loading

صمود في عين البيضا: معركة المزارعين للحفاظ على الأرض والماء

علي سليم

في قلب الأغوار الشمالية بفلسطين، تمتد مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة التي يعتمد عليها آلاف المزارعين في كسب رزقهم. لكن على الرغم من هذه الأرض التي تمتاز بخصوبتها وتوفر المياه فيها تاريخيًا، إلا أن قرية عين البيضا والمناطق المجاورة تواجه معاناة متفاقمة نتيجة الاعتداءات المستمرة من قبل المستوطنين. في هذا السياق، يتحدث مزارعو المنطقة عن مزيج من الإحباط والأمل وهم يحاولون التمسك بأرضهم رغم قسوة الظروف.

المياه: مورد مهدد ومستهدف

 عمر فقهاء، رئيس مجلس قروي عين البيضا، تحدث عن التحدي الأبرز الذي يواجه المزارعين في القرية، وهو نقص المياه بسبب الاعتداءات المتكررة من المستوطنين وسرقة مضخات المياه التي يعتمد عليها المزارعون لري أراضيهم.

 “المياه أصبحت قليلة جدًا في منطقة الأغوار”، يقول فقهاء بقلق، مشيرًا إلى أن الاعتداءات التي تطال مضخات المياه تؤدي إلى تجفيف الأراضي الزراعية بأسرع وقت. مبينًا أن ندرة المياه لم تكن يومًا مشكلة طبيعية في هذه المنطقة الزراعية، بل هي نتيجة مباشرة للسيطرة الإسرائيلية على الموارد المائية وسرقة المضخات التي تمد الأراضي بالمياه.

 وتابع فقهاء بأنهم قاموا بسرقة المضخات التي تقوم بإيصال المياه وهو ما سرّع من تجفيف أراضي المزارعين بشكل كبير. مضيفًا أن الاعتداءات لم تقتصر على سرقة المضخات بل شملت تدمير البنية التحتية الزراعية الأخرى التي يحتاجها المزارعون لاستمرار إنتاجهم.

هذه الاعتداءات لم تكن حادثة معزولة، بل أصبحت جزءًا من الحياة اليومية للمزارعين في الأغوار. “منطقة الأغوار في خطر”، يقول فقهاء، مشددًا على أن الوضع في القرية يزداد سوءًا يومًا بعد يوم. ورغم أن القرية ومجلسها المحلي قد قدما العديد من المناشدات للحكومة الفلسطينية، إلا أن الاستجابة كانت دون المستوى المطلوب.

السيطرة الإسرائيلية وتفاقم الأوضاع

إلى جانب التحديات التي فرضتها سرقة المياه والمضخات، يشير فقهاء إلى أن الاحتلال يفرض سيطرة شبه كاملة على منطقة الأغوار.  مضيفًا أن الاحتلال يسيطر سيطرة شبه كاملة على المياه من الجانب الإسرائيلي، الأمر الذي جعل من الصعب على المزارعين الوصول إلى مصادر المياه التي كانوا يعتمدون عليها لعقود.

ومع مرور الوقت، تتزايد معاناة المزارعين، خاصة مع تزايد الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي والممتلكات الزراعية، فيما يوضح فقهاء أن دعم المزارعين الفلسطينيين ليس مجرد حاجة اقتصادية، بل هو قضية بقاء وصمود. مؤكدًا على أهمية حماية المزارعين من الاعتداءات المستمرة.

محمد فايز يوسف: معاناة مزارع فلسطيني

محمد فايز يوسف، مزارع من سكان عين البيضا، يزرع حوالي 400 دونم من الأراضي الزراعية في مناطق “الدياب والسكوت”، ويتحدث عن معاناته الشخصية من الاعتداءات المتكررة قائلًا “المعاناة عنا من المستوطنين بحماية الجيش الاسرائيلي “، موضحًا أن المستوطنين هم الذين يستهدفون مضخات المياه والخلايا الشمسية والأنابيب التي يستخدمها المزارعون لري محاصيلهم.

يصف يوسف بفزع تكرار عمليات التخريب التي تطال ممتلكاته الزراعية قائلًا أنهم قاموا بسرقة مضخات المياه، سواء كهرباء أو الديزل، وقاموا بتكسير الخلايا الشمسية والأنابيب، كما أنه وقبل شهرين فقط، وجد 500 مترًا من الأنابيب مقطعة ومتضررة بشكل كبير، وهو ما يُعيق قدرته على ري أراضيه بشكل طبيعي. مشددًا على أن هذه الاعتداءات تتسبب في خسائر مالية كبيرة للمزارعين، حيث يتوجب عليهم إعادة شراء المعدات والبنية التحتية التي دمرها المستوطنون.

ورغم كل هذه الصعوبات، يؤكد يوسف على تمسكه بأرضه، مشيرًا إلى أنه يعمل بالأرض منذ ثلاثين عامًا وسيبقى بها ولن يخرج منها للعمل في أي منطقة أخرى. 

نقص الدعم الحكومي

ورغم المعاناة التي يواجهها المزارعون في عين البيضا، لم يكن الدعم الحكومي على قدر التوقعات. وفقًا ليوسف، الذي أكد توجههم للعديد من الجهات الحكومية، بما في ذلك وزارة الزراعة ومحافظة طوباس، لكن الدعم الذي تلقوه كان محدودًا. مضيفًا أنهم قدموا طلباتهم وانتظروا الدعم، لكن لم يحصلوا اي شيء.

وأكد أنهم  حصلوا على بعض المساعدات من مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة “أوتشا”، مثل “الأنابيب الجديدة، والمضخات البديلة، لكن هذا الدعم لم يكن كافيًا. بينما اكتفى المسؤولون الحكوميون بتقديم وعود لم تتحقق على أرض الواقع. وفق ما يقول يوسف. 

رسالة المزارعين: ضرورة التدخل والدعم

بالرغم من كل هذه التحديات، يبقى المزارعون في عين البيضة مصممين على الاستمرار في زراعة أراضيهم والتمسك بها. مُطالبين المؤسسات الحكومية الفلسطينية والمجتمع الدولي بضرورة التدخل بشكل أكبر لدعمهم وضمان حمايتهم من الاعتداءات المستمرة، وأن يكون الدعم مستدامًا وشاملًا وفق ما يقوله يوسف. 

ومن خلال دعم المزارعين، لا يتم فقط حماية مصدر رزقهم، بل أيضًا الحفاظ على الهوية الزراعية لفلسطين وصمودها أمام التحديات التي تفرضها الظروف السياسية والاقتصادية.

 المزارعون في عين البيضا يعكسون هذا الصمود بتحديهم للواقع، ورغبتهم في البقاء رغم كل ما يواجهونه.

المزارع كرمز للصمود

مع مرور الأيام، تبقى هذه القصة شاهدة على قوة الإرادة البشرية، وإصرار المزارعين الفلسطينيين على البقاء في أرضهم رغم كل التحديات. “إحنا متمسكين بأرضنا”، يقول يوسف بفخر، مضيفًا أن المزارعين في عين البيضا سيواصلون الزراعة حتى وإن واجهوا الصعوبات. “ما حد بقدر يخلينا نتركها”، يختم يوسف حديثه، مشددًا على أنه لا يملك سوى خيار واحد: البقاء.

——————-

تم إعداد هذه المادة من خلال مشروع حماية حق التجمعات الفلسطينية في التنمية من خلال المناصرة ودعم المدافعين عن حقوق الإنسان المنفذ من خلال مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان ومؤسسة WeWorld .

بدعم من الإتحاد الأوروبي، محتوى هذه القصص لا يعكس بالضرورة وجهة نظر وآراء الإتحاد الأوروبي.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة