loading

أم صفا: قرية يعيش سكانها في قفص كبير مُحكم الإغلاق 

هيئة التحرير

لم يكن يعلم الحاج السبعيني نمر سبتي ابن قرية أم صفا، أن تعبه في إعادة إعمار أرضه في جبل الرأس بالقرية وزراعتها بالزعتر واللوزيات ستذهب أدراج الرياح وستجرفها جرافات الاحتلال، ولن يستطيع حتى الاقتراب منها، فجيش الاحتلال صادرها رفقة مئات الدونمات من الأراضي بجوارها لصالح إقامة بؤرة استيطانية جديدة. 

قرية أم صفا والتي تقع في الشمال الغربي لمدينة رام الله تعاني من انتهاكات جسيمة منذ عامين من قبل المستوطنين وجنود الاحتلال، والتي ازدادت عقب السابع من أكتوبر حيث تعيش القرية وكأنها بقفص كبير مغلق من كافة الجهات. 

مصادرة مفاجئة

في شهر 6 من العام 2023 قام الاحتلال بمصادرة 18 دونم من أراضي الحاج سبتي في جبل الرأس بالقرية، بعدما قام بإعمارها وزراعتها، حيث قام جنود الاحتلال بتجريف الأرض وفق قوله في حديث ل”بالغراف”، مبينًا أنهم قاموا بوضع إخطار له وعندما قام بمراجعتهم بينوا أنه قرار منذ العام 1982،  يضيف الحاج بأنه حصل على ” إخراج كيت” للأرض من الإدارة المدنية عام 1978 حيث ورثها عن والده. 

سبتي يؤكد  بأنهم يقومون باغتنام الفرص حيث إن لم يتم إعمار الأرض لعام أو عامين يقومون بتصوريها ووضع إخطار في الأرض فقط ولا يتم إيصالها لمنازل المواطنين مستهجنًا هذا الأمر، ومتسائلًا كيف له أن يعلم عن هذا الإخطار حينما يتم وضعه داخل الأرض ولم يصل لمنزله. 

وأوضح أنه ورغم امتلاكه لأوراق ثبوتية لأرضه وتقديمها لهم ، وأيضًا تقديمها عن طريقة هيئة مقاومة الجدار والاستيطان ومنظمة ” أوتشا” إلا أن ذلك لم يؤثر في شيء وتمت مصادرة أراضيه ولم يسمح له بدخولها، وفي كل مرة يحاولون الوصول إليها كان يتم طردهم بالقوة منها. 

وأفاد بأن الاحتلال صادر مئات الدونمات من الأراضي المحيطة بأرضه لبناء مستوطنة حتى باتت القرية محاطة بالمستوطنات من الشرق والغرب وطريق التفافي من الجنوب والآن مستوطنة في الشمال، حتى باتوا يشعرون أنهم يعيشون في “قفص” وفق وصفه. 

انتهاكات متواصلة

رئيس المجلس القروي في القرية مروان صباح قال في حديث ل” بالغراف” أن مداخل القرية ومنذ السابع من أكتوبر 2023 مغلقة بشكل كامل وتعاني حصارًا خانقًا. مشيرًا إلى أنه تم مصادرة 4 آلاف دونم من أراضي القرية قبل السابع من أكتوبر من الجهة الجنوبية من القرية. 

 تتعرض القرية لانتهاكات منذ ما قبل السابع من أكتوبر فهي محاطة بالمستوطنات من كافة الجهات، بدءًا من مستوطنة “عطيرت” شرقًا و”حلميش” غربًا ومن الجهة الجنوبية شارع استيطاني يفصل المواطنين عن أراضيهم. مضيفاً أن كافة أراضي القرية مزروعة بالزيتون وتقع في الجهة الجنوبية من القرية خلف الشارع الاستيطاني، مبينًا أنه على مدار العامين تعرضت الأراضي لاستيطان رعوي شديد من قبل قطعان المستوطنين حيث أقاموا بؤرة محاذية لقرية أم صفا في أراضي قرية جيبيا، منوهاً إلى أنهم قاموا بالاعتداء عليهم أكثر من مرة وكان أشهر اعتداء حينما هاجم حوالي ال500 مستوطن القرية وقاموا بحرق 7 منازل وتكسير عدد من السيارات، بينما نجت أم وابنها من كارثة حقيقية حينها. 

قبل السابع من أكتوبر تم مصادرة 4 آلاف دونم وما بعد ذلك تم مصادرة 500 دونم ليتبقى فقط 300 دونم الواقعة عليها منازل المواطنين حيث لم يتبق سوى 2% من مساحة القرية، وفق ما يؤكده صباح، الذي يوضح أن المستوطنين أقاموا بؤرة استيطانية في المنطقة الشمالية من القرية على أراضي منطقة جبل الرأس وهي منطقة مرتفعة تُطل على القرية وتقع في منتصفها وسط التجمع السكاني، كما أنها منطقة محاذية من منازل المواطنين ومدرسة القرية. 

بؤرة استيطانية دائمة

صباح أردف أن المستوطنين قاموا بتجريف هذه الأراضي وقاموا بنصب خيامهم، إضافة إلى نصبهم خزان مياه يتسع ل20 ألف كوب يغذي قرية لعام كامل. كما وقاموا أمس بتركيب خطوط مياه لهذا الخزان، وعملوا أيضًا قبل أيام على تركيب أعمدة الكهرباء، وهو ما يؤكد أنهم يعملون على إقامة بؤرة استيطانية دائمة في القرية بهدف الاستيلاء عليها ودفع سكانها للتهجير. 

ولفت أنه إن تم ذلك فستصبح القرية معزولة عن العالم الخارجي وتعيش بسجن كبير، وهو ما يجعل الحياة في القرية صعبة جدًا، مبينًا أن بعض الأهالي بدأوا يفكرون بمغادرتها لكنه يشدد في ذات الوقت على أنهم في القرية والمجلس القروي يصرون على البقاء وعدم الرحيل منها مهما كانت الظروف. 

قرية معزولة ومحاصرة

وأوضح صباح أن كافة القرى تم فتح مداخلها إلا قرية أم صفا، حيث يتم إغلاق مداخل القرية الإثنين أحدهما بالمكعبات الأسمنتية والتراب والآخر بالبوابة الحديدية، مشيراً إلى أنهم يخرجون ويدخلون للقرية سيرًا على الأقدام ويسلكون طرقًا التفافية، وهو ما جعل الحياة في القرية لا تُطاق.

وبين أن القرية تعاني نقصًا كبيرًا في الخدمات الأساسية كما أنهم يجدون صعوبة في نقل النفايات من القرية وصعوبة في سحب مياه الصرف الصحي من الحفر الامتصاصية، إضافة إلى أن التجار عكفوا عن الدخول للقرية بسبب طول المسافة والتواجد شبه الدائم للمستوطنين وقوات الاحتلال، حيث تتعرض القرية لاقتحامات شبه يومية من قوات الاحتلال. 

صباح تابع بأن البؤرة الاستيطانية لا تبعد عن المدرسة سوى 50 مترًا، حيث عندما يكون الطلبة في صفوفهم المدرسية يكون المستوطنين مقابلهم بشكل مباشر ويعملون على استفزازهم، متوقعًا مهاجمة المستوطنين للمدرسة بأية لحظة. 

مناشدة للتدخل

ووجه صباح مناشدته للرئيس عباس بشكل شخصي للوقوف على المعاناة التي يعانيها أهالي القرية والمخطط الذي تُحكيه قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين لدفع أهالي القرية للتهجير والرحيل عن قريتهم، حيث يُطبقون الخناق والحصار على القرية، منوهًا بضرورة الإيعاز لكافة المؤسسات والوزارات لمساندة أهالي القرية، كما ووجه ندائه الارتباط المدني والعسكري بضرورة أن يكون لهم وقفة للضغط على قوات الاحتلال لفتح أحد مداخل القرية لأنه الوضع داخلها لا يُطاق.

 وشدد على ضرورة وجود بعض التدخلات الحكومية السريعة والإسعافية على صعيد البنية التحتية في “الطرقات وشبكة المياه، والكهرباء، وبناء طابق للمدرسة، وإقامة روضة، وحديقة”، وذلك من أجل تعزيز تواجد الناس في أراضيهم، إضافة لضرورة إعطاء صلاحيات أكبر للمجلس القروي بما يخص شبكة المياه مما يساهم في تخفيض سعرها على الأهالي الذين يعيشون بوضع صعب جدًا. 

صباح أوضح أن هيىة الجدار في تواصل دائم معهم ويعملون معهم وفقًا لإمكانياتهم، مضيفاً أنهم قاموا برفقتهم بحملة خلال موسم قطف الزيتون وتم قطفه رغم كل المعاناة والتهديدات التي رافقت هذا الموسم.

هجمة ممنهجة

مدير عام دائرة العمل الشعبي في هيئة الجدار عبد الله أبو رحمة بين في حديث ل” بالغراف” أن قرية أم صفا من القرى التي تعرضت لاعتداءات ممنهجة منذ سنوات، وذلك قبل السابع من أكتوبر 2023 خلال البؤرة الاستيطانية التي كانت على أراضي جيبيا، وأيضًا من خلال رعي الأبقار في أراضيهم، كما وتعرضت لهجمة وعملية حرق ممنهجة طالعت العديد من المنازل على أطراف القرية، مفيدًا بأن الأهالي كانوا يتصدون لهذه الاعتداءات وكان هناك فعاليات ومظاهرات قبل السابع من أكتوبر 2023. 

عقب السابع من أكتوبر أغلق الاحتلال مداخل القرية الشرقية والغربية، وهو ما تسبب في معاناة لأهالي القرية والقرى المجاورة الذين يمرون تاريخياً منها مثل “دير السودان، وعارورة، وعبوين، ومزارع النوباني”،  وفق قوله. مبينًا أن آخر وأسوأ الاعتداءات التي تعرضت لها القرية هي عندما تم وضع بؤرة استيطانية جديدة قبل أشهر وتم تجريف الأراضي في المنطقة، حيث القرية متضررة بشكل مباشر سواء من قبل الاحتلال أو من خلال التوسع الاستيطاني وهو ما يؤثر على كافة مناحي الحياة، فهم باتوا يحتاجون لساعة للوصول إلى مدينة رام الله رغم أنهم سابقًا كانوا يصلون بثلث ساعة، الأمر الذي ضاعف من تكاليف ومعاناة أهالي القرية، مشددًا على أن هذه الإجراءات تأتي في إطار التوسع الاستيطاني والتضييق على المواطنين الفلسطينيين. 

دعم صمود المواطنين 

أبو رحمة أوضح أنهم بالهيئة كان لديهم عدة لقاءات وزيارات ميدانية للقرية ومشاركات منذ سنوات بالفعاليات التي تقام فيها، إضافة لتوفير ودعم كل ما يحتاجونه على صعيد الفعاليات ومقومات البقاء ودعم الصمود في كل ما هو متعلق بالاختصاص من خلال توفير حماية للمنازل وشق بعض الطرق، وأيضاً تم تخصيص حملة قطف الزيتون هذا العام للقرية وتركيز تواجدهم لجانب المواطنين، مضيفًا أن كل ما تقدمه الهيئة فإنهم يسعون بكل جهد لتوفيره لهم من مقومات البقاء ودعم الصمود للأهالي. 

وتابع بأنهم يقومون بالمساندة والضغط والمطالبة للوزارات ذات الاختصاص لتوفير الاحتياجات لهذه القرية، مؤكداً في ذات الوقت أنهم مهما قدموا من مساعدات فإن القرية تستحق أكبر بكثير من ذلك. 

وأكد أبو رحمة أنهم طالبوا في عدة اجتماعات لتحفيز المنطقة للمشاركة الشعبية حيث هناك حاجة بالفعل لذلك مؤكداً أنهم على استعداد في الهيئة للتواجد وتوفير المتضامنين الدوليين في هذه الفعاليات، مبينًا أن قرار تفعيل العمل الشعبي يأتي بالدرجة الأولى من المجتمع المحلي سواء من أهالي القرية والقرى المجاورة أو من الفصائل الفلسطينية، مشددًا على دعم الهيئة لتفعيل ذلك لأن هذا احتلال وإن لم يكن هناك ضغوطات مثلاً لفتح الشارع لن يتم فتحه فيجب أن يكون ضغط شعبي لذلك. 

تفعيل العمل الشعبي والضغط الدولي

أبو رحمة بيّن أنه ورغم الخطورة والهجوم والأوامر العسكرية من بعد السابع من أكتوبر، وما يُمارَس من قبل الاحتلال والمستوطنين ضد المواطنين إلا أن الفعاليات والعمل الشعبي يأتي في الدرجة الأولى، حيث يجب التحرك اليوم قبل الغد من خلال تنظيم المظاهرات والفعاليات والتصدي لكل ما يُمارس من استيطان، مشيراً إلى أنه ربما يكون تكلفة ذلك إلى حد ما ليست كما كانت قبل السابع من أكتوبر.

وأردف بأنه حتى يتم المحافظة على البقاء والوجود الفلسطيني وإيقاف هذا الهجوم الهمجي الاستيطاني وتوسعه على الأراضي، فيجب أن يكون هناك مشاركة وتصد شعبي في كافة الأماكن، وهذا التحرك الشعبي الفلسطيني هو من سيجلب العالم ليكون بجانبنا ويشاركوننا. 

أما على الصعيد الدولي والديبلوماسي أوضح أبو رحمة أنهم وفي العديد من المواقع وبالتنسيق مع وزارة الخارجية وبعض المؤسسات الدولية قاموا بجولة مع القنصليات والديبلوماسيين إلى هذه المناطق الحساسة لإطلاعهم على الوضع، وذلك من أجل أن يشكلوا ضغط من خلال مراسلة حكوماتهم لتشكيل ضغط على الحكومة الإسرائيلية وهناك بعض الأسماء التي وُضعت على القوائم السوداء من المستوطنين ولكن حتى الآن هذا غير كافي. 

 وأضاف أن المسؤول عن كافة هذه الإجراءات هي الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، والتي يجب أن يكون هناك بالفعل قرارات حاسمة من خلال فرض العقوبات عليها أو سحب الاستثمارات منها وعزلها ومقاطعتها وعدم الاستمرار في دعمها، مشيرًا إلى أنه ورغم ما جرى في غزة وما يجري في الضفة ما زال هناك العديد من الدول وعلى رأسها أمريكا توفر الدعم المادي والعسكري والسياسي لها من خلال استخدام الفيتو في العديد من المحافل الدولية وخاصة في مجلس الأمن.  

وشدد على ضرورة  وجود تحرك دولي مسؤول وعدالة دولية حول ما يتم ارتكابه من جرائم، حيث العدالة تطبق على بعض الدول أما إسرائيل فتفلت من العقاب، مؤكداً أن تكاتف الجهود الشعبية مع الرسمية والدولية في هذه المرحلة والمرحلة القادمة من الممكن أن يكون له تأثير ويمكن أن يوقف السرطان المستشري في الأراضي الفلسطينية.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة