loading

وقف إطلاق النار في غزة: إعلان فلسطيني ومماطلة إسرائيلية

هيئة التحرير

أعلنت مساء أمس الخارجية القطرية التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة بعد أكثر من 15 شهرًا من الإبادة المتواصلة بحق الأهالي في القطاع، وسيدخل الاتفاق حيز التنفيذ ظهر الأحد المقبل، وسط إعلان من الفصائل الفلسطينية ومماطلة إسرائيلية بإعلان موافقة مجلس الوزراء الإسرائيلي عليها، إضافة إلى تصريحات الوزير في الحكومة بن غفير نيته الانسحاب من الحكومة إذا ما تمت الموافقة على الصفقة، ومطالبة سموتريتش بتعهدات من نتنياهو بمواصلة الحرب عقب انتهاء المرحلة الأولى

 إعلان التوصل لاتفاق لاقى ترحيبًا من الدول العربية والأجنبية، التي حثت على ضرورة استمرار المفاوضات لتحقيق التوصل لاتفاق شامل ودائم، والعمل على تدفق المساعدات بشكل دائم وتحقيق إعادة الإعمار في القطاع. 

معارضة وانقسام إسرائيلي

 المختص بالشأن الإسرائيلي خلدون البرغوثي بين في حديث ل” بالغراف” أن هناك انقسامًا في الداخل الإسرائيلي حول هذه الصفقة حتى بين عائلات الأسرى حيث هناك من يؤيد الصفقة مع قلق من عدم استكمالها، بمعنى أن تُنَفذ المرحلة الأولى ومن ثم يتم التضحية بباقي الأسرى الإسرائيليين في القطاع، وهناك من يدعمها بشكل مطلق على أمل أن تُستكمل وهناك من يعارضها ويرى بها عدم تحقيق لأهداف الحرب، واستمرار لبقاء حماس كقوة حاكمة وقوة عسكرية في قطاع غزة، وهناك من يرفضها من ناحية أيديولوجية كسموتريتش وبن غفير ويدعون للإستمرار بالحرب حتى يتم القضاء على حركة حماس حتى لو كان ذلك بإمكانية التضحية بالإئتلاف الحكومي. 

 وبين أن انهيار الائتلاف الحكومي من عدمه يعتمد على التعهدات التي من الممكن أن يحصل عليها سموتريتش من نتنياهو، مشيرًا إلى أن نتنياهو تحت ضغط شديد فهناك من يعارض الصفقة من عائلات القتلى الذين يعتبرون أن الخسارة وقعت عليهم فيريدون الاستمرار بالحرب. 

وأفاد البرغوثي أن العديد من المحللين والخبراء الإسرائيليين يعتبرون أن الصفقة سيئة ولكنها واجبة وضرورية لأن الوضع يفرض الذهاب الى هذه الصفقة حتى لو اعتُبِرَت هزيمة، وذلك لأن إعادة المخطوفين على الأقل بمنظورهم هو تحقيق لأحد أهم أهداف الحرب الثلاثة خاصة أنه وفي ظل أن كافة المعطيات ليست في صالح إسرائيل، حيث على الأرض هناك تآكل في القدرات وخسائر كبيرة وكثير منهم يعتبرون أن الجنود أو الأسرى الذين من الممكن أن يموتوا بسبب الوضع الصحي أو استمرار الحرب يموتون سدى دون جدوى، ولذلك فالأفضل إنجاز هذه الصفقة في أسرع وقت ممكن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. 

وأوضح أن هناك مرونة من قبل الطرفين ولكن في السياق العام بأكمله إذا ما تم تحقيق الصفقة وتحقق الانسحاب الإسرائيلي الكامل ووقف إطلاق نار بشكل كامل دون تحقيق أهداف الحرب، فإنه استراتيجيًا وبغض النظر عن حجم الخسائر من الطرفين فتعتبر إسرائيل فشلت في الحرب، مضيفًا أن “غيورا آيلاند” صاحب فكرة خطة الجنرالات قال إن هذا فشل هائل بالنسبة لإسرائيل وإخفاق في تحقيق أهداف الحرب الثلاثة بالقوة العسكرية، حيث اضطرت إسرائيل للذهاب لصفقة في ظل قوة متعاظمة لحماس. 

 وأفاد أن المحللين الإسرائيليين يقولون إن إسرائيل تخسر من جنودها دون تحقيق أي جدوى عسكرية ودون تحقيق أي من أهداف الحرب، ولذلك يرون أن الصفقات هي شر لا بد منه في المنظور العام لدى المحللين والخبراء الإسرائيليين، وأيضًا لدى المستوى العسكري والأمني الذي يُفاوض حيث يرون أن صفقة سيئة هي أفضل من عدم وجود صفقة في الوقت الحالي. 

مماطلة إسرائيلية 

 الكاتب والمحلل السياسي جهاد حرب بين أن هذه الإتفاقية هي الحل الذي يمكن أن يُتيح فرصة لإعادة الحياة للفلسطينيين في قطاع غزة، مضيفًا أن بها الكثير من البنود والاعتماد على التبادلية في الالتزامات بين الطرفين “حركة حماس، وإسرائيل” وهو ما يشير بالتزام الطرفين بهذه الاتفاقية. 

 وقال أنه وحتى الآن هناك انتظار لقرار مجلس الوزراء الإسرائيلي الذي يحاول نتنياهو المماطلة به إلى أقصى ما يمكن، رغم أن المجتمع الدولي وعلى ما يبدو وخاصة ترامب حاصر نتنياهو بالأمس عند إعلانه التوصل لاتفاق وقف النار في غزة. 

 وأشار إلى أن هذه المماطلة تأتي في محاولة نتنياهو الاستمرار في إئتلافه وضمان بقاء الائتلاف الحكومي وعدم انهياره، لأنه لا يثق بأحزاب المعارضة التي قدمت له شبكة أمان في حال التوصل لاتفاق وانسحاب أحزاب من الائتلاف الحكومي مثل “الصهيونية الدينية، والقوة اليهودية”. 

من جانبه أوضح البرغوثي أن هناك شكوكًا من إتمام الصفقة حيث القناة “12” المقربة من نتنياهو بينت أن عرقلة اجتماع الكبينت لبحث الصفقة يأتي بسبب موقف سموتريتش، بمعنى أن ذلك ليس بسبب مطالبات حماس كما يدعي نتنياهو برفع الفيتو الإسرائيلي على أسماء كبار الأسرى الفلسطينيين إنما هي ذريعة نتنياهو لإيجاد وقت لمفاوضة سموتريتش، فالقناة تقول أن من يعرقل الصفقة هو نتنياهو وذلك بسبب موقف سموتريتش منها وهذا ينطبق على التصريحات الأخرى. 

وتابع بأن نتنياهو يختلق ذرائع ويرى في أفضل الظروف أنه إن رأى مستقبله مهددًا بانهيار الائتلاف الحكومي فقد يتفق مع سموتريتش على تنفيذ المرحلة الأولى من الصفقة والعودة للحرب كما يطالب سموتريتش لضمان بقاءه في الحكومة، حيث في المرحلة الأولى يتم إنقاذ ما يُوصفون بالحالات الإنسانية والتضحية بالجنود وباقي من هم في سن التجنيد من الأسرى الإسرائيليين في غزة والذين من المفترض أن يخرجوا في المرحلة الثانية والثالثة. 

نتنياهو خائف من ترمب 

البرغوثي أوضح أن نتنياهو يحاول تحميل الطرف الفلسطيني المسؤولية لأنه خائفاً من موقف ترامب، حيث قال محلل إسرائيلي بأن نتنياهو يخاف من ترامب أكثر مما يخاف من سموتريتش وبن غفير، مضيفاً أن مصيره الشخصي على المحك وأيضًا انهيار حكومته يعني الذهاب للانتخابات وهو معناه خسارة الحكومة ويعني أيضًا تعطل الانقلاب على القضاء، والذي من الممكن أن يكون به طوق نجاة لنتنياهو من المحاكمة حيث فوز المعارضة يعني إمكانية تشكيلها للجنة تحقيق رسمية وهي التي يعارضها ويعرقلها نتنياهو، وهذه اللجنة هي محكمة فعلية قد تدين نتنياهو بالمسؤولية المباشرة عن الحرب، مبينًا أنه إن كانت حياته الشخصية مهددة بالمحاسبة على الأحداث الحالية فقد يفضل اختيار المواجهة مع ترامب على أن يضحي بنفسه. 

وحول شبكة الأمان بين أنها عبارة عن تصويت لصالح الصفقة ولصالح الائتلاف الحكومي في الكنيست لتمرير الصفقة حيث إن تم إيقاف الحرب ونُفِذت الصفقة فلن يكون هناك حاجة لشبكة الأمان هذه، وهو بحاجة لسموتريتش وبن غفير لبقاء الحكومة، إضافة إلى  أن نتنياهو لا يثق بالمعارضة والمعارضة لا تريده، فإن قاموا بتمرير الصفقة فالمعارضة ستسجل نقطة لنفسها بأنها هي من تسببت بتمرير الصفقة والإفراج عن الأسرى مقابل سموتريتش وبن غفير الذين حاولوا تعطيلها ومن ثم ستعمل على حجب الثقة عن الحكومة وإسقاطها والذهاب لانتخابات وتفوز بها حسب استطلاعات الرأي، ولذلك فنتنياهو لن يذهب لهذا الخيار وأفضل الخيارات بالنسبة له إما إقناع سموتريتش بالصفقة أو عدم الذهاب للصفقة. 

بدوره يرى حرب أنه من الصعب على نتنياهو التنصل من هذه الاتفاقية بعد إعلان ترامب لهذا الاتفاق، حيث سيتحمل المسؤولية أمام ترمب وهو يخشى تحمل هذه المسؤولية، وذلك لأن العلاقة مع ترمب ليست كما العلاقة مع بايدن الذي تلاعب به نتنياهو على مدار الأشهر الماضية. 

وأفاد بأن نتنياهو يحاول كسب الوقت لإتاحة الفرصة لإقناع شركائه بالإئتلاف الحكومي وذلك على الرغم من أن لديه القدرة لإتخاذ هذا القرار، فهو لديه أغلبية في مجلس الوزراء بالحصول على هذا القرار، إضافة إلى شبكة الأمان ومع ذلك فهو يحاول للحظة الأخيرة ليس فقط من أجل إقناع الإئتلاف الحكومي ولكن أيضًا من أجل إقناع جمهوره اليميني بأن هذه الصفقة هي الخيار الأمثل الآن للتوصل إليها وأنه حاول تعطيلها ولم يتمكن نتيجة ضغط المجتمع الدولي وخاصة الإدارة الأمريكية. 

نتنياهو في ورطة

البرغوثي لفت إلى أن الوضع صعب بالنسبة لنتنياهو وفي التقديرات الإسرائيلية فهو في معضلة كبيرة، فهو بين سموتريتش من جهة وترامب من جهة أخرى وعائلات الأسرى التي تنتظر إطلاق سراح الأسرى من جهة أخرى، إضافة للجيش الذي يضغط بطريقة غير مباشرة، وذلك بالإعلان عن أنه بات مستعدًا لتنفيذ أي جزئية تتعلق بالصفقة بما فيها الانسحاب من شمال غزة ومحور فيلاديلفيا ونتنساريم، وهناك حديث عن بدء تفكيك بعض المنشآت التي بُنِيَت على المحور فكل هذه الأمور تضغط نتنياهو لأنه وضع الجو العام في إسرائيل في جو البدء في تنفيذ الصفقة.

وأضاف أن مدى قدرة نتنياهو على إيجاد معادلة ترضي سموتريتش ستكون معضلة حيث إن وعده بالعودة للحرب فقد يُتهم بأنه لا يريد صفقة من قبل حماس وهو ما قد يضع الكرة في ملعب نتنياهو ويُحرج الوسطاء بشكل كبير، ويصبح هو المُلام على عدم الذهاب للصفقة وإن ذهب إليها في الشروط الحالية ولم يستجب لسموتريترش فقد يضحي بالإئتلاف الحكومي ويضع مصيره بين يدي المعارضة لابيد وليبرمان وغيرهم، ولذلك فهذه الورطة هي ورطة نتنياهو أكثر من أي طرف آخر ولذلك فهو يحاول اختلاق الذرائع واتهام الفلسطينيين وكما يبدو أنه تمهيد لإفشال الصفقة أو عدم الذهاب إليها أو على الأقل إن تمكن من إقناع سموتريتش ومن ثم تعطيلها.

وبين البرغوثي أنه من الصعب جدًا توقع القادم فمن تصريح سموتريتش تغيرت الأمور، إضافة إلى أن تلاعب نتنياهو واضح للجميع ولذلك فمن المفترض أن الصفقة جاهزة، وتبقى المعضلة هي السياسة الحزبية حيث هي من ستحدد مصير الصفقة، فالتطورات التي من الممكن أن تحدث داخليًا وحزبيًا في إسرائيل هي من ستحسم موضوع الصفقة إضافة إلى أن الموقف الدولي كله ينظر إلى إسرائيل فنتنياهو حاول الإدعاء بأن الطرف الفلسطيني المعطل وذلك بالحديث حول الإنسحاب من محور فيلاديلفيا، وهو ما تبين أنه اختلاق منه لأنه القضية كانت محسومة منذ أيام والقضية الثانية هي قضية الفيتو على الأسرى وهذا ما نفته حماس، ولذلك فالمعضلة هي ورطة نتنياهو الذي لا يريد أن يُتهم بالتحريض ولذلك يحاول أن يرمي الكرة على الطرف الفلسطيني لعجزه أمام سموتريتش وبن غفير. 

لا عودة للحرب 

حرب أفاد بأنه من حيث المبدأ لا يمكن الاعتماد على إسرائيل باحترام التزاماتها، ولكن بعد 42 يوم وتغير الظروف ورؤية أهالي أسرى الاحتلال لعودة الأسرى الإسرائيليين بالتفاوض، والتي فشلت إسرائيل على مدار 16 شهرًا من إعادتهم بالقوة العسكرية فسيكون هناك ضغطًا أكبر داخل إسرائيل على الحكومة الإسرائيلية للتوصل لاتفاق، وهو ربما ما سيجبر الحكومة الإسرائيلية على الاستمرار بالمرحلة الثانية وربما الثالثة. 

ولفت إلى أنه بعد 90 يومًا أو ثلاثة أشهر تقريبًا على وقف الحرب فمن الصعوبة بمكان العودة للحرب من جديد، خاصة وأن إسرائيل ستنسحب من قطاع غزة خلال المرحلتين الأولى والثانية وبالتالي لن يكون بوسعها العودة لحرب جديدة، وربما تقوم بعمليات محدودة كما يجري بالضفة الغربية على سبيل المثال من خلال اقتحام لمنطقة ما أو العمليات الجراحية كما يقولون فربما تقوم بذلك. 

 وأشار حرب إلى أنه يعتقد أن إسرائيل ستلتزم بهذه الاتفاقية لأنه لم يعد هناك أي أهداف عسكرية كما قال الجيش الإسرائيلي خلال المرحلة الماضية، وإذا ما جرى تبادل للأسرى وحصلت إسرائيل على الأسرى فلن يعود هناك مبررًا “مشروعًا” أمام المجتمع الدولي للعودة للحرب أو للقتال. 

وأضاف أن إسرائيل لم تنتصر ولكن لم تنهزم، والكارثة التي حلت بالقطاع تُجبر الفلسطينيين اليوم على إعادة النظر بطرق ووسائل مواجهة الاحتلال الإسرائيلي كي يتمكن الفلسطينيين من إعادة الإنبعاث والنهضة من جديد في القطاع، حيث الآلام التي يعيشها الفلسطينيون كبيرة وربما ستصبح أكثر ألمًا عندما يعودون إلى بيوتهم المدمرة ومنازلهم وذكرياتهم التي تحطمت، وأيضا مستقبلهم الذي أُلغي، بعد هذه الحرب وهذه الكارثة التي حلت بهم.

المطلوب فلسطينيًا 

حرب أوضح أن المطلوب فلسطينيًا أن تتنازل القيادات السياسية الفلسطينية في الضفة والقطاع لمصلحة المواطنين الفلسطينيين خاصة في القطاع، وعدم النظر إلى السلطة والتحكم والنفوذ في القطاع بقدر ما يجب التتطلع لخدمة مصلحة المواطنين الفلسطينيين. 

 وشدد على ضرورة النظر لمستقبل الفلسطينيين لأن العاصفة التي ستأتي من الولايات المتحدة الأمريكية قد تكون قوية وقوية جدًا، وهو ما يتطلب وحدة وطنية فلسطينية تساعدهم على الصمود والمواجهة والاتفاق على أشكال المواجهة والمقاومة في مواجهة الاحتلال، إضافة لتعزيز التضامن العالمي مع القضية الفلسطينية وتوفير شبكة أمان عربية للفلسطينيين حتى يتم تجاوز مرحلة العاصفة القادمة قريبًا.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة