loading

إغلاق حواجز الضفة: محاولة إسرائيلية لإخضاع الفلسطينيين

هيئة التحرير

“وقفنا على الحاجز من الساعة 4 للساعة 9 واضطرينا نرجع” بهذه الكلمات عبرت الشابة تالا حمدان عن طول مدة مكوثهم على حاجز عطارة شمال رام الله خلال عودتهم من عملهم إلى بلدتهم. 

حواجز مُغلقة ببوابات حديدية وأخرى بمكعبات إسمنتية وأخرى بسواتر ترابية، وطرق التفافية وعرة كان يسلكها المواطن الفلسطيني بات الاحتلال يقيم عليها حواجز أيضًا، هكذا يبدو المشهد في مختلف مناطق الضفة الغربية منذ أول أمس، حيث اضطر المئات من المواطنين من النوم في الطرقات نتيجة استمرار إغلاق الحواجز.

حمدان بينت أنهم بعد انتظار ساعات طويلة اضطرت للعودة إلى مدينة رام الله والبحث عن مكان عند أصدقائها ومعارفها للمبيت لديهم حتى فتح الحاجز، مضيفة أن سياسة الإغلاق هذه تُصَعِب من حياة المواطنين سواء الذاهبين لعملهم أو حتى المرضى المضطرين للذهاب للمستشفى، الأمر الذي بات مُرهِقًا للمواطن الفلسطيني الذي بات يفكر قبل أن يخرج من بيته حتى للعمل. 

محاولة لإخضاع الفلسطيني

مدير دائرة النشر والتوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أمير داوود بين في حديث ل” بالغراف” أن الاحتلال عمليًا قام بنقل سياسة التعسف المكثفة في ظلال محاولات وقف العدوان بقطاع غزة لتطال أراضي الضفة الغربية، وذلك من خلال قضيتين وهما فرض منظومة الإغلاق المكثفة، وثانيها تسليط ميليشيا المستوطنين على القرى والبلدات الفلسطينية، فهو من جهة يُضيق الخناق على المواطنين الفلسطينيين بإغلاق الطرق، ومن جهة أخرى يمنح تسهيلات لحركة للمستوطنين من أجل تنفيذ الاعتداءات، وبالتالي تتجلى واحدة من مظاهر موضوع التبادل الوظيفي بين المستوطنين والجيش وتحديدًا فيما يحدث بالأراضي الفلسطينية. 

وأضاف أنه ومنذ مطلع العام 2025 رصدت الهئية وضع جيش الاحتلال ل17 حاجزًا جديدًا لم تكن موجودة بالسابق وهي تضاف لمئات الحواجز التي صممتها وأنشأتها دولة الاحتلال منذ العام 1967، فالاحتلال لم يتوقف في يوم من الأيام عن تطوير منظومة الإغلاق ولكنه راكم هذه المنظومة حتى وصلنا اليوم لمرحلة حوّل فيها الاحتلال وجود الفلسطيني إلى كانتونات ومعازل. 

وتابع داودد أن الاحتلال يريد من خلال نظام الإغلاق الجديد والمكثف فرض جغرافيا جديدة، بمناطق مكتظة ومعازل وكانتونات منفصلة عن بعضها البعض وتتحكم بها دولة الاحتلال، وهو ما يتجاوز مفهوم التحكم بالمستوى الحركي فقط إلى مستوى جديد من مستويات الإخضاع فهو يريد أن يُخضِع الفلسطيني لمنظومة من الرقابة والتحكم. 

ونوه إلى أن دولة الاحتلال تُراكِم وتُطَوِر منظومة الإغلاق القائمة أصلاً، بمعنى أنها في السابق كانت تفرض حِصارًا على مستوى المحافظة، بينما اليوم باتوا يُغلقون ويفرضون الحصار على مستوى القرية والتجمع والمخيم والمدينة، فهي صممت منظومة الإغلاق لتتناسب مع كل تجمع فلسطيني وتتحكم في حركة ووجود وحياة هذا التجمع الفلسطيني وهذا منبع خطورة ما يحدث في هذه الأيام. 

