loading

مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت: هجوم إسرائيلي وترحيب فلسطيني

هيئة التحرير

أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الحرب المُقال يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب، قرار واجه هجومًا كبيرًا من الأوساط الإسرائيلي متهمين المحكمة بمعاداة السامية، وسط ترحيب فلسطيني وإعلان عدد من الدول الالتزام بقرار المحكمة، فما الأمر المترتب على إصدار هذا القرار؟! 

 المختص بالشأن الإسرائيلي خلدون البرغوثي قال إن ردة الفعل الإسرائيلية تضمنت هجوماً شاسعًا من كافة الفئات ضد المحكمة الجنائية والمدعي العام وضد القضاة، مضيفاً أن مكتب نتنياهو علق على هذا القرار باعتباره يُذكِر بمحاكمة درايفوس المعاصرة وهي المحاكمة التي جرت في فرنسا لجندي يهودي  إتُهِمَ بالخيانة، وهي التي أطلقت مشاعر كبرى معادية للسامية في فرنسا ضد اليهود، مؤكدًا أنه المكتب اتهم المدعي العام والقضاة بالإنحياز ضد إسرائيل وبأنهم معاديين للسامية، مشددًا على عدم استسلام إسرائيل ومواصلتها الدفاع عن نفسها

ولفت البرغوثي إلى أن كافة الأقطاب السياسية الإسرائيلية سواء من المعارضة أو من الإئتلاف هاجمت المحكمة، حيث هاجمها لابيد معتبرًا ما تقوم به اسرائيل دفاعًا عن النفس، مفيدًا بوجود بعض الأصوات داخل إسرائيل هاجمت نتنياهو واعتبرت أن ما يقوم به ضد القضاء الإسرائيلي ورفضه تشكيل لجنة تحقيق رسمية كان يمكن أن تمنع صدور مثل هذا القرار هو ما أدى إلى إصداره، بمعنى أن نتنياهو يتحمل مسؤولية صدوره بجزئية معينة حيث أضعف القضاء الإسرائيلي والثقة الدولية به، وهو ما شجع المحكمة على إصدار مذكرات الاعتقال 

وأفاد أن وسائل الإعلام الإسرائيلية أشارت إلى أن مذكرات الاعتقال هذه صدرت منذ فترة وكانت سرية ولكن تَقَرَرَ الإعلان عنها اليوم، مبينًا أن هناك مخاوف من إمكانية وجود أوامر سرية باعتقال آخرين في اسرائيل خاصة في الأوساط العسكرية وربما السياسية من أصحاب القرار، مشيراً إلى أنه طالما أن القرار كان سريًا وأُُعلُن عنه اليوم، فمن الممكن أن يكون هناك أوامر اعتقال سرية ضد آخرين 

وأوضح البرغوثي أن نتنياهو بعد هذا القرار قد يصبح مُحاصرًا دوليًا، حيث تحركه وزيارته لكافة الدول الموقعة على ميثاق المحكمة الجنائية سيمنعه من دخولها، مبينًا أنه كان هناك رهانًا من إمكانية رفض بعض الدول لهذا القرار ولكن مثلاً هولندا وفرنسا وغيرها من الدول أكدت تنفيذها لمثل هذا القرار، مؤكداً أنه يبدو أن هناك توجهًا لتنفيذ هذا القرار من معظم الدول.

وأوضح أن حركة نتنياهو ستصبح محاصرة بمعنى أنه حتى لو أراد زيارة دول أخرى لم توقع على ميثاق المحكمة ولن تقوم باعتقاله إلا أنه يُخشى من حدوث أي طارئ يجعل طائرته تهبط في إحدى الدول الموقعة على هذا الميثاق وبالتالي يصبح أمر اعتقاله واردًا، مفيداً أن هذا الأمر نُوقِشَ خلال زيارة نتنياهو إلى أمريكا قبل عدة أشهر وذلك على مستوى منظومة الحراسة للشخصيات الكبرى في اسرائيل، والآن بعد أن حصل هذا الأمر فقد يصبح نتنياهو الآن من الصعب عليه حتى زيارة أمريكا إلا إذا كان يضمن وصوله إليها دون الاضطرار للهبوط في إحدى الدول الموقعة على ميثاق المحكمة 

من جانبه يقول المحلل السياسي نهاد أبو غوش في حديث ل” بالغراف” أنه لا شك أن هذا القرار مهم جدًا، فهو يضع حدًا فاصلًا لمرحلة طويلة من الظلم ومن العربدة الإسرائيلية التي تفترض أن إسرائيل دولة فوق القانون ويمكنها مواصلة ارتكاب الجرائم دون محاسبة أو معاقبة أو مساءلة.

وأكد أن هذا القرار وضع حدًا فاصلًا لهذه المرحلة وبالتالي فإن كافة أعمال اسرائيل باتت تحت مجهر الرقابة الدولية، وتحت طاولة العقوبات لأن مذكرات الاعتقال تؤكد أن هناك أسبابًا قوية للاعتقاد بأنهم ساهموا في ارتكاب أو أمروا بارتكاب جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب، مضيفًا أن هذا القرار هو أكثر لطخة عار في تاريخ إسرائيل.

وأفاد أبو غوش بأن هذا القرار  لن يؤثر على إسرائيل فقط في اعتقال نتنياهو وغالانت فهما لن يسافرا للدول التي ستكون ملتزمة بتنفيذ هذا القرار، ولكنه سيفتح مرحلة جديدة لفرض العقوبات والمقاطعة الاقتصادية ووقف إمدادات السلاح،  وهو يعزز المطالبة الفلسطينية بالدعوة لوقف الحرب وهذه الجرائم خلافًا لما قررته الولايات المتحدة بالأمس بتعطيل الإرادة الدولية 

وأوضح أن هذا القرار تاريخي وملزم، مشيراً إلى أنه لا يعزي الضحايا الذين فقدوا كل ما يملكون وحياتهم وتعرضوا لأقسى أنواع العذاب، لكنه ربما يبعث نوعًا من الأمل لأبناء الشعب الفلسطيني بأن هناك حدًا لهذه الجرائم المستمرة.

تغيير في مجريات الحرب 

وحول إمكانية تغيير هذا القرار من مجريات الحرب بين أبو غوش أنه من الممكن أن يغير هذا القرار من مجريات الحرب، خاصة وأن استمرار الاحتلال في جرائمه  في ظل هذا القرار يعني أن كافة أفعال إسرائيل باتت تحت الرقابة والمحاسبة وسيُعَرِض ليس فقط نتنياهو وغالانت لعقوبات، بل ربما يشمل عشرات الضباط والمسؤولين بما في ذلك المحرضين أو من صادق على هذه القرارات والذين أيدوها، بمن فيهم القادة الدينيين والإعلاميين والوزراء وضباط الجيش، وبالتالي سيكون هناك فئة كبيرة من المسؤولين يُحظر عليهم السفر، وهو ما سيؤثر على علاقات إسرائيل وربما تصدر قرارات سرية من قبل المحكمة والتي بالعادة تلجأ للقرارات السرية لحماية الشهود.

وتابع بأنه لا يمكن للمحكمة إصدار مثل هذه القرارات بعد تردد طويل وبعد تعرضها لضغوطات وابتزازات شديدة من دول كبرى، إلا بعد أن تكون تيقنت من هذه الجرائم خاصة أنها تستند لشهادات موثقة، إما من تصريحات المسؤولين الإسرائيليين أنفسهم أو شهادات عاملين في منظمات دولية وخاصة المستشفيات ووكالات الإغاثة، خاصة ما جرى في بعض مستشفيات القطاع ومراكز الإيواء والبعثات الدولية والعاملين في الأمم المتحدة، وهي كلها أدلة دامغة لارتكاب إسرائيل لهذه الجرائم 

فيما توقع البرغوثي أن لا يغير مثل هذا القرار على مجريات الحرب حيث طالما صدر القرار فما حدث في غزة وما يحدث الآن لن يؤثر على ما تقوم به اسرائيل، فنتنياهو يهمه فقط نجاته السياسية ونجاته تَكمُن في استمرار الحرب وربما إنهاء المواجهة مع لبنان والتفرغ لغزة وطالما أن القرار قد صدر فقد تعجز اسرائيل عن منعه، ولذلك فالأمر بالنسبة لنتنياهو قد وقع وهو سيواصل مع يقوم به سواء على المستوى العسكري في غزة أو على صعيد ما يحدث في الضفة، مفيداً بأن صفقة القرن تضمنت ضم مساحات كبيرة من الضفة الغربية ولذلك لا شيء مُستغرب للقيام به.

وبين أن نتنياهو ضحى بأمن إسرائيل واقتصادها والجنود والأسرى وسمعتها على المستوى الدولي، ووفق ما قاله محلل إسرائيلي اليوم بأن نتنياهو وُضِعَ في فئة مجرمي الحرب من أمثال بوتين الذي صدر بحقه أمر اعتقال، وكثير من القادة العسكريين الذين أُصدِر بحقهم مذكرات اعتقال، أو ممن قامت المحكمة باعتقالهم.

صدمة إسرائيلية وردة فعل هستيرية 

عقب صدور القرار شهد العالم ردة فعل اسرائيلية هستيرية، حيث أكد البرغوثي  أن هذا كله شكل نوعاً من الصدمة في إسرائيل، ولكن هناك أصواتًا داخل إسرائيل تحمل نتنياهو مسؤولية ما حدث لأنه يُقوض القضاء الإسرائيلي، والآن فهو يعمل جاهدًا من أجل إقالة المستشارة القضائية في الحكومة على اعتبار أنها تشكل تهديدًا له في اسرائيل، حيث كانت هناك انتقادات بأن ما قد يمنعه من إقالتها هو الخوف من أن تعتبر المحكمة الجنائية ذلك تقويضًا للقضاء الإسرائيلي وهذا ما يجعلها تتدخل في القضية، ولكن الآن وبعد صدور هذا القرار فإن نتنياهو قد يُطلق يده في استهداف القضاء الإسرائيلي بإقالة المستشارة القضائية، وأيضًا إطلاق يد الجيش في قطاع غزة بشكل تام وإطلاق تنفيذ كافة المشاريع الاستيطانية والسياسية المتعلقة بالضفة الغربية 

وشدد البرغوثي على أن الأمور قد تتجه للأسوأ حيث هذا القرار واستعداد الدول لتنفيذه ستجعل نتنياهو معزولًا وستجعله أكثر شراسة

 فيما أوضح أبو غوش أن ردة فعل الاحتلال كانت هستيرية ويمكن توقعها، لأنهم يعتبرون أنهم دولة تختلف عن الباقي وتحتفظ بصفة الضحية ويمكنها الدفاع عن النفس حتى لو بتعريض حياة الآخرين للإبادة، وهي تعتمد على دعم الإدارة الأمريكية ورأيها أهم من كافة دول العالم، مشيرًا إلى أن هذه ردات فعل أولية ولكن مع مرور الوقت ستدرك إسرائيل أن أفعالها ستعود عليها بالضرر والخسائر المعنوية والاقتصادية والسياسية، وسينظر لها العالم باعتبارها دولة مُصابة بالمرض يُفضل الكثير من الدول الإبتعاد عنها وعدم إقامة علاقات معها، وبالتأكيد ستخسر إسرائيل كثيرًا من هذا القرار وستضطر عاجلاً أو آجلًا لإعادة تكييف سلوكها بما يعني إمتثالها للقانون الدولي وإلا فإنها ستخسر كثيراً 

المطلوب فلسطينيًا 

وحول المطلوب فلسطينيًا شدد أبو غوش على أن هذا القرار لوحده لا يكفي لإعادة الحقوق لنا ولن يضمن لنا استعادة الطموح والحلم الوطني، ولكنه يأتي في إطار معركة معقدة وشاملة تجري على عدة جبهات من ضمنها الميدانية والسياسية والدبلوماسية والقانونية والقانون هو إحدى الجبهات، مؤكدًا أن الوضع الفلسطيني يملك فُرصًا جدية للإنتصار السياسي والحقوقي والقانوني وحتى الفعلي على دولة الإجرام، ولكن هذا مشروط بتحقيق وحدة الموقف الفلسطيني ووضع حد لحالة الإنقسام والتشرذم، التي تعطل قدرتنا على مخاطبة العالم وقدرتنا على استثمار هذا التأييد الدولي وتُغري أعدائنا بالتمادي في إعتداءاته

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة