، فالخيارات هي بين السيء والأسوأ، حيث الإدارة الديمقراطية دعمت “إسرائيل” ودعمت حرب الإبادة على غزة بكل الطرق “عسكريًا، وسياسيًا، وماليًا”، مضيفًا أنها قامت أيضًا بحماية “إسرائيل” في مجلس الأمن وكل ما يمكن لأي بلد أن تفعله فعلته الإدارة الأمريكية في صالح العدوان، بل إنها استخدمت حق النقض الفيتو ثلاث مرات في الأمم المتحدة ضد وقف إطلاق النار وضد المساعدات الإنسانية.
وأكد أن إدارة ترامب كانت أسوأ هي الأخرى حيث إنها أقرت بكون القدس عاصمة لإسرائيل ونقلت سفارتها إليها، واعترفت بالسيادة الإسرائيلية على الجولان وهناك حديث عن احتمال اعترافها بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية وخاصة المنطقة “ج”، إضافة لكونه صاحب مشروع “صفقة القرن”، مشيرًا إلى أنه في الوقت نفسه يصعب توقع سياسة ترمب وما الذي سيفعله وهو يميل إلى الصفقات أكثر من كونه شخص أيدلوجي ولديه مبادئ، ولكن هل سيجاري نتنياهو في عدوانه المفتوح وحروبه التي لا تنتهي فيؤكد أنه لا يعتقد ذلك، لأن ذلك ليست من مصلحة الولايات المتحدة أن تنجر وراء نتنياهو ومغامراته هو وبن غفير وسموترتيتش معتقدًا أن أي حساب للمصالح الأمريكية بعيدة المدى سيكون معنيًا بإبرام صفقات وتسويات وحلول، مؤكداً أنه بقدر ما يكون البيت الداخلي الفلسطيني مرتبًا والوضع العربي متماسكًا بقدر ما يمكن صد محاولات المساس بالحقوق الوطنية الفلسطينية
وعود انتخابية أم لا؟!
وحول إمكانية إيقاف ترمب للحرب، أكد أبو غوش أنه إن كان ترمب سيُنهي الحرب فعلى أي قاعدة، هل على قاعدة تنفيذ المخطط الإسرائيلي بتصفية القضية والتهجير والتدمير الشامل، أم على قاعدة القرارات الدولية ومبادئ الأمم المتحدة والاعتراف بجهة فلسطينية واحدة تمثل الفلسطينيين بالضفة وغزة، مشيراً إلى أن إنهاء الحرب الذي يتحدث عنه ترمب ينطبق على أوكرانيا أكثر مما ينطبق على فلسطين، خاصة وأنه صاحب مشروع “صفقة القرن” التي شطبت الحقوق الوطنية والسياسية الفلسطينية، واقتصرت الحقوق على الجوانب المعيشية والاقتصادية، وهذا أمر خطير بأن يجري تعويض ومقايضة الحقوق الوطنية ببعض التحسينات المعيشية، التي تعني عمليًا تحسين شروط الاحتلال وليس إنهائه، ولذلك فإن شعار إنهاء الحرب ربما يكون شعارًا خادعًا ولا ينطوي على الإقرار بحقوق الشعب الفلسطيني وخاصة حق تقرير المصير
فيما بين البرغوثي أنه يوجد هناك أقل من ثلاثة أشهر لتولي ترمب الحكم بشكل رسمي، ولا يُمكن التكهن بما الذي يمكن أن يحصل خلال هذه الفترة، خاصة أن بايدن والحزب الديمقراطي تحرروا من الحملة الانتخابية وبات هناك نوعًا من الثأر بينهم وبين نتنياهو، مضيفاً أنه من غير الواضح ما الذي يمكنهم فعله قبل تولي ترمب الرئاسة ولكن من الواضح أن نتنياهو سيذهب للإستمرار في الحرب.
وأشار إلى أنه إن استطاع الحزب الجمهوري التأثير على ترمب خلال هذه الفترة لاستمرار الحرب تحت شعار مصالح أمريكا وإسرائيل فمن الممكن تغيير الموقف تماماً، مؤكداً أنه من الصعب توقع إمكانية اقدام ترامب على إنهاء الحرب من عدمها رغم أن الخطاب الرسمي لترامب في الحملة الانتخابية أنه سيسعى لإنهاء الحرب، ولكن في إطار المصالح والضغوطات واللوبي فمن الصعب توقع سلوك ترامب عقب استلامه الحكم تجاه إسرائيل ونتنياهو
وأفاد بأن من رأى ما فعله نتنياهو واستغلاله لفرصة انشغال الجميع وقيامه بإقالة غالانت لعدة أسباب منها اتخاذ غالانت خطوة تهدد الائتلاف الحكومي من وجهة نظر نتنياهو، عقب إصداره لسبعة آلاف أمر استدعاء للحريديم للخدمة العسكرية، الأمر الذي جعل الحريديم يثورون لدرجة أن بعض المحللين قالوا أن “الحريديم لا يخدمون في الجيش لكنهم يحددون قادته”، مشددًا على أنه من الصعب توقع ما الذي يمكن أن يتحقق بالحرب وما الذي يمكن أن تخسره اسرائيل بها، مؤكداً أن الشهرين القادمين هن من يحددن اتجاه الأمور لأنه من الصعب الآن التوقع وخاصة في حالة ترامب لأن الحالة تختلف، حيث وعود الانتخابات شيء وتحقيق هذه الوعود بعد الفوز شيء آخر
وأوضح البرغوثي أنه بالفترة الرئاسية الأولى لترامب رأينا التعاون بين نتنياهو وترمب إلى أين وصل، سواء من ناحية القضاء على القضية الفلسطينية من جهة وفتح التطبيع من جهة ثانية، إضافة إلى شرعنة الاستيطان والذي يأتي في إطار محاولة القضاء على القضية الفلسطينية، مؤكدًا أن هذا التمازج خطير جدًا وفي ظل الوضع الحالي والحرب فمن الصعب معرفة بكلام من سيقتنع ترمب ولكن الحزب الجمهوري الذي معظم قادته يؤمنون بالمسيحية الصهيونية منحازين تماماً لإسرائيل وبكل ما تقوم به وحتى بالمغامرات العسكرية التي تقوم بها حالياً.
خطوات لرد الاعتبار
وعن إمكانية قيام بايدن بعدد من الخطوات التي من الممكن أن تغير مجرى الأمور، بين البرغوثي أن بايدن أمام معضلتين فهو يصف نفسه بأنه صهيوني وصديق لإسرائيل وليس لنتنياهو، وبات بينه وبين نتنياهو نوعًا من الثأر الشخصي حيث كل ما قدمه بايدن لإسرائيل منذ السابع من أكتوبر من دعم مالي وعسكري ودبلوماسي، جُوبه بصفعات متتالية من نتنياهو برفض مقترحات إنهاء الحرب حيث أفشلَ نتنياهو كافة المحاولات.
وأضاف أن الإدارة الأمريكية من خلال دعمها لإسرائيل كانت تتهم الفلسطينيين بأنهم من يّفشلون التوصل لصفقة، مشيراً إلى أنه من الممكن تكرار سيناريو ما فعله أوباما مع نتنياهو بالموافقة على قرار مجلس الأمن “2334” الذي يدين الإستيطان ويدعوا إسرائيل لوقفه باعتباره غير قانوني، ولكنه يبقى مجرد قرار لكن المطلوب إن كان يود بايدن فعل شيء فعليه القيام بشيء فعلي وليس مجرد اتخاد قرار بمجلس الأمن ورد اعتبار سياسي فقط كما فعل أوباما.
وتابع بأنه يصعب توقع ما الذي يمكن أن يفعله بايدن خلال الشهرين، ولكن قد يكون هناك محاولة لرد الاعتبار منه تجاه نتنياهو وما تسبب به للإدارة الأمريكية، خاصة إن ثبت أنه في الولايات الحاسمة كان للدور والصوت العربي تأثير ومساهمة في سقوط الحزب الديموقراطي في هذه الإنتخابات، وذلك بسبب استمرار نتنياهو في الحرب وإحراج الإدارة الأمريكية أمام الناخبين المؤيدين للقضية الفلسطينية بشكل عام
من جانبه أفاد أبو غوش أن هذا يبقى احتمالًا واردًا وذلك من قبيل أن نتنياهو فعل كل ما هو استفزازي لإدارة بايدن، وربما في لحظة معينة من الممكن أن يمرر قرارات في الأمم المتحدة وأيضًا ربما يُجمد بعض شحنات الأسلحة ولكن هذا ليس واضحًا، وذلك لأن قرارات الإدارة الأمريكية ليست مزاجًا شخصيًا لأي رئيس بل هي عمل مؤسسات ومصالح، مؤكداً أنه تم رؤية مسؤولين صهاينة أكثر من الإسرائيليين في الإدارة الأمريكية، مشيرًا إلى أن بايدن كان طوال الوقت منحازًا لإسرائيل بشكل كامل، متوقعاً أن لا يفعل شيئًا إلا من باب ردة الفعل والانتقام على سياسة نتنياهو الذي كان منحازًا بشكل صارخ لترامب
الوحدة الفلسطينية هي الحل!
وحول المطلوب فلسطينيًا أوضح أبو غوش أنه يجب ترتيب الوضع الداخلي الفلسطيني من خلال إعادة توحيد الموقف، فكلما كان الفلسطينيون منقسمون كلما أغرى هذا أعداء الشعب الفلسطيني بتنفيذ مخططاتهم، حيث غزة تُباد وتُهَجر وتدمر، مشيرًا إلى أن الحالة الوطنية لا تبشر بخير حتى الآن، معتقدًا أن الحلقات المقبلة هي حلقات خطيرة من حيث استكمال الحرب ومحاولة حسم نتائج الحرب.
وشدد على أن الحل الوحيد هو وضع الخلافات السياسية مهما كانت، مؤكدًا أن هناك مؤشرات إيجابية لذلك فالاجتماع الأخير بالقاهرة كان يدلل على ذلك، من خلال الإتفاق على أنه لا مستقبل لغزة إلا المستقبل الفلسطيني الموحد مع الضفة، والعمل على تشكيل هيئات تحت مظلة إشراف منظمة التحرير تُدير غزة ولذلك فهذه مؤشرات إيجابية، مؤكداً أنه لا يمكن معرفة مدى واقعيتها أو مدى إمكانية العمل بها في المدى القريب، ولكن إن وَحَدَت القوى السياسية الفلسطينية صفوفها وجُهدها فإن العالم سيضطر للتعامل معها.