loading

مؤتمر الدوحة: بين الجدل والأمل بترتيب البيت الفلسطيني

محمد عبد الله

بعد عدة اشهر من التحضير، انطلقت أعمال المؤتمر الوطني الفلسطينيّ، في العاصمة القطرية الدوحة، بمشاركة واسعة من نشطاء وقيادات وفاعلين سياسيين فلسطينيين، على أن تمتدّ أعمال المؤتمر خلال الفترة بين 17 و19 شباط/ فبراير الجاري.

وخلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، أكد المتحدثون على عقدهم المؤتمر الوطني الأول، رغم تحديات عدة أعاقت انعقاده، مؤكدين على خطورة المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية.

وحول أهداف المؤتمر، قال المتحدثون إن المؤتمر يؤكد على ضرورة أخذ زمام المبادرة للضغط من أجل تشكيل قيادة فلسطينية موحدة، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية شاملة، ومواجهة مخططات الإبادة والتطهير العرقي، والضم والتهويد.

لكن منظمة التحرير الفلسطينية كانت قد استبقت انعقاد المؤتمر ببيان صحفي قالت فيه إن أي محاولة تستهدف تمثيلها الحصري للشعب الفلسطيني وفي هذا الوقت بالذات، هو أمر خطير للغاية ويخدم مباشرة مخططات التهجير والضم وتصفية القضية الفلسطينية.

وأوضحت المنظمة في بيانها أن نزع صفة تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني سيعني أن الشعب الفلسطيني بلا قيادة معترف بها عربيا ودوليا، وأنه من الممكن خطف قراره الوطني المستقل وتمييع واقعه بهدف تمرير مخططات تصفية القضية الفلسطينية، والتي بات الحديث بشأنها يتصاعد مؤخرا.

وقالت المنظمة إنها تراقب عن كثب ما وصفتها بـ “التحركات المشبوهة” بهذا الشأن، ومحاولة عقد مؤتمر بحجة إصلاح المنظمة في إحدى عواصم المنطقة، مشيرة أن طريق إصلاح المنظمة وآلياته معروفة ولا تتم إلا عبر مؤسساتها، وبالتحديد عبر المجلس الوطني الفلسطيني والمجلس المركزي، وأن أي محاولة خارج هذه الأطر إنما هي مس بوحدانية تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني، ولن تقود إلا إلى مزيد من الانقسامات.

عضو لجنة المتابعة للمؤتمر الوطني الفلسطيني أحمد جميل عزم قال في حديث خاص مع “بال غراف” إن الحديث عن أن المؤتمر تحركات مشبوهة غير مفاجئ بالنسبة لهم، علماً أن ما يطرحه المؤتمر هو تفعيل منظمة التحرير، وأن تقوم بدورها، ويتسائل المؤتمر حول لماذا لم ينعقد المجلس الوطني؟ ولماذا لا ينعقد المجلس المركزي؟ ويدعوون إلى تطبيق شعار منظمة التحرير، والنظام الأساسي للمنظمة يقول إن كل فلسطيني هو عضو في منظمة التحرير، وبناء على عضويتهم كمواطنين حاولوا إيجاد طريقة.

وأضاف عزم، أن هذا ليس المؤتمر الأول وتم محاولة عقد مؤتمرات من أطراف فلسطينية مختلفة داخل وخارج فلسطين وفي داخل فلسطين منعت، وبالتالي هذا ليس أول مؤتمر، رغم أن هذا المؤتمر هو الأوسع من حيث التمثيل الجغرافي لوجود فلسطينيين من 66 بلداً، والمنطقي عندما يجتمع أبناء الشعب الفلسطيني وفيهم نخب من الأسرى المحررين والأكاديميين والمهنيين والكتاب والمثقفين وكثير منهم من داخل فصائل منظمة التحرير، من المنطقي أن تدعوهم إلى الحوار والنقاش، لا أن يتم كيل الاتهامات لهم.

وأكد عزم، أنهم لا يريدون سوى الوحدة الوطنية، ولا يريدون بديل عن منظمة التحرير الفلسطينية، وهم من سيقومون بالتصدي لمن يريد إنشاء بديل عن المنظمة، ولا يعتقدون أن هناك من يستطيع العمل خارج منظمة التحرير، وهذا وفق تحركهم بأنهم يريدون العمل من داخل الشرعية، وأن تمثل الشعب الفلسطيني، ولا يقبلوا أن يفاوض أحد على وقف إطلاق النار، ومستقبل الشعب الفلسطيني سوى منظمة التحرير الفلسطينية، ولكن السؤال من يعطل منظمة التحرير ولماذا تعطل؟.

وحول من نصبهم كممثلين عن الشعب الفلسطيني بحسب اتهامات وجهت لهم؟ رد عزم “نحن لا ندعي أن نمثل سوى أنفسنا، ولكن من وقع على البيان هم 2000 شخص، ولا ندعي ولا نريد ونرفض أن يدعي أحد تمثيل الشعب الفلسطيني سوى منظمة التحرير، ونريد أن تكون فاعلة وقوية وأن تفتح باب العضوية في الاتحادات الشعبية والأهلية والمهنية، و80% شعبنا تحت سن 40 عاماً وهم غير ممثلين في منظمة التحرير ولا يوجد لهم أي ذكريات لهم فيها”.

جدير بالذكر أننا تواصلنا مع نائب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني موسى حديد للتعقيب حول ما ورد في هذا التقرير لكنه عبر عن تحفظه على ذلك.

وفي حديث خاص مع موقع “بال غراف” قال عضو المجلس الوطني السابق والناشط السياسي نهاد أبو غوش- وهو من بين المشاركين في المؤتمر، إن انعقاده يأتي على خلفية الأزمة الكبرى التي تعيشها القضية الفلسطينية واستهداف شعبنا بالتهجير والإبادة، وفي نفس الوقت فشل وعجز الأطر الرسمية لقيادة الشعب الفلسطيني في التصدي لهذه المخاطر، أو حتى قيادة نضال هذا الشعب، لذلك كان ضروري جداً الضغط على هذه المؤسسات وهذه الأطر، لإجراء تغييرات تمكن من إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح والسكة الصحيحة، كي يجد الشعب الفلسطيني من يمثله ويقود نضاله.

وأفاد أبو غوش، أن أهداف المؤتمر واضحة، وهي تصحيح الأوضاع في منظمة التحرير وتجديد القيادة.

أما حول الجدل الكبير على مكان انعقاد المؤتمر، قال أبو غوش إن مكان طبيعي، وأي موقع جغرافي آخر ستكون عليه ملاحظات مشابهة، وقطر داعمة لشعبنا الفلسطيني ولم يصدر عنها أي شي

لكن عضو المجلس الوطني والقيادي بحركة فتح شريف التلولي يقول إن هذا المؤتمر يأتي في سياق أن الشعب الفلسطيني فيه أحوج ما يكون إلى الالتفاف حول القيادة الفلسطينية ومنظمة التحرير ومؤسساتها بما فيها اللجنة التنفيذية وأطرها المختلفة وخاصة المجلس الوطني، ووجب الحفاظ عليها كممثل شرعي للشعب الفلسطيني وثمرة كفاحه.

وأضاف التلولي في تعقيب خاص بموقع “بال غراف”، أن “يخرج فئة من أبناء الشعب الفلسطيني وتتجه إلى العاصمة القطرية الدوحة لعقد هذا المؤتمر فلا الزمان ولا المكان مناسبين لعقد مثل هذا المؤتمر، في الوقت الذي يتعرض فيه شعبنا لأقسى أنواع الإبادة الجماعية ومحاولة شطب هويته ووجوده.

وتابع التلولي، أن يخرج من يدعي أنه يريد إصلاح المنظمة وفي واقع الحال هو يريد خلق بدائل أخرى عن المنظمة ومؤسساتها وهذا يضعف من الشعب الفلسطيني، ويقدم للاحتلال هدية مجانية لكي يستمر في هذا المشروع الذي يرمي إليه.

لكن نهاد أبو غوش يرد على التلولي بأن المؤتمر يؤكد على وحدانية منظمة التحرير وشرعية تمثيلها للشعب الفلسطيني، والقوى والأفراد المشاركين معروف ما هو تاريخهم النضالي والشخصي ويؤكدون على ذلك.

وقال أبو غوش، إن موضوع إصلاح المنظمة كان محل نقاش في كل جلسات الحوار الوطني التي عقدت في القاهرة وغيرها وأكدت على ضرورة إصلاح وتطوير منظمة التحرير، بالتالي هذه ليست فكرة جديدة ولا حديثه وجرى بحثها في كل جلسات الحوار الوطني.

لكن التلولي في المقابل يرد على أبو غوش “من الذي توجهم ونصبهم على الشعب الفلسطيني لكي يتحدثوا باسمه عن بدائل أو عن إصلاحات للمنظمة؟، ومن يريد إصلاح المنظمة عليه أن يتفضل إلى بيتها الداخلي وبعضهم موجودين في هذا البيت وقبل أيام شاركوا في أحد اجتماعات مؤسسات المنظمة، ولكنهم خرجوا ليطعنوا المنظمة من الخلف تحت حجة أنه ليس هناك بديل بل يريد إصلاحها”.

وتابع التلولي “هذا كلها ذر رماد في العيون، وعندما تعرضوا للهجوم من أبناء شعبنا باتوا يذهبون إلى تبريرات أساسها أنهم ليسوا بديلاً عن المنظمة بل يسعون إلى إصلاحها وهذا عذر أقبح من ذنب لأن الذي يريد إصلاح المنظمة يصلحها من الداخل وليس من خارجها، وهذه سياقات غير وطنية ولا تصب إلا في مصلحة الاحتلال”.

ولكن مؤسسات المنظمة لم تجتمع ولم تقم بدورها خلال 15 شهراً من الإبادة التي تعرض لها شعبنا؟ يرد التلولي على ذلك بالقول “من الذي قال إنها لا تؤدي عملها ولا تجتمع؟، قبل أيام كان هناك اجتماع للمجلس المركزي الفلسطيني صحيح أنه كان اجتماع تشاوري، ولمناقشة حدث مهم في تاريخ الشعب الفلسطيني وهي الهجمة عليه ومحاولة تهجيره من أرضه، وأيضاً المجلس الوطني انعقد في عام 2018، وهناك دعوة لانعقاده بشكل دوري، ولكن نحن تحت حراب الاحتلال ومنذ ذلك الوقت ونحن نتعرض لعدوان وراء عدوان”.

وفي سؤال آخر لـ أبو غوش بأن عديد المؤتمرات والبيانات التي طالبت منذ سنوات بإصلاح المنظمة ولم يتغير شيء؟ رد على ذلك أن تكرار المؤتمرات والجهود هو تأكيد على أن الفكرة صحيحة وليست خاطئة طالما أن منظمة التحرير لم تتغير ولم تتوحد، فهذا يعني أن الدعوة إلى توحيدها وتجديدها هي فكرة صحيحة ما زالت قائمة.

واتهم القائمون على المؤتمر السلطة الفلسطينية بمنع سفر نحو 33 عضوا من أعضاء المؤتمر الوطني الفلسطيني، للمشاركة في فعالياته في الدوحة.

وأشارت تقارير صحفية إلى أن قوات الأمن أعادت بعضهم من أريحا، ومنعتهم من المغادرة، فيما هددت السلطة عددا آخر من المشاركين بالاعتقال، والفصل من العمل، وإيقاف الرواتب عند عودتهم.

الجدل حول المؤتمر وانعقاده، أثير أيضاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض للمؤتمر وأهدافه وطريقة انعقاده.

الناشط السياسي والحقوقي فواز محمد عمرو أكد على دعوته للمؤتمر لكنه توجه للمعابر ثلاث مرات محاولا السفر وتمت إعادته من سلطات الاحتلال.

وقال عمرو في منشور له “لماذا هذا المؤتمر ؟ لأننا لسنا بخير، والمؤتمر هو فكرة من إخوه مخلصين يوجد أضعافهم في فتح وباقي الأطر وهو محاوله للتغيير الإيجابي، والإخوه الذين دعوني للمؤتمر منذ أشهر تحدثو بكل حرص عن الإصلاح وإنهاء الانقسام الوطني وهم يحملون الهم الوطني كباقي أبناء الشعب الفلسطيني”

وتابع عمرو “رسالة إلى سيادة الرئيس: إصغ لأبنائك، الوطن لنا جميعا منظمة التحرير هي ممثلنا ومظلتنا العاطفية والسياسية منذ ولدنا على هذه الارض ويحزننا أن نراها ليست بخير، العالم تغير النظم تغيرت الدساتير تغيرت”

بدورها تفاعلت المحاضرة في الجامعة العربية الأمريكية دلال عريقات مع المؤتمر عبر صفحتها قائلة إن “الوعي السياسي مسؤولية، لا للتخوين،.. لا تخافوا من المؤتمرين في العلن… بل احذروا المؤتمرين في الخفاء!.. المؤتمرون حتى لو كانوا في الدوحة هم في العلن وليس في الخفاء”.

وأضافت عريقات “الوطنية ليست شعارًا يُرفع، بل هي موقف ثابت وعمل مستمر لخدمة الوطن وأهله. في زمن تختلط فيه الأصوات، علينا أن نميّز بين من يحمل همّ الوطن بصدق، وبين من يتخذ الوطنية سلّمًا للصعود”.

وقالت عريقات “اليوم، نشهد الكثير من المؤتمرات تحت عناوين اقتصادية وباسم إعادة إعمار غزة، لكن خلف الكواليس تُرسم سياسات وتُعقد صفقات لا تخدم إلا أصحابها. الغريب أن البعض يلاحق من يتحرك في العلن، بينما يتجاهل من يخطط في الخفاء تحت عناوين التنمية والإعمار البراقة.

وأكدت عريقات أن “الوطني الحقيقي لا يخشى الضوء، ولا يخاف المواجهة، ولا يبيع المواقف في الغرف المغلقة. كونوا واعين، فليس كل من تحدث باسم الوطن يمثله، وليس كل من صمت كان غائبًا”.

وشددت في نهاية منشورها “نعم منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده”

أما الناشط أنس أبو الرب فقال عبر صفحته هو الاخر “عندما يُطرح عقد مؤتمر وطني خارج الوطن، يبدو الأمر أشبه بمسرحية تُعرض لجمهور غائب. يتحدثون عن تجاوز سقف السلطة، وكأن السقف هو المشكلة، لا الأرضية التي تتآكل تحت أقدامهم. التحرير ليس شعارًا، بل مسار تتشابك فيه السياسة بالميدان، والإمكانات بالتحالفات”

وقال أبو الرب “المعضلة لم تكن يومًا في السقف، بل في الإدارة. لم تفشل السلطة لأنها قبلت بقيود الواقع، بل لأنها لم تُحسن استخدام المتاح. لم تفقد قوتها لأنها قيدت نفسها، بل لأنها لم تبنِ أسسًا تحفظ لها حتى حدودها الدنيا. كمن يفكك منزله بيديه، ثم يشكو من انكشافه للريح”.

“أما التأثير على الدول الإقليمية، فليس ببيان ولا بشعار” قال أبو الرب، مضيفاً “السياسة لعبة مصالح، ومن لا يملك أوراق اللعب، لا يُدعى إلى الطاولة. الدول لا تُغيّر مواقفها تأثرًا بخطاب عاطفي، بل بحسابات دقيقة تُقنعها أن مصلحتها تكمن في التحرك. فهل لدى هذا المؤتمر أوراقه، أم أنه مجرد لقاء تعارف جديد لمن يعرفون بعضهم جيدًا؟”

وختم أبو الرب “التحرير يحتاج أدوات، لا مهرجانات. يحتاج بناءً لا هدمًا. وكل ما دون ذلك، ليس إلا صدى بلا صوت”.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة