هيئة التحرير
في الحلقة الجديدة من بودكاست “حكي مدني” الذي يقدمه الزميل علي عبيدات تحدث مدير جمعية الهيدرولوجين الفلسطينيين عبد الرحمن التميمي عن انقطاع المياه في قطاع غزة مع استمرار الحرب، وأيضًا في الضفة الغربية، والتحديات التي تواجه هذا القطاع مُتطرِقًا للحديث عن الحلول لهذه القضية.
وقال التميمي إن وضع المياه في قطاع غزة هو بالأصل سيء جدًا، وذلك لسببين أولهما محدودية مصادر المياه الجوفية في القطاع وزيادة الضخ من هذه المصادر أدى لزيادة التملح، وثانيها أن مصدر المياه السطحي الوحيد الذي يُغذي المياه الجوفية في القطاع بالإضافة إلى الأمطار هو وادي غزة، إلا أن الاحتلال قام بقطع ذلك من خلال السدود المتقطعة وجمعها قبل دخولها للقطاع، وهو ما أدى لنقص المياه الجوفية بالقطاع وهذا يعتبر سببًا آخر للتملح.
وأكد أن مصادر المياه تتناقص وتتلوث، فيما نسبة السكان تستمر في زيادتها الطبيعية الموجودة في القطاع، ولذلك هناك إنخفاض في المصادر وازدياد في الطلب، إضافة إلى أنه كان يوجد “10 مليون م٣، تأتي إلى قطاع غزة من مصادر “إسرائيلية” من خارج القطاع وهذه يتم التلاعب بها بحسب الوضع السياسي، حيث يتم ضخها مرة وقطعها مرات ولذلك لا يمكن الإعتماد عليها كمصدر مياه رئيسي.
وأضاف التميمي أنه في الحرب كان هناك تأثيرات كثيرة حيث الكمية التي كان يُدخِلُها الاحتلال لم يعد يُدخِلُها رغم إعلانهم أنها ما زالت مستمرة، وهناك تدمير ل80% من البنية التحتية من شبكات ومضخات، إضافة إلى أن الآبار لم تعد تعمل بسبب عدم وجود طاقة ووقود لضخ المياه، وبسبب عدم وجود المضخات للمياه العادمة أصبحت تتسرب إلى جوف الارض، ونظرًا لأن مستوى المياه الجوفية بالقطاع منخفضًا فباتت تدخل إليها وهو ما جعل هذه المياه غير صالحة للإستهلاك الآدمي ولا حتى للزراعة.
وأشار إلى أن هذه جريمة حرب متكاملة مع الجرائم الاخرى من قتل البشر وتدمير الحجر وتعطيش الناس، وذلك بهدف تهجيرهم أو الخلاص منهم، مفيدًا أن ما يمكن القيام به في هذه الحالة ولم يتم القيام به هو أن “إسرائيل” عضوًا في كثير من الاتفاقيات التي تتحدث عن حق الشرب وحماية البيئة والحق في الحياة، ولم يتم العمل على عزلهم أو حتى مقاضاتهم في هذا الموضوع، مؤكدًا أننا لم نكن جاهزين لمثل هذه الحرب الشاملة وهو الدرس الذي يجب التعلم منه في الضفة الغربية.
وتابع التميمي أن جميع جهود المؤسسات الأهلية تركزت في ثلاثة جوانب أهمها “توفير مياه الشرب قدر الإمكان، وتحسين الظروف البيئية داخل الخيم من خلال مكافحة التلوث والحد من انتشار الأوبئة الناتجة عن نقص المياه وهو ما ساهمت به المؤسسات الطبية، وبات هناك تنسيقًا كاملًا بين المؤسسات الفلسطينية وبعض المؤسسات الأجنبية لتكامل الأدوار من خلال توزيع المناطق الجغرافية لإيصال المياه إليها، وفي بعض الأحيان تم عمل خزان مياه جماعي بشكل سريع وتوزيعه بواسطة حنفيات، كما تم توصيل المياه بشكل بدائي للحمامات حاصة في مخيمات النزوح المليئة بمئات الخيم”، مؤكدًا أن كل ما تقدمه مؤسسات المجتمع المدني لا تفي ب20% من الإحتياجات الأساسية.
وشدد على ضرورة الضغط لإدخال بعض المساعدات من المستلزمات الخاصة لضخ وإيصال المياه مثل ” البرابيش، والحنفيات، وشبكات المياه”، وهذا يأتي من خلال الضغط الدولي والتركيز على أن المياه هي حق إنساني وأساسي للشرب وبدونه فأنت تحكم على الناس بالموت ويجب إثارة هذه القضية بشكل كبير، وذلك بعيدًا عن إعطائه الصبغة السياسية والتركيز على البعد الإنساني لهذا الموضوع.
وحول انقطاع المياه في الضفة الغربية لفت التميمي إلى أن انقطاع المياه هو مشكلة سياسية بامتياز، ولكن جذرها يعود للعام 1967 حينما أصدرت “إسرائيل” أوامر عسكرية سيطرت بها على كافة مصادر المياه، مشيرًا إلى أنه وخلال توقيع اتفاقية أوسلو تم قبول تأجيل موضوع المياه للمفاوضات النهائية التي لا أحد يعلم متى ستحدث هذا إن حدثت، وهو ما يعني أنه تم وضع مشكلة المياه السياسية التي تتفاقم كل عام نتيجة تقليص الحصص من قبل الاحتلال ونتيجة النمو السكاني والتطور العمراني وإعطائها للإسرائيليين الذين يتحكمون بها، حيث في اتفاقية اوسلو لا تسيطر السلطة على المصادر الأساسية للمياه حيث هي لديها فقط خدمات توزيع المياه.
وأضاف أن الفلسطينين يحاولون إدارة الأزمة وليس حلها، حيث المياه بالنسبة للإسرائيليين ورقة ضغط على الفلسطينيين، والكلمة الأخيرة في قضية المياه هي لهم حتى في موضوع حفر الآبار، مشيرًا إلى أن تصنيفات ” أ، ب، ج” هي غير موجودة لدى الإسرائيليين، مبينًا أن كافة المصادر الكبرى للمياه هي في المناطق “ج”، إضافة إلى أنهم قاموا بربط شبكة المياه مع المستوطنات فيستطيع أي حارس مستوطنة أن يُغلق المياه على أي منطقة في الضفة الغربية وهو الشيء الذي يحدث يوميًا.
وبين التميمي أن الخطأ كان بتأجيل مفاوضات المياه للمرحلة النهائية من اتفاقية أوسلو، وذلك لأن السكان في حالة تزايد وبالتالي هناك ازدياد في الطلب على المياه، إلا أن مصادر المياه هي بحوزة الإسرائيليين، مفيدًا بوجود فجوة كبيرة بين الفنيين والتقنيين وخبراء المياه وبين السياسيين، حيث معظم السياسيين جهلة في موضوع المياه ولذلك وقع الفلسطينيين بالفخ بسسبب عدم إدراكهم لأهمية المياه في حياة الناس واقتصاد البلد وفي القطاع الزراعي.
وشدد على أنه يمكن القيام بإثارة موضوع المياه على المستوى العالمي من باب القوانين والأنظمة الدولية التي تعتبر المياه حق إنساني وليس موضوعًا سياسيًا، مشيرًا إلى أنه لا يتم العمل على هذا الأمر ولا يتم العمل على تثوير المؤسسات الدولية للمطالبة بحق الشرب للمواطن الفلسطيني، إضافة لوجود قرار في الأمم المتحدة يُجدد سنويًا وهو حق الفلسطينيين في السيادة على مصادرهم الطبيعة حيث المياه منها ولم يتم تفعيله.
وأرجع التميمي أيضًا مشكلة المياه لسوء إدارة بعض البلديات، حيث أنه ورغم كميات المياه القليلة إلا أنه يوجد لدى بعض البلديات هدر وسوء إدارة للمياه، وبعض البلديات لديها محاباة لمناطق على حساب أخرى، ولذلك على الفلسطينيين المطالبة بإعادة فتح اتفاقية اوسلو في موضوع المياه خاصة في موضوع توزيعها، والمطالبة بحفر آبار وليس الاستمرار بشراء المياه من الإسرائيليين.
وأوضح أنه لدى الإسرائيليين خطة واضحة في المناطق “ج” وهو تفريغ مناطق الأغوار وكافة المواطنين المتواجدين في المناطق “ج” البالغ عددهم 300 ألف، حيث يسهل تهجيرهم بالنسبة لهم وتوسيع المستوطنات، مفيدًا بأنه لم يتم عمل أي مشروع مُجدي في مناطق “ج”، ولذلك يجب توزيع المراكز الحكومية في المدن وعدم حصرها في مدينة واحدة، وإحياء القرى من خلال إعادة السكان اليها والاهتمام بالخدمات بها، وترتيب الأولويات في مجال الإسكان.
وبين أن التحالف الزراعي في شبكة المنظمات قدموا ملايين الأمتار الطولية من أنابيب الري وخراطيم المياه بالتنقيط ومضخات ومحطات وخزانات لتجميع مياه الأمطار للمزارعين، ولكن كل ما تم تقديمه لا يساوي 20% من احتياجات المزارعين لأنه في المناطق “ج” هناك بعض القضايا التي تَصطدم بأذونات الاحتلال أو بهدم هذه المنشآت.
وأكد التميمي أن خطة الطوارئ في الضفة يجب أن تعتمد على عمل دراسة إحصائية للمصادر التي يمكن العمل عليها والاستفادة منها في حالة إغلاق المدن أو شن حرب على المدن، إضافة إلى إعادة هيكلة توزيع المياه بحيث تخدم خطة إغلاق المدن، وأيضًا ضرورة وجود تفكير جماعي قِطاعي يُشرَك به الخبراء حول كيفية مواجهة السيناريو الأسوأ والأقل سوءًا والعادي، فإن لم يكن هناك خطة مدروسة ومكتوبة سنبقى في وضع صعب.
وأفاد بأن يجب على منظمات المجتمع المدني مراقبة شفافية توزيع المياه وإعادة النظر في تسعيرة المياه في المناطق المُهمشة، مؤكدًا أنه يمكن تطبيق وجود بئر في كل بيت يتم بنائه وهو شيء مهم لسد احتياجات المواطنين، مشيرًا إلى ضرورة وجود خطة طوارئ تحمل بدائل في حالة حصول إغلاق لبعض المدن، مشددًا على ضرورة وعي القيادة السياسية وصناع القرار بأزمة المياه وأن حلها لا يكمن في الخُطب السياسية ولا الانتظار، فالإنسان يستطيع الصمود دون زراعة لمدة سنين ولكنه لا يستطيع الصمود لأيام دون مياه الشرب.