وأردف داوود أن الحواجز منوعة ولديها تلوينات مختلفة فهي تبدأ من السواتر الترابية وتنتهي عند البوابات الإلكترونية المزودة بكافة وسائل العذاب، منها كاميرات المراقبة ونظام الإطلاق الآلي للنيران، وبالتالي فالحديث هنا يدور عن منظومة متنوعة وكبيرة، حيث الاحتلال يستثمر المليارات من أجل فرض منظومة الإخضاع، فهي لا تريد أن تغلق أمام حركة المواطنين فقط بل تريد أن تتحكم وتُخضِعهم على كافة مستويات معيشتهم. 

بدوره يقول المحلل السياسي نهاد أبو غوش في حديث ل” بالغراف” أن هناك أسبابًا راهنة لهذه الإغلاقات، ولها علاقة بمحاولة إسرائيل توجيه رسالة داخلية أنها هي التي تفرض إيقاع العتاد وأنها هي الأقوى، وأن الصفقة رغم الثغرات الموجودة بها إلا أن سياسة القمع والحزم والشدة تجاه الفلسطينيين ما زالت قائمة. 

وأضاف أنها تأتي أيضًا لطمأنة الجمهور اليميني والجمهور الذي سجل مآخذ على الصفقة وتحديداً اليمين المتطرف بأن سياستهم لم تتغير كثيرًا رغم توقيع الصفقة. 

وأفاد أبو غوش أنه وعلى المدى الأوسع والاستراتيجي فإن هذه الإغلاقات تشكل جزءًا من برنامج الحكومة التي ترى أنها تملك فرصة مُواتية لحسم الصراع مع الفلسطينيين،  وبالتالي فهي تعمل على تضييق الخناق على حياة الفلسطينيين في كافة المجالات والتعامل معهم بمنطق انتقامي وتكبيد الفلسطينيين خسائر فادحة بسبب ما جرى في السابع من أكتوبر 2023. 

وتابع أنه وبعد ذلك يأتي العمل على تهجيرهم وضم أجزاء واسعة من أراضيهم، والعمل على جعل الحياة في الضفة أمرًا غير قابل للحياة، مؤكداً أن هذه سياسة يمينية معتمدة من كافة الحكومات اليمينية وهي تُمارَس منذ سنوات لكنها تتكثف في هذه الظروف بسبب ما جرى في غزة وما جرى من استمرار لأعمال المقاومة في الضفة. 

عنف متزايد للمستوطنين بغطاء حكومي 

رافق إغلاق الاحتلال الحواجز وتكدس المواطنين على الطرق في مختلف المدن والمحافظات، اعتداءات المستوطنين على بعض المناطق، إضافة لاعتداءاتهم على مركبات المواطنين على هذه الحواجز. 

نهاد أبو غوش أوضح أن هذه الاعتداءات تؤكد على أن منظومة الاحتلال بكل مكوناتها من جيش وأجهزة أمنية وحتى الدوائر الحكومية وحتى المستوطنين كلهم يؤدون عملًا مُنَسقًا ومتكاملًا بهدف قمع الشعب الفلسطيني وردعه، ولذلك فالمستوطنون يمارسون عنفاً، وهذا العنف الذي تدعي حكومة الاحتلال أنها لا توافق عليه ولكنها عمليًا تُجيزه والدليل ما قام به كاتس خلال الأيام الأخيرة بإلغاء قرار الاعتقالات الإدارية تجاه بعض المستوطنين، فهذه السياسة تؤكد أن عنف المستوطنين ترعاه الدولة وتشجعه وتُؤَمن له الغطاء السياسي اللازم. 

وأفاد أن هذا يتكامل مع عنف الجيش والأجهزة الأمنية لأنه يصب في نهاية المطاف لنفس النتائج ونفس الأهداف، مبينًا أن قرار ترامب المتعجل يصب في هذا الإتجاه أيضًا، وهذا القرار الذي كان قرارًا رمزيًا وهامشيًا فالأشخاص الجديرين بالعقوبات هم قيادات المستوطنين، والوزراء الذين دعوا لتحويل جنين ونابلس والفندق لجباليا وهم سموتريتش وبن غفير،  وهم أيضًا الذين اعتبروا القتلة والمجرمين أبطالاً وقاموا بتمجيدهم، إضافة للوزراء الذين مجدوا محارق حوارة وترمسعيا، وبالتالي فالعقوبات يجب أن تمس كل البنية الاستيطانية ومؤسساتها وداعميها وفي مقدمتهم الحكومة الإسرائيلية. 

من جانبه بين  داوود أن حوادث المستوطنين لم تعد حوادث معزولة ومنفصلة، ففي السابق كان يجري الحديث أن هذه الاعتداءات معزولة عن السياق الاستعماري ولكن اليوم فهذه الاعتداءات تعبر عن السياق الاستعماري، بل يخدمها السياق الاستعماري حيث دولة الاحتلال بكافة مؤسساتها الرسمية وغير الرسمية باتت مُجنَدة لخدمة المستوطنين، باعتبار أن قادة جيش المستوطنين في السابق هم من وصلوا إلى سُدة الحكم، وتحديدًا في الحكومة الأخيرة التي أُنشأت مطلع العام 2023، فاليوم يحصل المستوطنون على الدعم والرعاية والحصانة وكل شيء من هذه الحكومة. 

وأكد داوود أن موجة الاعتداءات أول أمس ترافقت مع حالة إغلاق الطرق الكبيرة، والمفارقة الغريبة أيضاً أنه أول أمس أطلق جنود الاحتلال النار على مستوطنين اثنين كانوا يَشتبهون بهم أنهم فلسطينيون، وهو ما يدلل على أن الاعتداء جرى تحت أنظار جيش الاحتلال والجيش كان مُتفرغًا فقط لحرمان الفلسطيني من حقه بالدفاع عن نفسه، وهو لم يتدخل لمنع الاعتداء ولكنه تدخل عندما اشتبه أن هناك فلسطينيًا يتحرك ليتبين لاحقًا أنهم مستوطنون، مضيفًا أن هذا يضيف معنى جديدًا لسلوك الاحتلال وفكرة التبادل الوظيفي، وأيضًا على فكرة أن هذه الاعتداءات ليست معزولة عن السياق الاستعماري بل هو مجند لخدمتها. 

خطط الضم الموسعة

تزايدت في الآونة الأخيرة الأحاديث بأن إجراءات الاحتلال الأخيرة في الضفة الغربية تأتي في إطار محاولة فرض السيادة والضم على الضفة الغربية.

داوود وحول هذا الموضوع بين  أنه لا يمكن استبعاد أن تكون هذه الإغلاقات جزءًا من خطة الاحتلال، فإجراءات الضم لم تبدأ من اليوم بل بدأت منذ اللحظة الأولى للاحتلال فهو يحاول فرض مخططات الضم وفرض السيادة ويقضم من الأراضي الفلسطينية، مفيدًا بأن موضوع الضم له تلويناته المختلفة وتنويعات كثيرة تصب في إطار فرض السيطرة ونزع الملكية.

 وأشار إلى أن قضية اعتداءات المستوطنين لم تبدأ اليوم بل بدأت منذ اللحظة الأولى للاحتلال وبالتزامن إلا أنها تطورت إلى أن وصلت لهذا النموذج المتوحش الذي نعيشه اليوم، مبينًا أنها جزءًا من مخطط كبير له علاقة  بمحاولة استرضاء اليمين المتطرف، وتقديم تصورات جديدة بخصوص أراضي الضفة الغربية من اليمين المتطرف وتحديداً الصهيونية الدينية، وهذا الامتلاك في سلوك المستوطنين يخدم مُخططًا يجري العمل عليه منذ سنوات طويلة وهو مخطط التهجير وفرض البيئة القهرية الطاردة. 

وتابع بأن هذا العدد الكبير جدًا من الحواجز وهذا الإغلاق غير المسبوق يؤدي في النهاية لأن تصبح الحياة في الأراضي الفلسطينية صعبة وطاردة للإنسان الفلسطيني، وهي الرسالة التي تحاول دولة الاحتلال إيصالها للفلسطينيين وذلك بفرض حياة لا تُطاق، حيث العمل على لا إمكانية التنقل بين المدن والمحافظات والقرى، بحيث لا يستطيع المريض الوصول للمستشفى والطالب لا يستطيع أن يصل لجامعته وغيرها، والدفع نحو الهجرة الطوعية وهو المخطط البعيد والعنوان الكبير الذي يتم تخصيص الكثير من الإجراءات الاستعمارية لخدمته. 

بدوره أشار أبو غوش إلى أن هذه نفس السياسة المُتَبَعة منذ سنوات طويلة والقائمة على تحويل القضية الفلسطينية من قضية وطنية ومن قضية شعب ينادي للحرية والاستقلال وتقرير المصير، لتحويلها وتصويرها وكأنها مشكلة أمنية ترتبط ببضع العشرات أو الخلايا، بينما هي في الحقيقة قضية شعب يريد الحرية. 

وأردف أن اقتصار السياسيات الإسرائيلية على القمع فقط  يؤكد على استحالة الوصول لحلول مع هذه الحكومة، ولا يمكن حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني بهذه الأدوات القمعية دون مسار سياسي يؤمن للشعب الفلسطيني الحد الأدنى من حقوقه. 

استراتيجية وطنية واضحة

وحول المطلوب فلسطينيًا بين أبو غوش أن مجابهة هذه المحطات الصعبة يكمن في تحقيق الوحدة الوطنية التي هي بعيدة في الوقت الحالي للأسف.  

 من جانبه أكد داوود أن الشعب الفلسطيني يواجه الاحتلال ويقاومه منذ اللحظة الأولى ويرفضه ولا يمكن أن يتصالح معه وسيواصل ذلك كما رفضه منذ اللحظة الأولى، مُبيّنًا أنه صحيح أن الهجمة خطيرة وغير مسبوقة وهو ما يضيف على الفلسطينيين مطالب جديدة بالارتقاء بالأدوات لمستوى الحدث. 

وبين أن هذا يعني الحاجة للانضواء تحت استراتيجية وطنية بالدرجة الأولى تشمل بداخلها كافة مكونات مواجهات هذ الاحتلال، ومن ضمنها دعم صمود المواطنين وتكثيف أدوات المقاومة الشعبية من خلال لجان الحماية وتطوير أدوات المتابعة القانونية، فهذه الأدوات كلها الشعب الفلسطيني يستخدمها مؤسساتيًا وفرديًا. 

وأوضح داوود أن المطلوب اليوم هو تطوير هذه الأدوات وتكثيف الجهود لها من أجل مجابهة ما يحدث لأنه خطير على الوجود الفلسطيني، حيث الجغرافيا الفلسطينية مّهددة وبالتالي فإن عملية الدفاع عن هذه الجغرافيا وهذه الهجمة غير المسبوقة، تتطلب استراتيجية وطنية ومُطالبة لدول العالم بالتدخل الدولي الذي يضمن حماية دولية للشعب الفلسطيني، وذلك لأن ما يفعله الاحتلال اليوم هو عبارة عن بلطجة وانفلات يستدعي تدخلًا دوليًا من أجل فرض حماية دولية للشعب الفلسطيني. 

تكافل اجتماعي 

حمدان أشارت إلى حالة التكافل الاجتماعي التي تشهدها الحواجز من قيام الأهالي بتوزيع القهوة والماء والطعام على العالقين بالحواجز، مستذكرة قيام أحد التجار بتوزيع بضاعته على العالقين وقيام إحدى السيدات بإعداد الطعام للعالقين أيضًا.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة