loading

بؤر استيطانية تحاصر طريق نابلس رام الله

مها عويس

بينما تتجه الأنظار إلى العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، يُسارع الاحتلال بتنفيذ مخططات الاستيطان في الضفة الغربية، عبر بناء المستوطنات التي تُحاصر القرى والبلدات الفلسطينية وتقطع أوصالها، وكأنهم يسابقون الزمن قُبَيل انتهاء الحرب لفرض واقعٍ جديدٍ يُهدد الفلسطيني بأرضه. 

حصار بالبؤر الاستيطانية

 أصبحت المنطقة المحيطة ببلدات سنجل وترمسعيا شمال شرق رام الله واللبن الشرقية التي تقع جنوب مدينة نابلس، تشهد حصارًا بأكثر من سبع بؤر استيطانية فوق تلال البلدات الثلاث، إضافةً لوجود مستوطنات “عيلي” و”معالي ليفونه” و”شيلو” لتشكل تجمعًا استيطانيًا خطيرًا وسط الضفة الغربية لتفصل جنوبها عن شمالها. 

بين بلدتي سنجل واللبن الشرقية والتي تتوسط الطريق المعروفة باسم (معرجات اللبن)، وتشرف على أهمِ سهلين زراعيين في البلدتين أقام المستوطنون بؤرة استيطانية جديدة، في محاولة للسيطرة عليهما تحقيقًا لأطماعهم. 

ومقابل تلك البؤرة الاستيطانية المقامة على “طريق المعرجات” أقام المستوطنون بؤرةً أخرى لا تقل أهميةً عن مثيلاتها باعتبارِها تُطل على الطريق الرئيسي (شارع 60)، أيّ بجانب مستوطنة “عيلي” التي تبعد حوالي 26 كم عن مدينة نابلس جنوبًا، وتقع على جبلٍ يجاوره وادٍ يطلق عليه أهالي المنطقة منذ القدم اسم “واد علي” الذي سُرق اسمه وحُرف إلى عيلي، فقد سرق المستوطنون القادمون الإسم وزوروه للمقاربة بين اسم المستوطنة وبين الإسم التاريخي العربي للوادي الذي يفصل بين حدود أراضي محافظتي نابلس شمالًا ورام الله جنوبًا. 

وتعقيبًا على هذا الموضوع قال مدير دائرة التوثيق والنشر في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أمير داوود، في حديث ل “بالغراف” إن الاحتلال الإسرائيلي كثف من إجراءاته الاستيطانية منذ بداية عام 2024، حيث أصدر في نيسان قرارًا عسكريًا بمصادرة 28 دونمًا من أراضي قريتي سنجل وترمسعيا شمال رام الله، بذريعة الأغراض العسكرية والأمنية.

وأشار إلى أن الاحتلال نفذ منذ بداية العام إجراءات مكثفة في منطقة جنوب نابلس تضمنت شرعنة بؤر استيطانية وتوسيع مستوطنات قائمة، حيث تم تسوية أوضاع بؤرة استيطانية قرب مستوطنة “عيلي”، وتوسيع مناطق نفوذ مستوطنة “شيلو” لتشمل بؤرة “أحيا”، وإعلان بؤرة “أفيتار” على أراضي جبل صبيح في بيتا كأراضي دولة بمساحة 65 دونمًا، فضلًا عن مصادرة 20 ألف دونم من أراضي عقربا جنوب شرق نابلس، شملت 3000 دونم كانت تصنف كمحمية طبيعية و2000 دونم أخرى أُغلقت بحجة التدريب العسكري، بالإضافة إلى مصادرة 10 دونمات من أراضي قرية بورين وإعلانها كأراضي دولة.

بؤر استيطانية عشوائية أم مخطط استراتيجي؟ 

أشار داوود إلى أن الاحتلال يحاول تغليف إجراءاته بذرائع أمنية لتبريرها منتهزًا الحرب الحالية مع غزة، إلا أن حقيقة الأمر تكشف أن هذه السياسات هي جزء من مخطط استيطاني بدأ منذ سنوات الاحتلال الأولى وتصاعد في الأعوام الأخيرة وبلغ ذروته مع تشكيل حكومة اليمين المتطرف مطلع العام 2023، والتي وضعت الاستيطان في صلب أولوياتها، مؤكدًا أن الاتفاقات الائتلافية لهذه الحكومة، خصوصًا تعديل قانون فك الارتباط، كانت بمثابة المحرك الرئيسي لعودة الاستيطان لشمال الضفة الغربية.

وشدد على أن الاحتلال يعمل بشكل ممنهج لتغيير الطبيعة الجيوسياسية للأراضي الفلسطينية عبر مصادرة الأراضي وتقويض أي جهود تنموية فلسطينية، ما يؤدي إلى تفريغ المناطق المصنفة “ب” و”ج” من السكان، كما ويعمل على تعزيز الاستيطان وتسريع وتيرة البناء في المستوطنات، في محاولة لإحباط أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقبلية. 

ولفت داوود إلى أن الاحتلال لا ينفذ عملية ضم عسكرية تقليدية، بل يتبع خطة مدروسة وبطيئة تعتمد على التشريعات والأوامر العسكرية والسياسات التخطيطية التي تهدف لتكريس هيمنته على الأرض الفلسطينية، داعيًا إلى تصعيد العمل الشعبي والضغط الدولي لمواجهة هذه السياسات بكل الوسائل الممكنة.

وأضاف أن الاحتلال يسعى بهذه الإجراءات إلى فرض سيطرة كاملة على الأراضي الفلسطينية، مشيرًا إلى أن الهيئة تعمل بالتعاون مع المؤسسات الفلسطينية الرسمية وفق استراتيجية شاملة للتصدي لهذه المخططات من خلال التدخل القانوني لمتابعة الاعتداءات مع المواطنين، والتوثيق المستمر لانتهاكات الاحتلال بالصوت والصورة والخريطة، بهدف فضح سياساته أمام العالم ومنظمات حقوق الإنسان، إلى جانب دعم صمود المواطنين وتعزيز بقائهم على أراضيهم لمواجهة منظومة الإغلاق التي تهدف إلى خلق بيئة قاهرة تدفع الفلسطينيين للرحيل عن قراهم وبلداتهم.

موقف القانون الدولي من الاستيطان الإسرائيلي

أوضح داوود أن القانون الدولي يجرّم المشروع الاستيطاني بالكامل ويمنع القوة القائمة بالاحتلال من إجراء تغييرات جوهرية على الأرض تهدف إلى استدامة وجودها، مؤكدًا أن الهيئة تنطلق في تعاملها مع المؤسسات الدولية والمجتمع الدولي من موقف القانون الدولي ومقرراته.

ونوه إلى أن الاتفاقات الإئتلافية التي شكلت الحكومة الإسرائيلية الحالية أصبحت مرجعًا واضحًا لسياسات الاحتلال وممارساته على الأرض، مُبينًا أن خطة الحسم التي أعلن عنها سموتريتش في مقاله الشهير عام 2017 تُظهر أن مجمل السياسات والإجراءات الحالية ليست وليدة اللحظة، بل خطوات مخطط لها مُسبقًا تُربَط بالحالة الأمنية والحرب لتبريرها أمام المجتمع الدولي. 

وأضاف داوود أن الاحتلال لا يكتفي بإجراءات معزولة بل يعمل على خلق حاضنة تشريعية شاملة لدعم مشروعه الاستيطاني، وأوضح أن تغييرات جوهرية غير مسبوقة تم إدخالها على هيكلية الإدارة المدنية، شملت استحداث منصب نائب رئيس الإدارة المدنية لشخصية ذات خلفية أيديولوجية يمينية استيطانية، ومنحها صلاحيات غير محدودة، كما تم تعيين مدير جديد لمجلس التخطيط، كان يعمل سابقًا في مجلس استيطاني في شمال الضفة (شومرون)، وتم سحب صلاحيات تخطيطية واسعة من السلطة الفلسطينية ومنحها للإدارة المدنية الإسرائيلية، خاصة في المناطق المصنفة “ب”، بالإضافة إلى مناطق بادية بيت لحم الشرقية الممتدة من جنوب القدس إلى شمال الخليل بمساحة 167 كيلومترًا مربعًا.

استيطان بلا توقف وسيطرة بلا رقابة

أكد داوود أن الهدف الاستراتيجي للاحتلال من هذه الإجراءات هو إعدام إمكانية قيام دولة فلسطينية في المستقبل، وهو ما أصبح محورًا أساسيًا لكافة السياسات الاستيطانية الإسرائيلية، مشيرًا إلى أن هذا الاحتلال يعمل بشكل ممنهج على تسريع وتيرة مصادرة الأراضي وهدم المباني الفلسطينية، حيث من المتوقع أن تتصاعد عمليات الهدم في مناطق “ب” و”ج”، ما يؤدي إلى تفريغ مساحات شاسعة من الأرض من سكانها الفلسطينيين.

وشدد على أن حكومة الاحتلال الحالية، التي وصفها بأنها الأكثر تطرفًا ويمينية في تاريخ إسرائيل، تبنت منذ تشكيلها شعار “الاستيطان بلا توقف والسيطرة بلا رقابة”، هذا التوجه، وفق داوود، انعكس في تغييرات هيكلية وتشريعية غير مسبوقة داخل الإدارة المدنية، وفي سياسات ميدانية تسعى لتكريس هيمنة الاحتلال وفرض وقائع جديدة على الأرض الفلسطينية.

وأوضح داوود أن هذه السياسات لم تتوقف عند الهيكلية الإدارية، بل امتدت إلى الدفع بمجموعة من القوانين الخطيرة داخل الكنيست، مثل تعديل قانون فك الارتباط بما يسمح بإعادة الاستيطان إلى مستوطنات شمال الضفة الغربية، وقانون سيادة الاحتلال على الأغوار، وقانون يهدف إلى إلحاق مستوطنات جنوب الضفة بسلطة تطوير النقب والجليل.

خطط مَدروسة وبطيئة وسط صمت دولي 

نوه داوود إلى أن هذه الحاضنة التشريعية تدعم ما وصفه بـ”عملية الضم الزاحف”، حيث لم تعد إسرائيل تعتمد على الضم العسكري التقليدي باستخدام القوة المباشرة، بل باتت تتخذ خطوات مدروسة وبطيئة تشمل صلاحيات إدارية وقوانين تشريعية وأوامر عسكرية مثل مصادرة الأراضي وإغلاق المناطق. 

وأوضح أن هذه الخطوات تهدف إلى تغيير الطبيعة الجيوسياسية للأرض الفلسطينية، وتقويض أي دور تخطيطي أو تنموي للسلطة الفلسطينية، ما يؤدي إلى القضاء على التواصل الجغرافي للأراضي الفلسطينية، وبالتالي نسف أي فرصة مستقبلية لإقامة دولة فلسطينية.

واختتم حديثه لبالغراف بأن هذه السياسات الإسرائيلية تُنفذ في ظل صمت دولي وازدواجية معايير فاضحة، داعيًا إلى تصعيد العمل الشعبي الفلسطيني وزيادة الضغط الدولي لفضح هذه الممارسات ووقف التوسع الاستيطاني الذي يشكل تهديدًا وجوديًا للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة