ترجمة محمد أبو علان/ خاص بالغراف
العميــد يهودا فاخ القائد للوحدة العسكرية 252 في الجيش الإسرائيلي والتي عملت في قطاع غزة حتى وقت قريب كان صاحب فكرة “خط الجثث” شمال منطقة ممر نتساريم وفق ما نشرت هآرتس قبل أسبوعين، وكتبت هآرتس في حينه عن “خط الجثث”، “في قلب قطاع غزة، وللشمال من ممر نتساريم، هناك شيء يعرف بين الضباط الإسرائيليين ب “خط الجثث”، خط غير مرسوم على أية خريطة، وغير مسجل في أية أوامر، بعد إطلاق النار على المواطنين، الجثث لا تجمع فوراً، ثم تأتي الكلاب تنهشها، في غزة باتوا يدركون أن عليهم الهروب من كل منطقة فيها كلاب”.
مجدداً تنشر صحيفة هآرتس تقريراً حول سلوكيات قائد ذات الفرقة العسكرية في الجيش الإسرائيلي والتي أبرزها محاولته تنفيذ نسخته الخاصة من خطة الجنرالات، والتخطيط لتهجير (250) ألف مواطن من شمال غزة، ولا يوجد أبرياء في قطاع غزة وفق عقيدته العسكرية، وكل فلسطيني يقتل هو “مخرب”، وشغل شقيقه بدور مقاول لهدم منازل في غزة، ويعتقد أن احتلال أراضي في قطاع غزة الرد الأنسب على ما سماه “مذبحة السابع من أكتوبر”، وأكثر شيء يمكن أن يُشعر حماس بالخسارة.
في مطلع شهر أب 2024 تم تعين العميد يهودا فاخ قائد للفرقة 252 العاملة في ممر نتساريم، تقرير صحيفة هآرتس أظهر كيف أن سلوكه الميداني عرض حتى حياة الجنود الإسرائيليين للخطر، وكيف قام شقيقه بتشغيل وحدة خاصة فيها مدنين وجنود احتياط لهدم منازل في غزة، وماذا كان الضابط الرفيع مستعد أن يفعل من أجل تنفيذ نسخته الخاصة من “خطة الجنرالات”.
عن مقتل ثمانية جنود بسبب سلوكيات فاخ العملياتية كتبت هآرتس: الإعلان عن مقتل الجنود كان مقتضباً، تم نعيهم وشيعوا ودخلوا إحصائيات الجنود الذين قتلوا في قطاع غزة، مقتل الجنود الإسرائيليين الثمانية والذين هم جمعياً من قوات الاحتياط برز في يوم العائلات الثكلى والذكرى، ضابط قاتل مع الجنود قال:” مقتلهم كان نتيجة مباشرة لسلوك قائد الفرقة، عدم الالتزام العملياتي، والاستهانة بحياة البشر، وتجاهل الأوامر عرض حياة الجنود للخطر، وفي بعض الحالات دفعنا ثمن كبير بسبب ذلك”.
الحدث كان في شهر آب عندما قرر قائد الفرقة 252 الدخول لحي الزيتون في مدينة غزة، وحسب ضباط في الفرقة هو ضغط للوصول لأبعد نقطة شمالاً، ضباط من الفرقة قالوا: “هو أدخل الجنود إلى هناك دون تحضير، ودون التأكد من خلو المنطقة من العبوات، القافلة اللوجستية إما صعدت على عبوة أو تلقت صاروخ مضاد للدروع، وآخرون قتلوا في مواجهات مع مسلحين”.
تحقيق صحيفة هآرتس أشار أن هذه الأحداث التي كانت بين 17-28 آب كان بينها عامل مشترك، الاستعدادات سيئة وصلت لدرجة الإهمال، أحد الضباط الذي قاتلوا تحت إمرة فاخ قال:” وصول اللواء 16 لأبعد نقطة في الشمال، تم ذلك بدون الوسائل المناسبة، ودون قوات أخرى كانت حيوية”.
ضابط رفيع من القيادة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي قال لهآرتس: بعد انتهاء العملية العسكرية تم فتح تحقيق على خلفية عدد الجنود القتلى، والذين كانوا كلهم من اللواء 16، وأكد الضابط أن عدم التحضير الكافي لم يمكن القوات من الدخول بالدرجة القوى من الأمن، القوات الهندسية لم تفتح الطريق لتنظيفها من العبوات، وعدم استخدام الكلاب من وحدة عوكتس، والجنود المهرة اللازمين في مثل هذه الحالات، ولم تكن هجمات مسبقة من سلاح الجو.
ضباط وجنود تحت إمرته تحدثوا لهآرتس كيف كان قائد الفرقة فاخ يتصرف بتهور، وكيف هذا التصرف المتهور كلف الفرقة ثمانية قتلى، الضابط من القيادة الجنوبية قال بعد التحقيق تم استخلاص العبر من النتائج لكن الأمر لم يقنع جنود اللواء 5 الذي حل محل اللواء 16، وعندما قرر قائد الفرقة عملية جديدة في حي الزيتون مجموعة من الجنود رفضوا المشاركة، رفضوا حتى يشاهدوا بأعينهم القيام بالخطوات المسبقة المطلوبة، رغم ذلك قرر تقديمهم للمحكمة، ولكن بعد تدخل ضباط كبار في الجيش ألغيت المحكمة، وتم الحديث مع الجنود، وفي كل الأحوال لم يدخلوا حي الزيتون.
وكانت صحيفة هآرتس قد كشفت في تحقيق لها قبل أسبوعين تقريباً عن سلسلة قتل الفلسطينيين في ممر نتساريم، وكيف كان يعتبر كل فلسطيني يقتل إرهابي، وكل الحالات التي تم ذكرها في التقرير حدثت في ظل خدمة العميد فاخ في ممر نتساريم، وتحدث ضباط وجنود عن حالة عدم الانضباط في الفرقة، وكانت سلسلة قوانين بديلة، وكان لها ارتدادات كبيرة.
وعن سياسية العميد فاخ في الفرقة 252 نقلت هآرتس: في اجتماع كان بداية ديسمبر لتقيم أداء الفرقة خلال شهر، من بداية كلامه وحسب ضباط حضروا الاجتماع قال: “لم نحقق الهدف”، الهدف كان تهجير (250) ألف فلسطيني، الذين لازالوا متمسكين في مواقعهم في شمال قطاع غزة، عدة مئات من المواطنين فقط اجتازوا ممر نتساريم، وعقيدته العسكرية:” فقط احتلال الأراضي هو الذي يجعل الفلسطينيون يتعلمون الدرس من مذبحة السابع من أكتوبر”، وفي ذات الاجتماع تحدث عن ضرورة عدم دخول المساعدات، وحتى التضييق على القافلات التي تدخل، وكان يؤمن بعدم وجود أبرياء في غزة، وكان همه السيطرة على الأراضي وطرد سكان شمال غزة جنوباً.
مقاول هدم غزة:
عن قائد الفرقة 252 كتبت هآرتس: العميد فاخ ولد وكبر في مستوطنة كريات أربع، وبسكن اليوم في كيبوتس ميراف المتدين في منطقة جلبوع، عمره 45 عاماً وأب لثلاثة، شغل العديد من المناصب في الجيش بعد أن كبر في لواء جفعاتي ووحدة مجلان، والده كان رئيساً لمجلس مستوطنة كريات أربع، له عشرة أخوة، اثنان منهم على الأقل ضباط في الجيش الإسرائيلي.
وعن خططه لتهجير سكان شمال غزة، قال ضباط من الفرقة عن قائد الفرقة، في إحدى المحادثات قوله:” أنا أحضرت إخوتي، أحضروا أنتم أيضاً إخوتكم، بعض المشاركين في المحادثة ضحكوا، ولم يضحكوا لعدم فهمهم ما قال، بل لإدراكهم ماذا يريد أن يفعل، وطالب بتسهيلات لدخول أشقاءه لممر نتساريم، بدون أسئلة وبدون تصاريح وبدون مرافقة عسكرية، ولا تسجيل دخول وخروج، كما هو عند دخول الجنود إلى قطاع غزة.
جولان فاخ شقيق ضابط الفرقة كان ضابط احتياط للوحدة القطرية للإنقاذ، ولكن في الحرب على غزة كان له دور مختلف حسب ضباط في الفرقة، مقاول هدم لغزة، أقام جولان فاخ وحدة من مجموعة من الجنود والمدنيين كانوا أقرب لفتية التلال، وكان هدف الوحدة تخريب غزة وتسويتها بالأرض، وكانت الوحدة الخاصة بشقيق قائد الفرقة تعمل على هدم المنازل حتى دون التنسيق مع القوات العاملة في الميدان.
المهمة التي كانت موكلة لفرقة شقيق يهودوا فاخ تدمير وتسوية أكبر مساحة ممكنة من غزة بالأرض وبأسرع وقت ممكن، وحسب جنود عملوا على تأمين حماية الوحدة قالوا:” هذا ما كانوا يقومون به طوال اليوم، وكان الجنود الذين يعملون على حماية الفرقة كانوا يدركون أن ما يجري دون علم القيادة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي، ومن كانوا ينفذون المهمة مجموعة من الجنود والمدنيين المتدينين، وكانوا يعتبروا أنفسهم في مهمة مجنونة، وإن قيامهم بذلك كان عبارة عن امتياز كبير منح لهم”، وحسب مشاركين في فريق هدم غزة، قالوا أن عليهم تدمير (60) مبنى في اليوم في قطاع غزة، لكنهم لم يستطيعوا الوصول لهذا الرقم، ولم تكن محددات معينة لعمليات الهدم، الفكرة الرئيسة هي أن لا يعود أحد للسكن هنا.
جولان فاخ شقيق قائد الوحدة يهودا فاخ عرض حياة الجنود وطواقم الإنقاذ للخطر عندما أصر الدخول لأحد الأنفاق، وانهارت عليه جدران النفق واستغرقت عملية إنقاذه ساعتان، وحتى التحقيق الذي أجري في الحادثة جيره جولان فاخ لصالحة وحول نفسه لبطل، قائد المنطقة الجنوبية علق على خطوته بأنها كانت بدون تعليمات ولا ضرورة لها، والعملية كانت بدون أية ضرورات عملياتية، ولا أحد كان يعلم ماذا يفعلون هناك، وبعد إصابة جولان بجروح متوسطة في انهيار النفق تفككت مجموعته، ولم تعد للعمل.
ضباط من الوحدة قالوا: على الرغم من اعتبار قائد المنطقة الجنوبية الحدث خطير، إلا أنه قرر عدم القيام بأية خطوات عقابية أو تأدبيه على خلفية الحدث، واعتبر الضباط الخطوة نوع من تستر ضباط الجيش الإسرائيلي على بعضهم البعض بعد أحداث السابع من أكتوبر.
قضية أخرى لم تحدث ضجة:
قضية أخرى لم تثير ضجة على خلفية سلوكيات شقيق آخر لقائد الفرقة يهودا فاخ:” في أحد الأيام شرطية من الشرطة العسكرية تقف على أحد البوابات الموصلة لقطاع غزة، أوقفت مركبة فيها ضابط ومدنيان، السائق خطط الدخول لقطاع غزة بدون التصاريح المطلوبة، تبين أن الضابط السائق هو الشقيق الأصغر ليهودا فاخ”، وروى جنود وضباط من الوحدة إنه كان يدخل ويتحرك في قطاع غزة كما يشاء.
في ذات الأيام تعرض الجيش الإسرائيلي لانتقادات حادة بعد دخول نشطاء وأعضاء كنيست من اليمن بعد دخول هؤلاء النشطاء وأعضاء الكنيست دون الموافقات المطلوبة، في الجيش قالوا إن الموقف صحيح فهو مخالف للقانون والتعليمات، وغطي ذلك الدخول عبر صفحات شبكات التواصل الاجتماعي، وكان لهذا الحدث تأثير على خطة أخرى ليهودا فاخ.
خطة يهودا فاخ وصورة النصر بالنسبة له تهجير كل سكان شمال قطاع غزة للجنوب، وكان لديه فكرته الخاصة في تطبيق نسخته الخاصة من خطة الجنرالات، ولكن عندما أدرك أن ذلك ليس ممكناً، بدأ يبحث عن صورة نصر خاصة به، من تلك الخيارات السماح لمركبات مدنية إسرائيلية التحرك بحرية في ممر نتساريم، والصورة كانت ستبدو لحماس صورة احتلال حسب اعتقاده، ولا يوجد صورة نصر بالنسبة له أكبر من احتلال الأرض.
غالبية الضباط في الفرقة 252 عارضوا فكرة التحرك بمركبات مدنية على ممر نتساريم، مما يشكل خطر على الجنود والضباط من نيران حركة حماس، وقد يكون من نيران الجيش الإسرائيلي نتيجة خطأ في التشخيص، إلى جانب إشكالية دخول مركبات مدنية لقطاع غزة.
بعد سقوط فكرة دخول المركبات المدنية، حضر لقائد الفرقة فكرة أخرى، يومان قبل نهاية فترة تواجد الفرقة في القطاع أراد قائد الفرقة إجراء تمرين لياقة بدنية بدون ستر واقية من الرصاص، والركض من معسكر داخل إسرائيل إلى البحر في غزة، قائد المنطقة الجنوبية سمع بالفكرة وألغاها ليلة قبل التنفيذ، فاخ أراد أن يعرف من وشى به لقائد المنطقة الجنوبية.
وعن علاقات قائد الفرقة 252 مع قائد المنطقة الجنوبية كتبت هآرتس: العلاقات بين فنكلمان (قائد المنطقة الجنوبية) وفاخ (قائد الفرقة 252) لم تكن العلاقات الأكثر دفئاً، الشعور كان أن فاخ لا يقيم وزناً لفنكلمان، ضابط قديم في الفرقة قال: في حالات لم يكن الانضباط العملياتي جوهري في سلوكياته مما شكل خطر غير مبرر على القوات، وكان هناك مظاهر أخرى حول العلاقة بين الاثنين، خلال تلك الفترة اعتاد قائد المنطقة الجنوبية إقامة جلسات تقييم مع كل ضباط الفرقة، والتي كانت تتم أحياناً بمكالمات فيديو، جلسات كانت المعلومات فيها حساسة، كان الحديث عن المفقودين والمخطوفين، في اللحظة التي يتحدث فيها فنكلمان، كان يظهر على شاشة يهودا فاخ شخص مدني يرتدي الكبه (قلنسوة المتدينين)، فاخ كان داخل غزة، والمواطن المدني من خلفه ينظر لخريطة غزة، لاحظ فاخ غضب فنكلمان فأبعد المواطن المدني من خلفه.
أسابيع قبل انتهاء الخدمة الاحتياطية قرر مجموعة من ضباط الإطفاء في الكتيبة 252 الطلب من فاخ تفسير لسلوكياته العملياتية، أحد الضباط في الفرقة قال:” هذه هي الحرب الأولى التي تدار بهذا الشكل، كل شخص يعمل بالميدان الموجود تحت سلطته ما يشاء، عمليات تنفذ بدون أية تعليمات ودون أية إدارة منظمة للمعركة، هذا هو الشيء المهم، وكيف يمكن عمل الأصح”
وختمت صحيفة هآرتس تقريرها عن سلوكيات قائد الفرقة 252 برد الناطق باسم الجيش الإسرائيلي الذي جاء فيه:” قوات الفرقة 252 شاركوا في العديد من العمليات القيمة والكبيرة، هدفها توسعة نطاق الحماية للقوات في ممر نتساريم، الحديث عن سلسلة عمليات تمت المصادقة عليها بكل المستويات، وفق تعليمات إدارة معركة منظمة، القرارات التي اتخذها قائد الفرقة كانت مهنية ومهمة، وبالتنسيق مع الضباط ونبعت من الرغبة والحاجة لتحقيق الأهداف، والاشتباك عبر المحافظة على أمن وحياة جنود الفرقة، ولا صحة لتعريض حياة الجنود للخطر بلا مبرر، وعدم الاستعداد الكافي قبيل العمليات”.
وجاء من الجيش أيضاً حول الوحدة التي كانت تحت مسؤولية شقيق قائد الفرقة :” المجموعة التي قادها الجنرال احتياط جولان فاخ فرقة عسكرية مؤهلة ذات صلاحيات، وهم عناصر احتياط أخضعوا للتأهيل المناسب، الفرقة قوة مهمات مصادق عليها وجندت وفق التصاريح المطلوبة، وعملوا في عدة مناطق في غزة، وكانوا تحت مسؤولية القوة في المنطقة، والعثور على الأنفاق وتدميرها كانت من المهام الموكلة للجنرال جولان فاخ، وحادثة النفق تم التحقيق فيها من قبل القيادة الجنوبية بعمق ومهنية وتم استخلاص العبر منها، ولا صحة لموضوع إدخال مدنين لقطاع غزة من قبل الفرقة 252، والأقوال التي نسب لفاخ لم تقال على لسانه”.