loading

“نكهة الماضي في قلب الحاضر: قصة المبسبس وعثمان الأشهب”

تسنيم دراويش

في قلب خليل الرحمن وتحديدًا في شارع عين سارة المليء بالحياة وسط حركة الناس وزحمة المحال الحديثة، تصطف حافلة صغيرة من طراز الثمانينات، تحمل معها نكهة من الماضي؛ يبيع فيهاالشاب عثمان الأشهب المبسبس، هذا الطبق التقليدي الذي ارتبط بالتراث الخليلي. في تحدٍ للبطالة ووفاءً لذكرى جدته، قرر عثمان أن يقدم هذا الطبق الأصيل في إطار عصري، ويعمل يوميًا من بعد أذان المغرب وحتى منتصف الليل، ليجسد بعمله الحلم والروح التراثية، ولتتحول الحافلة الصغيرة إلى مصدر دخل رئيسي له.

المبسبس… وجبة التراث والذكريات

المبسبس هو طبق حلوى تقليدي يُصنع من الحبيبات الصغيرة التي تنتج أثناء تحضير “المفتول” أو “الكسكسون”، كما يُطلق عليه في الخليل. في الماضي، كانت النساء تحضر المفتول يدويًا في البيوت من خلال دمج الطحين أو السميد بالماء وفركه بالأيدي حتى تتكون حبيبات صغيرة، ثم تُطهى هذه الحبيبات بالبخار. بعد ذلك، تُضاف السمنة والسكر لتحصل على طبق شهي ولذيذ جاهز للتقديم. وفي حديثه لبالجراف قال الأشهب: “المبسبس ليس مجرد حلوى، بل هو ذاكرة الجيل القديم، يحمل في طياته بركة ممزوجة بدفء العائلة وروحها التي نفتقدها اليوم مع الأسف. مضيفًا أنه أراد أن ينقل هذا الشعور العائلي القديم إلى زبائنه ليشعروا بدفء قلوبهم قبل أجسادهم.”

التحول من الفكرة إلى التنفيذ

رغم شغفه بالمبسبس، إلا أنه لم يكن من السهل على الأشهب أن يحول فكرته إلى مشروع حقيقي .فبدأ ببيع المبسبس من خلال صفحته على “فيسبوك”، حيث كان يُحَضِرَه في المنزل ويبيعه باردًا. وفي عام 2016، وبينما كان يتجول مع صديقه في شارع عين سارة، لفت انتباهه حركة الناس وازدحام الشارع بمختلف المحال التجارية والعربات التي تعرض الأطعمة والحلويات المتنوعة. بدا له الشارع وكأنه يراه لأول مرة، مما دفعه إلى فكرة تأسيس مشروعه الخاص ببيع المبسبس في هذا الشارع الحيوي.

كان الأشهب في ذلك الوقت يدرس أساليب اللغة العربية في جامعة القدس المفتوحة. موضحًا أنه كان متأكدًا أنه سيخرج من الجامعة ليواجه البطالة، لذا قرر أن يختصر الوقت ويبحث عن مشروع خاص به. ولكن الأوضاع في البلاد صعبة، فالأراضي غير متوفرة وإيجارات المحال غالية جدًا، فكان الخيار الأنسب هو بيع المبسبس عبر عربة متجولة لتقديمه ساخنًا في الشارع.” وبذلك أصبح أول بائع للمبسبس في الخليل عبر عربة متجولة.

من عربة كادت أن تحترق إلى محل متنقل

واجه الأشهب صعوبات في الحصول على عربة تناسب إمكانياته. فطلب من والده المساعدة في صناعتها، لكنه رفض بسبب شكوكه في نجاح الفكرة. ليلجأ بعدها إلى صديقه الذي صنع له عربة صغيرة تتسع لطنجرة واحدة فقط. كانت تلك العربة بدائية وكادت أن تحترق خلال إحدى الليالي، لكنه لم يستسلم. 

لكن ومع النجاح الكبير الذي حققه المشروع، قرر والده أن يصنع له عربة أكبر وأكثر ملاءمة. مبينًا أنه لا يستطيع أن أنسى تلك العربة، فكانت نقلة نوعية بالنسبة لها. مؤكدًا أنه حتى اليوم لا يزال محتفظًا بها حيث كانت كبيرة، تتسع لطنجرتين، مصنوعة من الألمنيوم بحيث لا يمكن أن تحترق، ولها رفوف وإضاءة جيدة.

ومع الإقبال المتزايد، تمكن الأشهب بعد عام واحد من شراء حافلة قديمة موديل الثمانينات. بفضل خبرة والده، حوّلها إلى مطبخ متنقل بتكلفة زهيدة مقارنة بالتكاليف المعتادة، ويقول عثمان: “لو كنت قد جلبت متخصصًا لتحويل الباص، لكان الأمر سيكلفني حوالي 20 ألف شيكل، لكن بفضل والدي كلفني فقط 4000 شيكل لتجهيز المواد الأساسية.”

جودة تتفوق على التحديات

ما يميز المبسبس الذي يصنعه الأشهب هو الطريقة التي طورها ليكون أكثر طراوة وألذ طعمًا. و يعتمد في صناعته  على السميد دون إضافة الطحين، وهو ما يمنح المبسبس جودة أعلى وطعمًا أفضل. مبينًا أنه ورغم أن استخدام الطحين مع السميد يجعل العملية أسهل وأقل تكلفة، إلا أنه يركز على الجودة التي يضيفها السميد، مما يجعل المبسبس أكثر طراوة وألذ.”

لم يتوقف مشروعه عند حدود الخليل. فأصبح المبسبس الذي يصنعه يُطلب من مدن وقرى أخرى، وحتى من المغتربين الفلسطينيين. ولذلك يحرص على إعداد الطلبات بطريقة تضمن بقاء الطعم والجودة رغم التنقل.

يطمح الأشهب إلى توسيع نطاق عمله من خلال ابتكار أنواع جديدة من الحلويات، مؤكدًا أنه وبعد عدة محاولات تمكن من تطوير نوع جديد من الحلويات  يشبه هذا المنتج المبسبس ولكنه يتميز بإضافة الجبنة والمكسرات، مما يضفي عليه طابعًا فريدًا ومذاقًا استثنائيًا.  مضيفًا أنه ونظرًا لخصوصية تحضيره، حيث يتطلب هذا النوع ظروف عمل ومساحة واسعة، مما يجعل إنتاجه في الباص غير ممكن، ولذلك فإنه يطمح في المستقبل إلى افتتاح محل مخصص، يتيح له تصنيع هذا المنتج بشكل احترافي وطرحه في السوق.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة