loading

من القاهرة هنا غزة: “أحفاد الزيتون” تضيء درب الأطفال الفلسطينيين

تسنيم دراويش

مع دخول الحرب عامها الثاني وتصاعد الجرائم الإسرائيلية بحق الأطفال، نزح بعضهم إلى مصر بعد أن دمَرت الحرب بيوتهم وأطفأت أحلامهم بالتعليم، وفي خضم هذه المعاناة، وُلدت مبادرة “أحفاد الزيتون” على يد الشابة “إسراء علي”، لتكون شعاع أمل يضيء درب الأطفال الغزيين اللاجئين، الذين فقدوا كل شيء إلا الأمل بغدٍ أفضل، كما أن هذه المبادرة تعكس ثبات الشعب المصري بدعمه لفلسطين قلبًا وروحًا، رغم موجات التطبيع.

في لحظة فارقة من حياتها، قررت إسراء ترك حياة الاستقرار في كندا والعودة إلى مصر، ليس للسياحة أو زيارة العائلة، بل لتكون جزءًا من الحل، فقد تابعت عن كثب معاناة الأطفال الفلسطينيين في غزة ورغم أنها كانت بعيدة عنهم، إلا أنها قررت ترجمة مشاعرها لعمل ملموس يُسهِمُ بصنع فارق حقيقي في حياتهم، من خلال التفكير بحقهم في التعليم، وضرورة استكمالهم له.

تقول علي في حديث ل” بالغراف” أنه في العام 2023، ومع تصاعد الأحداث في غزة شعرت بألم عميق، وكانت ترغب في أن تكون في المكان الذي تستطيع فيه مساعدة إخوتها، وأن تكون وسط أشخاص يتشاركون نفس القيم التي نشأت عليها، ولذلك قررت العودة عدت لمصر وإطلاق مبادرة “أحفاد الزيتون”، لتقديم الدعم النفسي والتعليمي للأطفال الفلسطينيين النازحين.

ومع بداية العام 2024، وبعد أن قضت وقتًا طويلًا في مساعدة العائلات الفلسطينية النازحة، لاحظت علي أن أكبر التحديات التي تواجه الأطفال هو فقدانهم عامًا دراسيًا كاملًا بسبب الحرب، ومن هنا ولدت فكرة المبادرة، بهدف توفير فرص تعليمية مميزة للأطفال النازحين، مع التركيز على الدعم النفسي الضروري لمساعدتهم في التفاعل مع الواقع الجديد والتعافي من آثار الحرب، مؤكدة أنها لم تهدف لاستبدال المدارس، بل أرادت تقديم برنامجًا تعليميًا مُكَمِّلًا يساعد الأطفال على استعادة حقوقهم التعليمية.

وإلى جانب المبادرة التعليمية، استخدمت علي منصات التواصل الاجتماعي لنشر الوعي عن معاناة الفلسطينيين، حيث تعتبر ناشطة على منصة “تيك توك” قبل الحرب، وكانت تشارك تجاربها كعربية مسلمة نشأت في الخارج، وأيضًا حرصت على مناصرة القضية الفلسطينية من خلال حملات التوعية، وفي شهر مارس المنصرم دعت المتطوعين عبر فيديو نشرته على “تيك توك” للمساعدة في تعليم ودعم الأطفال الفلسطينيين في مصر، ما أسهم في إطلاق “أحفاد الزيتون” كمنصة تهدف إلى تقديم الدعم في مجالات التعليم والعلاج النفسي.

أوضحت علي أن مبادرتها تلقت ردود فعل إيجابية للغاية، حيث عبر الناس عن تَعطشهم لفكرة دعم الأطفال الفلسطينيين، مضيفة أنه في أقل من أسبوع انضم الآلاف من المتطوعين، بينهم “مدرسون، أطباء، مهندسون، وأخصائيون في العلاج النفسي والطبيعي والنطق”، مؤكدة أن هذا الدعم لم يكن مجرد مساعدة للمبادرة فحسب، بل كان أيضًا تجسيدًا حقيقيًا للتكاتف الإنساني، حيث توحد

الناس من مختلف التخصصات للعمل معًا لتحقيق هدف واحد وأفادت أن المبادرة لم تكن لتحدث لولا التفاعل الكبير والإيجابي للناس، مفيدة أنها في البداية كانت وحدها، ولكنها حينما بدأت في الحديث عن الفكرة، فوجئت بآلاف الأشخاص الذين طلبوا الانضمام والمساهمة، مبينة أن الفكرة تحولت لمبادرة بفعل المتطوعين.

وأشارت علي إلى أنها بدأت عقب انضمام المتطوعين بتحديد خطوات التنفيذ وفتحت باب التسجيل للطلاب الفلسطينيين، موضحة أنه وفي غضون 24 ساعة فقط سجل 2000 طالب في المبادرة، ولكن المركز في القاهرة كان يستوعب فقط 350 طفلًا، مضيفة أن أن هناك أطفالًا كانوا يعيشون في أماكن بعيدة عن القاهرة مما يحول دون تمكنهم من الوصول إلى المركز التعليمي.

وأكدت أنه ونظرًا لضيق الوقت الذي يمنعها من جمع رأس المال، فقد بدأت بالتعاون مع عائلتها وأصدقائها لتغطية تكاليف الإيجار، كما أنها حرصت لتلبية احتياجات المبادرة على إعداد قائمة بالأشياء العينية المطلوبة، ومشاركتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أن لاقت استجابة سريعة، حيث تبرع العديد بمعدات مثل المكيفات والأرضيات والكراسي، كما قدم عددًا من المتطوعين المساعدة في أعمال الصيانة والدهان، ليشاركوا في تحقيق نجاح المبادرة.خلال الأشهر الثلاثة الأولى، اعتمدت المبادرة على الجهود الشخصية والدعم من العائلة والأصدقاء.

ولكن لضمان استمراريته، تم اقتراح أن يتولى كل شخص مسؤولية تكفل طفل معين، وخصصت صفحة إلكترونية لدعم المبادرة، مع التأكيد على أن الدعم المادي يأتي من الأفراد والشعوب، ولا يتم تلقي أي دعم من المؤسسات أو الجهات الرسمية.

وأكدت علي أن المبادرة تدمج بين التعليم من خلال التركيز على المواد الدراسية مثل العربية والإنجليزية والرياضيات والعلوم، وبين الأنشطة النفسية مثل المسرح والموسيقى والفنون والرياضة، مبينة أنه في المرحلة الثانية تم تطوير البرنامج ليشمل الأنشطة بعد المدرسة، حيث يختار الأطفال الأنشطة التي يرغبون فيها مثل الصحافة والتصوير والمسرح، إضافة إلى برنامج تقني يشمل دروسًا في المحاسبة والتسويق والبرمجة، موضحة أنه حتى الآن استفاد 580 طفلًا من البرامج التعليمية والنفسية.

وحول الدعم النفسي في هذه المبادرة، أوضحت أنها تتعامل بشكل يومي مع مئات الأطفال وعائلاتهم الذين يشاركونها تجاربهم وآلامهم، مشيرة إلى أنهم يسعون معًا لتخفيف الآلام ومحاولة إعادة الروتين الطبيعي للأطفال، مضيفة أن الأطفال في غزة قد كبروا نفسيًا بسبب ما مروا به من تجارب قاسية، مما جعلهم يظهرون أكبر من أعمارهم الحقيقية، مؤكدة أنها تطمح بأن يعيش هؤلاء الأطفال طفولتهم بعيدًا عن الحروب والمعاناة.

وفيما يتعلق بمستقبل المبادرة أشارت علي إلى أن ربما تتوسع إذا توفرت الإمكانيات المادية لتوظيف فريق عمل محترف، أو ربما تتوقف إذا انتهت الحاجة إليها، ورغم ذلك تؤكد أنه طالما هناك حاجة للمبادرة وأشخاص يؤمنون برسالتها، فإنها ستستمر في العمل وتقديم الدعم.

اختارت إسراء اسم “أحفاد الزيتون” تأثرًا بقصة جدة فلسطينية من غزة، جاءت إلى مصر مع أحفادها بعد أن بقي أبناؤها وزوجها في غزة، ورغم المعاناة والبعد، ظلت هذه الجدة صامدة كصمود شجرة الزيتون، التي تعد رمزًا أساسيًا لهوية الشعب الفلسطيني وارتباطه بأرضه، فالزيتون يعيش لآلاف السنين ثابتًا في الأرض رغم الصعوبات، تمامًا كما يظل الأحفاد متمسكين بجذورهم وهويتهم الفلسطينية عبر الأجيال.

“خاوة”… كلمة تعلمتها إسراء من الأطفال، وتحمل في طياتها الكثير من المعاني. تقول إسراء إن “خاوة” ليست مجرد كلمة عادية، بل هي رمز للمثابرة التي تعلمتها من الأطفال، ورغم المعاناة التي مروا بها، إلا أن إصرارهم يظهر بشكل واضح، حيث يقولون دائمًا: “بدنا نعيش، خاوة، ونتعلم خاوة.”

وأكدت علي أنها تعلمت العطاء الحقيقي من الأمهات الفلسطينيات فبالرغم من الضغوطات التي يواجهنها، إلا أنهن يبحثن دومًا عن سُبلٍ لمساعدة أطفالهن، مبينة أن الأمهات رحبن بفكرة المبادرة بشكل كبير بكل، وقدمن الدعم الكامل لمساعدة أطفالهم في الأوقات الصعبة.”

علي شددت على أن القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية إنسانية، بل هي قضية تحرير من الاحتلال، مشيرة إلى أن ما يحدث للأطفال في غزة اليوم هو جزء من خطة ممنهجة لتدمير مستقبلهم.

وختمت علي حديثها قائلة:” في مجتمعنا الصغير، نهدف إلى أن يعلم العالم، وخاصة الشعب الفلسطيني، أن الشعب المصري لم يتمكن من التكيف مع الأحداث المؤلمة في غزة”، موجه رسالتها لكل مصري وعربي بأنه لا يجب الاستسلام لليأس أو العجز أمام ما يحدث لإخواننا في فلسطين، حيث توجد القدرة على تقديم الكثير، وهذا واجب إنساني وأخلاقي علينا جميعًا.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة