loading

استهداف مكتبات القدس.. حرب على الهوية الفلسطينية ومحاولة لصهر الوعي

محمد عبد الله

منذ مطلع شهر شباط الجاري، داهمت عناصر شرطة الاحتلال وفتشت عدة مكتبات في مدينة القدس المحتلة، مدعية بيعها كتب “تحريضية”، قبل أن تتخذ إجراءات مشددة بحق القائمين عليها.

ويوم الأحد الماضي اعتقلت شرطة الاحتلال كلا من أحمد ومحمود منى -وهما مالكا “المكتبة العلمية” في شارع صلاح الدين بالقدس، لمدة يومين، ومن ثم أفرجت عنهما الثلاثاء بشرط الحبس المنزلي لمدة 5 أيام والإبعاد عن المكتبتين لمدة 20 يومًا.

وقبل ذلك، وتحديداً في الثاني من شباط، تعرض للاعتقال مالك “مكتبة القدس” هشام العكرماوي لمدة 11 يوما، قبل أن يفرج عنه بشرط الحبس المنزلي ودفع كفالة مالية وإغلاق مكتبته لمدة شهر.

مداهمة المكتبات وتفتيشها يأتي- بحسب نشطاء مقدسيين، في سياق الهجوم على المنهاج الفلسطيني والمؤسسات الثقافية والوطنية، وذلك ضمن مساعي الاحتلال لشطب الهوية الوطنية الفلسطينية في مدينة القدس ومحاولة لإعادة تشكيل وعي الفلسطيني، وتشكيل فلسطيني خاضع متعايش مع وجود الاحتلال.

الكاتب والباحث السياسي المقدسي راسم عبيدات قال إن الاحتلال وسع من دائرة حربه على المقدسيين، ولم تعد الاستهداف يقتصر على المنهاج الفلسطيني في مدينة القدس، بل باتت أوسع وأشمل وتشمل الرواية والثقافة والهوية والذاكر والتاريخ، والاستهداف طال المكتبات والمراكز الثقافية مثل مركز يابوس الثقافي والمسرح الوطني والحكاوتي وبرج اللقلق وعدة أندية.

وفي حديث خاص مع موقع “بال غراف” قال عبيدات إن الاحتلال عندما يستهدف الكتاب، ويدعي بنفس الوقت أنه صاحب هذا المكان وله علاقة فيه تمتد إلى 3 آلاف عام في هذا البلد، يعني أن الاحتلال يدرك أنه ليس صاحب هذا المكان، وهذه السردية التي يحاول فرضها ليس فقط على المنهاج والعملية التعليمية بل يحاول فرض الرواية والسردية على كامل التاريخ الفلسطيني.

وأضاف عبيدات، أنه عندما يتم الذهاب إلى المكتبات والتفتيش على كتب لها علاقة بفلسطين والتاريخ الفلسطيني والشعر والموضوعات التي تتعلق بالتاريخ الفلسطيني، يؤكد على أن الاحتلال في هذا الاستهداف الذي يحاول تغليفه بأن هذه الكتب تشجع على “التحريض، ومعاداة السامية، والإرهاب”، يدرك تماماً أن هذه الكتب تعزز الانتماء والثقافة والهوية الوطنية.

وبين عبيدات، أن المكتبة العلمية يزورها عرب وأجانب وفيها كتب بعدة لغات منها الألمانية والفرنسية والإنجليزية والعربية، وفازت بعدة جوائز، وهي الأولى على فلسطين والثالثة على مستوى الشرق الأوسط، واقتحامها لمصادرة عدة كتب هو نوع من الإفلاس السياسي والثقافي.

وأردف عبيدات، أن اقتحام الاحتلال المكتبات والمراكز الثقافية والأندية والمحال التجارية، وربما يذهب مستقبلاً إلى البيوت للتفتيش على الكتب ويصادرها، وربما يصدر قرارات بإغلاق بيوت وطرد أصحابها من القدس على خلفية وجود مثل هذه الكتب التي يتحدث عنها الاحتلال أنها تحريضية.

لكن عبيدات، أكد أن محاولة شطب الرواية الفلسطينية غير ممكنة مهما أمعن الاحتلال في هذه الإجراءات.

بدورها قالت سكرتارية هيئة العمل الوطني والاهلي بالقدس ريتا النتشة إن هناك تضييق شديد على المقدسيين في كافة مجالات الحياة، وليس فقط في مهاجمة المنهاج الفلسطيني كمصدر أول للمعلومة، وإنما امتد إلى أكثر من ذلك، في مهاجمة الندوات والنشاطات الثقافية، وأخيراً في المكتبات بشكل أساسي.

وتابعت النتشة في حديث خاص مع “بال غراف”، أن الاحتلال يزعم أن هذه المادة في المكتبات هي مادة تحريضية، وإسرائيل تنتهج منذ سنوات سياسية كي الوعي، وسياسة إعادة تشكيل الوعي عند المقدسيين، بحيث يصبح هذا الوعي مشوه في الهوية الوطنية الفلسطينية، ولا يمتلك الحس الجمعي القادر على مقاومة الاحتلال، بل يشكل شخصية أكثر خاضعة للاحتلال.

وأكدت النتشة، أن هذه الإجراءات التي طالت المكتبة العلمية مؤخراً وعدد من الإجراءات الأخرى كانت بالتحديد قبل رمضان، باعتبار أن قوات الاحتلال وجهاز الشاباك لديهم إشارات بأن رمضان سوف يفجر الأوضاع في مدينة القدس، وسوف تمتد إلى الضفة الغربية وإلى ما هو أبعد من ذلك، وبالتالي لمنع حدوث أي تحرك دوما تتخذ إسرائيل فرض القوة المفرطة، واستعراض القوة، واستخدام كل القوانين من أجل ذلك.

ومن بين هذه القوانين التي ذكرتها النتشة، هو “قانون الإرهاب”، والقانون الأخير الذي يجري محاولة تمريره في الكنيست، والذي ينص على أن كل من يروي رواية مخالفة لرواية الدولة فيما يتعلق بأحداث 7 أكتوبر، أو أحداث النكبة، هو يشكل تهديداً وتحريضاً على الدولة ومن الممكن اعتقاله بهذا الأمر.

ورداً على اتهامات الشرطة بأن الإجراءات التي اتخذت بحق المكتبات بسبب مواد تحريضية؟ قالت النتشة إن العنف والتحريض من وجهة نظر إسرائيل هو كل رواية مناقضة لرواية الحكومة الإسرائيلية، وهذا يعتبر تحريض بالنسبة لهم، والعنف هو الحق الفلسطيني بالنسبة لهم، وهدفهم بشكل واضح من هذه الإجراءات هو توخي وجود أي مقاومة للاحتلال، وإيجاد مواطنين خاضعين للاحتلال من خلال تغييب وعيهم، وهذه المادة العلمية والكتب تشكل الوعي الفلسطيني ضمن الهوية الوطنية الفلسطينية، وهذا مناقض لمساعي الاحتلال ونيته في إخضاع المقدسيين.

وكان محامي الدفاع عن أصحاب المكتبة العملية ناصر عودة، قد رد على اتهامات الاحتلال في جلسة محكمة الصلح يوم الإثنين الماضي- بحسب ما ذكر في تصريحات صحفية، أنّه ردّ على الاتهامات بالادعاء أنّه لا أساس للتهم الموجهة لموكليه، وقال إن وجود الكتب هو جزء من حرية الرأي والتعبير والتفكير، وبالتالي حتى لو المكتبة كانت فيها كتب تحتوي على سردية تاريخية وآراء سياسية تتناقض مع الرؤية الإسرائيلية فلا مبرر للاعتقال ولا لتفتيش المكتبة.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة