ترجمة خاصة- بالغراف
شهادات الجنود والضباط من الجيش الإسرائيلي عن تعليمات وأوامر إطلاق النار على المدنيين بالقرب من مراكز توزيع المساعدات في غزة هي بينت أنها عمليات إعدام مع سبق الإصرار والترصد، بل هناك من الضباط أنفسهم من رأى في ذلك ما هو أبعد من ذلك، قال ذلك الضابط، القلق أن تكون عمليات القتل أيدلوجية لدى بعض الضباط وصدرها للجنود كخطة عملياتية.
في إطار شهادات قدمها ضباط وجنود من الجيش الإسرائيلي لصحيفة هآرتس العبرية جاء بأنهم تلقوا الشهر الماضي تعليمات بإطلاق النار مع سبق الإصرار على أشخاص غير مسلحين انتظروا المساعدات بهدف إبعادهم عن المكان، مع العلم أنهم لم يكونوا مسلحين، ولم يشكلوا خطر على أحد، النيابة العامة تطلب فحص إن كان الحديث يدور عن جريمة حرب.
وتابعت هآرتس: جاء في أحاديث مع جنود وضباط من الجيش الإسرائيلي بأن الضباط أصدروا التعليمات بإطلاق النار على تجمعات للسكان من أجل إبعادهم أو تفريقهم، على الرغم من الوضوح بأنهم لا يشكلون أي خطر، أحد الجنود قال:” القضية أنه في قطاع غزة يوجد فقدان كامل لطهارة السلاح”، وحسب وزارة الصحة في قطاع غزة، منذ 27 أيار قتل (549) فلسطيني في مراكز انتظار المواطنين لشاحنات المساعدات التابعة للأمم المتحدة، وأكثر من (4000) جريح، العدد الكلي للجرحى والقتلى غير واضح، صحيفة هآرتس علمت أن النيابة العسكرية طلب من قيادة هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي التحقيق في إمكانية ارتكاب جرائم حرب في تلك المواقع.
مراكز التوزيع التابعة لصندوق غزة الإنساني (GHF) بدأت العمل قبل عدة أسابيع، أسباب إقامة الصندوق وتمويله يكتنفه الكثير من الضبابية، معروف أن إسرائيل أقامته بالتعاون مع الإنجيليين في الولايات المتحدة الأمريكية، ومتعهدي أمن خاصين، ومدير الصندوق الحالي من الانجيليين ومقرب من دونالد ترمب ومن بنيامين نتنياهو، يُشغل الصندوق أربع مواقع لتوزيع المساعدات الإنسانية محاطة بقوات من الجيش الإسرائيلي، ثلاثة مراكز توزيع جنوب قطاع غزة وواحد في منطقة الوسط.
عاملون أمريكيون وفلسطينيون يشغلون تلك المراكز، الجيش الإسرائيلي يوفر لهم الحماية من مئات الأمتار، ويومياً يأتي آلاف الغزيين لجمع الطعام من تلك المراكز، وعلى عكس وعودات صندوق مساعدات غزة، لا يوجد عملية توزيع منظمة، وإنما عملية هجوم على صناديق المساعدات، منذ فتح مراكز التوزيع شهدت (19) عملية إطلاق نار في محيطها، ولكن ليس دائماً تكون واضحة هوية مطلقي النار، الجيش الإسرائيلي لا يسمح لمسلحين التحرك في المنطقة دون علمه.
في العادة المراكز تفتح لساعة في اليوم في ساعات الصباح، وحسب أقول جنود وضباط خدموا في المنطقة: الجيش الإسرائيلي أطلق النار على الأشخاص الذين حضروا قبل فتح المراكز من أجل منعهم من الاقتراب، أو بعد إغلاقها من أجل تفريقهم، جزء من عمليات إطلاق النار كانت في الليل قبيل افتتاح المراكز، ربما بعض الأشخاص لم يتعرفوا على حدود المنطقة التي خصصت لهم.
جندي إسرائيلي قال:” هذه ساحة قتل، في المكان الذي كنت فيه كان يومياً يقتل ما بين شخص لخمسة أشخاص، تطلق عليهم النار كأنهم قوة مهاجمة، لا نستخدم وسائل تفريق المظاهرات، ولا نطلق قنابل الغاز، نطلق النار بكل ما يمكن، نيران رشاشة وقاذفات هاون وقاذفات قنابل، وعندما يطلقون الدفاعات الجوية نتوقف عن إطلاق النار، حينها يعلمون أن عليهم التقدم، نتواصل معهم من خلال إطلاق النار.
وتابع ذات الجندي روايته:” نطلق النار على من أراد حجز دور من مسافة مئات الأمتار، ومرات نهاجمهم من مسافة قريبة، ولكن دون أية مخاطر على قواتنا، أنا لا أعلم عن أي إطلاق نار من الجانب الآخر، لا يوجد عدو، ولا يوجد وسائل قتالية، وكان يطلق على العمليات في منطقة خدمته “عملية السمك المالح”.
ضباط في الجيش الإسرائيلي قالوا : الجيش الإسرائيلي لا ينشر للإسرائيليين وللعالم ما يجري في محيط مراكز التوزيع، وفي الجيش راضون من أن عمل (GHF) منعت انهيار الشرعية الدولية لاستمرار الحرب على قطاع غزة، وأن الجيش الإسرائيلي استطاع تحويل قطاع غزة لساحة خلفية، وبشكل خاص بعد الحرب على إيران.
جندي احتياط انهى خدمته هذا الأسبوع شمال غزة قال:” غزة لم تعد تعني أحد، تحولت لمكان لها قوانينها الخاصة، فقدان البشر حياتهم لم يعد يعني شيء، حتى لم يعد أمر مؤسف كما كانوا يقولون”.
ضابط إسرائيلي خدم في تأمين مراكز التوزيع قال عن سلوك الجيش الإسرائيلي:” العمل أمام سكان الوسيلة الوحيدة التي لديك للتعامل معهم هي إطلاق النار هذه مسألة إشكالية على أقل تقدير، من الخطأ أخلاقياً وقيمياً أن يكون الوصول للمنطقة أو عدم الوصول عبر نيران الدبابات، وقناصة وراجمات”.
تحدث الضابط على مجموعة من دوائر الحماية في مركز التوزيع نفسه وفي الطريق الموصل اليه، يوجد عاملين أمريكيين، والجيش الإسرائيلي ممنوع عليه العمل فيها، دائرة خارجية مكون من منظمين فلسطينيين، قسم منهم مسلحين من جماعة أبو شباب، دائرة الدفاع المتعلقة بالجيش الإسرائيلي تشمل مدرعات وقناصة وراجمات، والهدف حماية الموجودين، وتمكين توزيع المساعدات.
ضابط إسرائيلي آخر قال:” في الليل نطلق النار لنشعر السكان أن هذا المكان موقع قتال لكي لا يقتربوا منه، عندما تتوقف الراجمات نلاحظ أن الناس يقتربون، حينها استمرينا في إطلاق النار من أجل أن لا يتقدموا، شاهدنا قذيفة تسقط وسط مجموعة من الناس، وفي مرات أخرى أطلقنا نيران رشاشة من المدرعات ألقينا قنابل، وهناك حالات جرح فيها مواطنين تقدموا تحت غطاء الضباب، وهذا لم يكن مقصود.
وفي هذه العمليات كان قتلى وجرحى من الجيش الإسرائيلي، للواء قتالي لا يوجد للجنود فيه ما يواجهون سكان مدنين في منطقة حرب، إطلاق قذيفة لإبعاد أناس جوعي هذا ليس مهنياً ولا إنسانياً، نعلم أن بينهم عناصر من حماس، ولكن في المقابل هناك أناس كل ما يريدونه الحصول على مساعدات، مسؤوليتنا كدولة أن يتم ذلك بطريقة آمنة”.
وتابعت هآرتس نقل روايات الضباط والجنود الإسرائيليين: الضابط الإسرائيلي أشار لمشكلة إضافية وهي عدم التنسيق وغياب النظام في مواعيد فتح مراكز التوزيع، ما يشكل ضغط على مراكز التوزيع ويضر بالمواطنين، وقال الضابط في ذات السياق:” لا نعلم من يتخذ القرار، ونحن نعطي التعليمات للسكان ولا نلتزم بها، أو إنها تتغير، مطلع الشهر قالوا لنا أعلنوا عن فتح المراكز ساعة الظهيرة، والناس وصلت ساعات الفجر الأولى للحصول أولاً على المساعدات، وبسبب وصولهم مبكراً ألغيت عملية التوزيع”.
أرباح للمقاولين:
وفق شرح جنود وضباط الجيش الإسرائيلي، كان مطلوب منهم توفير الحماية عن بعد معين من السكان الفلسطينيين ومن مراكز التوزيع، ولكن عمل القوات في المنطقة لا تتناسب مع الخطة العملياتية، قال أحد الجنود القدامى: “كل مقاول يعمل في قطاع غزة مع معدات هندسية يحصل على (5000) شيكل مقابل كل مبنى يتم هدمه، هم يحصلون على كم هائل من الأموال، وفي كل وقت لا يهدمون منازل، هم يخسرون المال، والقوات يجب أن تؤمن حماية العمل، والمقاولين الذين يهدمون في كل مكان حتى نهاية المنطقة”.
في أعقاب عمليات الهدم، المقاولون وقوات حمايتهم يجدون أنفسهم بالقرب من مواقع توزيع المساعدات، أو في طريق شاحنات المساعدات، ومن أجل أن يهدم المقاول بيت ويحصل على (5000) شيكل، وفي منطقة مسموح للفلسطيني التحرك فيها، نقرر نحن أنهم يشكلون خطر علينا، ونقتل أناس وصلوا للحصول على الطعام.
يهودا فاخ، قائد الكتيبة 252 اسمه تكرر مرات عديدة في قضايا إطلاق النار على الباحثين عن المساعدات الإنسانية، قرر إطلاق النار على مجموعة من الناس تجمعوا للحصول على المساعدات، وكانت هذه سياسية فاخ، ولكن غالبية الضباط والجنود تقبلوا قراراته بحب وترحاب على قاعدة أنه يمنع عليهم البقاء هنا، يجب صرفهم من هنا حتى لو كانوا يبحثون عن طعام، مع أن تعليمات فاخ كانت تتعلق بسارقي الشاحنات وليس بالمنتظرين لمراكز المساعدات.
كما تحدث الجنود الإسرائيليين عن حالات طلب فيها منهم إطلاق قذائف على تجمعات منتظري المساعدات لكي لا يتقدموا مع إنه كانت يفترض إطلاق نار تحذيري، مما أدى لمقتل أناس، وعند السؤال، لماذا قذائف، لم يكن جواب مقنع، وفي بعض الحالات كان السؤال يزعج الضباط، وهناك حالات إطلاق نار على أناس كانوا هاربين من المكان، وإطلاق النار بحجة أنهم لازالوا يختبؤون في المكان.
وقال الجندي:” هذا السلوك تحول لسلوك عادي، أنت تعلم أن ذلك ليس جيداً، وتشعر بعدم الارتياح لذلك، وإن الضباط يأخذون القانون بأيديهم، لكن غزة عالم موازي، بسرعة يتحركون إلى الأمام، والغالبية لا تتوقف للتفكير في ذلك”.
مطلع الأسبوع الماضي طلب الضابط المسؤول إطلاق النار على تجمع على أحد المفترقات التي ينتظر عليها المدنيين للحصول على مساعدات، في إطلاق النار قتل ثمانية أشخاص منهم فتية، المعلومة وصلت لقائد المنطقة الجنوبية، هو لم يفعل شيء ولم يطلب توضيح من فاخ ضابط الفرقة 252 .
ضابط آخر تحدث عما سماه تآكل قيم الجيش الإسرائيلي، وقال في هذا السياق:” القوة للضباط الكبار في الميدان مقابل الضباط في هيئة الأركان يهدد مستويات القيادة، خوفي الكبير هو أن إطلاق النار وإصابة المدنيين في غزة، ليس له لا ضرورة عملياتية، أو تقدير موقف خاطئ، بل أيدلوجية ضباط في الميدان يصدرونها للجنود على إنها خطة عملياتية”.
المدفعية على المدنيين:
في الأسابيع الأخيرة كان ارتفاع في عدد القتلى من المدنيين بالقرب من مراكز التوزيع، (57) قتيل في 11 حزيران، (59) قتيل في 17 حزيران، (50) قتيل في 24 حزيران، مقارنة ب (27) قتيل يومياً في الأسبوع الأول من التوزيع حسب وزارة الصحة في قطاع غزة، بعد نقاش في قيادة المنطقة الجنوبية تبيّن أن القوات تستخدم قذائف المدفعية لتفريق المتجمهرين مما أدى لرفع عدد القتلى، وكل هذا لا يقلق أحد في المستوى العسكري، ولا يوجد حتى من يسأل لماذا يقتل العشرات كل يوم من الباحثين على الطعام.
ضابط إسرائيلي على علاقة بالحرب في قطاع غزة قال: تطبيع قتل المدنيين في غزة يشجع إطلاق النار عليهم بالقرب من مراكز التوقيع، واستخدام المدفعية والقناصة والمسيرات لتفريقهم هذا لا يمت بصلة للقواعد التي يفترض أن يتعامل بها الجيش في مثل هذه الحالات، والجيش يدعي أن بعض من قتلوا من المدنيين قتلوا برصاص من سلحهم الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة.
في جلسات مغلقة، طالبت النيابة العسكرية الإسرائيلية قيادة رئاسة الأركان في الجيش الإسرائيلي التحقيق فيما إذا كان هناك تجاوز لقواعد الحرب، وشبهات لارتكاب جرائم حرب، هدف النيابة العسكرية الإسرائيلية الالتفاف على أية مطالبات دولية لفتح تحقيق في مقتل المدنيين في غزة بالقرب من مراكز توزيع المساعدات في أعقاب ارتفاع وتيرة الانتقادات الدولية لذلك.
الناطق باسم الجيش الإسرائيلي قال:” حركة حماس حركة إرهابية وحشية تجوع سكان قطاع غزة وتعرضهم للخطر للحفاظ على سلطتها، حركة حماس تبذل كل ما في طاقتها لمنع توزيع المساعدات الإنسانية في القطاع، الجيش الإسرائيلي يتيح للشركة الأمريكية (GHF) للعمل بشكل مستقل، والجيش موجود في محيط مراكز توزيع المساعدات ليمكن من توزيع المساعدات، والاستمرار في النشاط العملياتي في قطاع غزة”.
“في إطار النشاط العملياتي في مناطق الطرق المؤدية لمراكز توسيع المساعدات، يجري الجيش الإسرائيلي عمليات تدريب منهجية لتحسين الاستجابة العملياتية في المنطقة، والحد قدر الإمكان من الاحتكاك مع السكان المحليين، وقد عمل الجيش الإسرائيلي مؤخرًا على إعادة تنظيم المنطقة من خلال تشييد أسوار جديدة، ووضع لافتات، وشق طرق إضافية، وغيرها، وفي أعقاب الحوادث التي أُبلغ فيها عن تضرر المدنيين الذين وصلوا إلى مجمعات التوزيع، أُجريت تحقيقات معمقة، ووُجهت تعليمات إلى القوات في الميدان بناءً على الدروس المستفادة. وأُحيلت هذه الحوادث إلى آلية التحقيق في هيئة الأركان العامة للتحقيق فيها”.