loading

“البوابات الإسرائيلية” استنساخ للتجربة الأميركية

هيئة التحرير

أثبتت المجازر المستمرة للاحتلال في غزة منذ أكتوبر 2023 التي أُنجزت بإسناد آلة الحرب الأميركية، وبدعم سياسي، وزخم إعلامي، أن الأمر بين البلدين يتعدى مجرد الحلف، ليصل إلى الإندماج.

الولايات المتحدة ارتكزت في حربها على الشعب الفلسطيني، على استرجاع إنجازاتها في إبادة السكان الأصليين أو ما يُعرف بـ”الهنود الحمر”، والذين تقدر بعض المصادر المغالية في أعداد الضحايا منهم بمئات الملايين، فيما تشير أخرى إلى أنهم عشرات الملايين إلى حد يصل الـ50.

 فيما يشير المُقلل أن عددهم كان قبل وصول الأوروبيين18 مليون تقلص إلى ربع مليون فقط بحلول نهاية القرن التاسع عشر، مع مجموع من ماتوا بالأمراض والأوبئة، دون أن تشير تلك المصادر إلى سبب تلك الأوبئة، التي كانت في حقيقة الأمر أول حرب بيولوجية في التاريخ، إذ تعمد المستوطنون الأوروبيون، إهداء السكان الأصليين أغطية ومنسوجات كرمز للمعاهدات والسلام، وهي في الحقيقة ملوثة بفيروس الجدري الذي قتل الملايين منهم.

استنساخ الإبادة الجماعية

 إبادة جماعية أثبتت على الأقل بوثائق تاريخية عام 1763 من القائد البريطاني جيفري أمهيرست، الذي دعا ضباطه آنذاك لاستخدام الجدري كسلاح، بعد ان أوهم البريطانيين قبيلة ديلاوير أنهم يجنحون للسلام معهم، وَهمٌ استمر إلى القرن التالي على شكل معاهدات، وصلت إلى حد إقامة “السلطة الوطنية الهندية” ككيان للسكان الأصليين، إلى أن قتلته رصاصات آخر المعارك المقاومة للاستعمار في العام 1890، في الحرب التي خسرها “الهنود الحمر” وأُسكنوا بعدها مخيمات عُرفت لاحقًا بـ”المحميات”.

والاستعمار الأميركي للقارة بشكله الحالي، بدء بحركة هجرة واستيطان اقترنت بخرافات توراتية تقمصها الإنجليز، عبر تمثلهم لخرافة اجتياح العبرانيين لأرض كنعان، حيث كانوا يقتلون الهنود، وهم مقتنعين بأنهم عبرانيون فضّلهم الله على العالمين وأعطاهم تفويضًا بالقتل، بحسب أستاذ الإنسانيات ومدير الدراسات العربية في جامعة سفك ببوسطن الأميركية منير العكش.

 ويشير العكش إلى أن الإسرائيليين خلال استعمار فلسطين، أعادوا تدوير الخرافة مجددًا مستلهمين تجربة الإبادة الجماعية للمستوطنين الأوروبيين  بجميع مراحلها بحق السكان الأصليين، من الاستيطان إلى الاحتلال واستبدال شعب بشعب وصولًا إلى استبدال ثقافة بثقافة، القتل والنهب الاغتصاب والاستعباد بدعوى تنفيذ مشيئة الرب بذبح الفلسطينيين الكنعانيين.

استنساخ سرقة الارض وعزل أصحابها 

في حين كان السكان الأصليين يعيشون في بلد بحدود تصل مساحتها الإجمالية ما يعادل 9.83 مليون كيلومتر مربع (هي مساحة الولايات المتحدة الأميركية)  فقد تقلصت مساحة عيشهم اليوم إلى حوالي 2.3% من إجمالي مساحة الولايات المتحدة، فيما بات يعرف بالمحميات التي تعمد المستعمرون ان يُجزّؤها إلى 300 محمية في عدة ولايات.

 والمحميات عبارة عن أراضٍ صغيرة  محاطة بالأسوار خصصها المستوطنون الأوروبيون لعزل السكان الأصليين في القرن الـ19، يخضعون لقوانين منع الحركة والتنقل؛ ولا يّغادرون المحميات دون تصاريح، وكان يعامل أي خارج دون تصريح على أنه تهديد لأمن المستوطنين ويُقمع أو يّقتل.

بتاريخ 28 حزيران 2024، وبعد السابع من أكتوبر 2023 وفي سياق إعادة السيطرة على المناطق المصنفة “ب” من الضفة الغربية، قررت حكومة الاحتلال سحب صلاحيات الإنفاذ من السلطة الفلسطينية في صحراء القدس (وهي في منطقة “ب”) والشروع بإجراءات هدم البناء الفلسطيني هناك، حيث نشرت منظمة “ريغافيم” الاستيطانية (التي أسسها الوزير بتسلئيل سموتريتش)، بيانًا قالت فيه: “لقد أبلغونا الليلة بخطوات مهمة لتعزيز الاستيطان والحكم في “يهودا والسامرة” ولتعزيز صمود دولة إسرائيل في مواجهة الفلسطينيين”. 

غير أن القرار لم يقف عند حدود صحراء القدس، بل ومنح الإدارة المدنية تخويلاً ببدء “الإنفاذ” في ما يتعلق بالبناء الفلسطيني في كل المناطق “ب”، (علمًا بأن تراخيص البناء في تلك المناطق تصدر من قبل السلطة)، أو لأنها مطلة بشكل “غير مرغوب فيه” على المستوطنات المحاذية لها، وهو ما حدث تمامًا في أيلول/سبتمبر الماضي في بلدة بيت عوا غرب محافظة الخليل في مناطق تصنيف “ب” حيث طالت عملية الهدم بركسين ومنزلين قيد الإنشاء، يحمل أصحابها تراخيص بناء من قبل السلطة، التي ابلغ ضباط الاحتلال أصحابها أنها لا تعني لهم شيئًا، ليُخطروا بعدها 20 منزلًا آخرًا في البلدة بالهدم غالبيتها تقع في مناطق مصنفة “ب”.

وبلغة الأرقام فإن ضم المناطق “ب” و”ج” من الضفة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، يعني أن ما تبقى من مناطق “صلاحيات” للسلطة في الضفة هي مناطق “أ”( إسرائيل تحتفظ بقدرة على تنفيذ عمليات عسكرية فيها)، التي تمثل حوالي 18% من إجمالي مساحة الضفة، أي أن ما تبقى للفلسطينيين من إجمالي مساحة فلسطين التاريخية ينحصر في 3.7% فقط.

ومع إعادة احتلال قطاع غزة وتدميره وتهجير مواطنيه، وجدار يتلوى في عمق الضفة بطول يبلغ مساره 712 كم، وارتفاع عدد الحواجز والسواتر الأسمنتية والترابية والبوابات إلى 892 منذ السابع من أكتوبر، فإن اللافت هو البوابات الحديدية التي يضعها الاحتلال الإسرائيلي على مداخل القرى والبلدات في الضفة الغربية، كوسيلة للتحكم في حركة الفلسطينيين، ووفقًا لمصادر متعددة، فإن عدد هذه البوابات قبل السابع من أكتوبر  2023 كان حوالي 165 بوابة، لتزيد هذه البوابات إلى أكثر من 200 بوابة، كمقدمة لتحويل هذه القرى والبلدات إلى ما يشبه المحميات الهندية؟؟.

فما الهدف من تلك البوابات حيث أصبح الفلسطينيون محاصرين في قراهم وبلداتهم خلف الجدران ونقاط التفتيش وأبراج المراقبة والبوابات، وهو ما ألمح إليه مدير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان بمدينة نابلس مراد شتيوي في إحدى المقابلات الصحفية في شهر شباط حيث أبدى تخوفه من أن تتحول هذه البوابات إلى إلكترونية، وتزوَّد بأسلحة رشاشة إلكترونية كتلك المنصوبة على مقاطع في جدار الفصل للتحكم بها عن بعد.

بينما تُسارع إسرائيل لبناء البنية التحتية استعدادًا لعام 2025 الذي يطلق عليه سموتريتش، “عام السيادة الإسرائيلية على الضفة”، حيث منحت الحكومة الإسرائيلية سموتريتش كافة الصلاحيات لتمكنه من الإسراع في تنفيذ خطته في الضفة، والاستحواذ على جميع صلاحيات إدارة الأراضي خلال ولاية ترامب.

استنساخ سلب الموارد والثروات

وبالعودة إلى الهنود الحمر الذين عُزلوا في “محميات” فقيرة الموارد، غير قادرة على دعم التنمية الاقتصادية، وبمعدلات عالية من الفقر والبطالة، مما أدى إلى اعتماد السكان الأصليين على المعونات، فإن التجربة تتشابه بارتفاع معدلات الفقر والبطالة وغياب التنمية، وفي الاعتماد على المعونات، وبوابات عزلت الفلسطينيين بالضفة في “كانتونات”، وتحويل غزة إلى قطاع سِمَته الدمار والرماد.

وتُعاني الضفة الغربية من خسائر اقتصادية كبيرة نتيجة السيطرة الإسرائيلية المستمرة على الموارد، تتجلى في خسائر الإنتاج، حيث أشارت التقديرات إلى أن القطاعات الاقتصادية في الضفة فقدت حوالي 27% من إنتاجها خلال الأشهر الأربعة الأولى من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة (من أكتوبر 2023 إلى يناير 2024)، ما أدى إلى خسائر تُقدّر بحوالي 1.5 مليار دولار، بحسب الهيئة الفلسطينية للمواصفات والمقاييس.

في حين أفادت تقارير الأمم المتحدة بأن القيود الإسرائيلية المفروضة على التنمية في المنطقة “ج” من الضفة الغربية، التي تخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة، تُكلف اقتصاد الضفة خسائر تُقدّر بحوالي 2.5 مليار دولار سنويًا، وأن الاستيلاء الإسرائيلي على الموارد الطبيعية، وفقًا لتقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، كَبَدَ الاقتصاد الفلسطيني خسائر تُقدّر بحوالي 58 مليار دولار نتيجة الاحتلال الإسرائيلي واستغلال الموارد الطبيعية في الضفة الغربية وقطاع غزة. 

فيما تشير الأمم المتحدة إلى أن إسرائيل تستولي على 82% من المياه الجوفية في الضفة، أغلبها للمستوطنات، ما يتسبب بخسائر فلسطينية تُقدّر بحوالي 1.9 مليار دولار سنويًا، إضافة إلى أن استغلال الاحتلال للثروات المعدنية من البحر الميت، مثل البوتاس والبرومين، تحرم الفلسطينيين أرباحًا تُقدّر بحوالي 1.1 مليار دولار سنويًا إذا ما تمت السيطرة عليها بشكل كامل، بحسب البنك الدولي.

ويمنع الاحتلال الفلسطينيين من استغلال الغاز الطبيعي المكتشف قبالة ساحل غزة الذي يُقدّر احتياطي الغاز فيه بحوالي 32 مليار متر مكعب، ما يوفر دخلًا يُقدّر بحوالي 6.5 مليار دولار سنويًا، عدا عن سرقة حقل رنتيس النفطي في منطقة رام الله بالضفة، منذ العام 2011، حيث تستخرج إسرائيل النفط من هذا الحقل بمعدل يتجاوز 8,000 برميل يوميًا، وبافتراض أن سعر برميل النفط عند 70 دولارًا، فإن العائد اليومي يُقدر بحوالي 560,000 دولار، وتشير التقديرات إلى أن الحقل يحتوي على احتياطي يصل إلى 1.5 مليار برميل من النفط، بالإضافة إلى 182 مليار قدم مكعبة من الغاز. 

فيما يسيطر الاحتلال على 60% من محاجر الحجر والرخام في الضفة الغربية، وتُنتج هذه المحاجر كميات كبيرة من الحجر والرخام، ويتم نقل هذه المواد إلى داخل إسرائيل أو إلى المستوطنات، وفي تقرير صادر عن “المرصد الفلسطيني للحقوق الاقتصادية والاجتماعية”، تم تقدير الخسائر الاقتصادية الناجمة عن القيود التي تفرضها إسرائيل على قطاع الحجر والرخام بنحو 500 مليون دولار سنويًا، كما وتفرض إسرائيل رسومًا باهظة على تصدير المواد إلى الخارج، مما يرفع تكلفة المنتج الفلسطيني، ويقلل من تنافسيته في الأسواق الدولية.

أما على صعيد قطاع الاتصالات، ووفقًا لتقرير صادر عن الهيئة الفلسطينية لتنظيم الاتصالات، فإن الخسائر الفلسطينية نتيجة سيطرة إسرائيل على قطاع الاتصالات والإنترنت تفوق 500 مليون دولار سنويًا، وتشمل تأثيرات سلبية على البنية التحتية، الشركات المحلية، والتعليم، والابتكار الرقمي، وهي قيود تضر بالاقتصاد بشكل كبير، وتمنع من إمكانيات الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة.

وفي قطاع الزراعة، فإن المناطق الزراعية في المنطقة “ج” تخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة، تُكبّد الفلسطينيين خسائر تقدّر بحوالي 3.4 مليار دولار سنويًا بسبب عدم القدرة على استخدامها بالكامل، بحسب البنك الدولي.

فيما تُقدّر الخسائر اليومية للاقتصاد الفلسطيني نتيجة العدوان الإسرائيلي بحوالي 19 مليون دولار أمريكي، مما يؤدي إلى خسائر إجمالية تُقدّر بحوالي 2.3 مليار دولار خلال أربعة أشهر. 

وفيما يتعلق بالخسائر الاقتصادية غير المباشرة، فقد أدّت الحرب إلى فقدان ما يقرب من نصف مليون وظيفة منذ أكتوبر 2023، ما رفع معدلات البطالة في قطاع غزة إلى حوالي 75% وفي الضفة الغربية إلى حوالي 32% ، وشهدت الضفة الغربية انكماشًا بنسبة 21.7% في الناتج المحلي الإجمالي مقارنةً بالأشهر الاثني عشر السابقة، بينما انخفض الناتج المحلي الإجمالي في قطاع غزة بنسبة 84.7% خلال نفس الفترة، بحسب منظمة العمل الدولية.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة