هبة كتانة
قرب حاجز شوفة جنوب طولكرم، كانت أم ماهر تقف يوميًا أمام بسطة صغيرة تبيع بها المخللات بمختلف أنواعها بالإضافة للخضار الطازج لِتُعيلَ عائلتها، لكن مكانها اليوم خالٍ، فقد توقفت الحياة هناك بعد أن أغلقت الحواجز أبوابها، هذه القصة هي واحدة من مئات القصص التي تُظهِر كيف أن سياسة إغلاق الحواجز الإسرائيلية لا تؤثر فقط على الحركة، بل تمتد لتسرق لقمة العيش من أفواه البسطاء.
منذ السابع من أكتوبر 2023، فرضت السلطات الإسرائيلية سلسلة من الإغلاقات المشددة على الحواجز الرئيسية في الضفة الغربية، ما أدى إلى تعطيل حركة التنقل بين المدن والقرى الفلسطينية، هذه الحواجز التي تشكل شريان الحياة للعديد من الباعة المتجولين وأصحاب الأعمال الصغيرة ” البسطات” أصبحت مصدرًا للمعاناة، ووفقًا لإحصائيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، تنصب إسرائيل 872 حاجزًا وبوابة عسكرية بالضفة الغربية، 145 بوابة تم وضعها بعد السابع من أكتوبر، وجميعها بغرض تمزيق وعزل المناطق والرقابة العسكرية والسيطرة أكثر منها لحفظ أمن الاحتلال.
كانت الحاجة ربيحة ثلثين “أم ماهر” ( 65 عامًا) وهي أم لستة أبناء، تبدأ يومها منذ 6 سنوات قبل الفجر لإعداد المخللات التي كانت تسترزق من خلالها قرب حاجز شوفة، حيث اشتهرت بجودتها بين الزبائن من جميع أنحاء المنطقة وأكثرهم من الداخل المحتل، فهذا الحاجز يعتبر محطة رئيسية للمتنقلين، كونه يعتبر الطريق الأسهل الذي يسلكه المواطنون باتجاه الشارع المؤدي إلى حاجزي جبارة العسكري جنوب المحافظة، وعناب العسكري شرقها ومحافظة نابلس، وهو المدخل البديل للمركبات في حال تم إغلاق حاجز عناب.
معاناة تتجاوز لقمة العيش
عقب السابع من أكتوبر 2023 وقيام الاحتلال بإغلاق الحواجز، توقفت حركة الزبائن وأصبحت بسطة الحاجة ” أم ماهر” خاوية، ما دفعها للبحث عن بدائل تعجز عن إيجادها، فتقول: ” كانت هاي البسطات فاتحة خمس بيوت، والله في الي ولد عندو 6 بنات كل يوم بدو50 شيقل مصروف مدارس”
” البطاطا، البندورة، كلو خرب وأتلفناه.. خسارتنا كبيرة” هذا ما قالته أم ماهر وهي تشير إلى الصناديق الفارغة بجانب البسطة التي كانت بالأمس ممتلئة بالخضار الطازج والمخللات، مؤكدة أن هذه الخسائر المتكررة لم تكن فقط مادية، بل انعكست أيضًا على حياتها اليومية، حيث أصبحت دائمة التفكير في تأمين مصاريف العائلة والتي باتت عبئًا ثقيلًا يُرافقها كل يوم.
وعن تأثير هذه الإغلاقات، قال رئيس مجلس قروي شوفة عزمي صالح في حديث ل” بالغراف” إن الإغلاقات التي تشهدها المنطقة منذ السابع من أكتوبر 2023 لم تقتصر على عرقلة حركة المواطنين فقط، بل أغلقت أبواب الرزق أمام الكثير من العائلات التي تعتمد بشكل كامل على البسطات والمبيعات على الطرقات.
واضاف أن هذا تسبب بديون طائلة على أصحاب هذه المحال، مشيرًا إلى أن إغلاق المحال التجارية أضر المجلس بشكل مباشر، حيث توقفت إيرادات رسوم رخص المهن التي يعتمد عليها المجلس لتقديم الخدمات الأساسية في القرية.
وبين أنهم قاموا برفع كتاب رسمي إلى الارتباط الإسرائيلي للمطالب بفتح الطريق لتخفيف معاناة الأهالي، موضحًا أنه حتى الآن لا يوجد رد إيجابي.
وشدد صالح على أن هذه الإغلاقات لم تعطل الحياة الاقتصادية فقط، بل منعت المزارعين من قطف ثمار الزيتون وأجبرت المرضى على قطع 30 كيلومترًا عبر طرق التفافية للوصول إلى شوفة البلد، بعدما كانت المسافة لا تتجاوز ال4 كيلومترات بينها وبين عزبة شوفة.
وفي ظل هذه المعاناة، لا تجد أم ماهر وأمثالها سوى الصبر والقوة للاستمرار في مواجهة الظروف القاسية، لكن الأمل لا يزال يراودها، فتقول: “بدنا نرجع نوقف على رجلينا، ما فينا نعيش هيك.. الحاجز لازم ينفتح، ولازم الدنيا ترجع تتحرك”.
قصة أم ماهر هي مثال حي على تأثير السياسات الإسرائيلية في خنق الحياة الاقتصادية والاجتماعية للفلسطينيين، لكنها أيضًا تُبرِز الإرادة الصلبة للأمهات الفلسطينيات اللواتي يواجهن المستحيل لتأمين لقمة العيش، وبينما يزداد المشهد قتامة مع استمرار الإغلاقات، يبقى السؤال مطروحًا: إلى متى سيظل الحاجز عقبة أمام رزق البسطاء وحياة الكرامة؟