هيئة التحرير
يُروى في التاريخ العربي أن امرأة كانت لشدة الفقر والعوز تحرك الحجارة في قِدرٍ تغلي فيه الماء على النار حتى يغفو أطفالها وهم يحلمون بطعامٍ، لم ينلهم منه إلا العشم.
واقع أكده تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، أن أطفال فلسطينيين كُثر يعيشونه مع ارتفاع معدل الفقر في فلسطين إلى 74.3%، ما يعني أن 4.1 مليون فلسطيني سيعيشون تحت خط الفقر، مع انضمام 2.61 مليون شخص إلى هذه الفئة خلال عام 2025.
أرقام تأتي في ظل ارتفاع معدل البطالة إلى 50%، إضافة إلى ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك بحوالي 6% مقارنة بعام 2022، مما أدى إلى انخفاض القدرة الشرائية بنسبة 5.5%. في قطاع غزة، ارتفعت الأسعار بنسبة تجاوزت 30% خلال الربع الرابع من العام، مما أثر سلبًا على إنفاق الأسر وزاد من معدلات الفقر.
وفي ظل كارثية تلك الإحصائيات والأرقام، داهمت الفقراء أزمة أخرى على أعتاب شهر رمضان المبارك، تتمثل في حلم أصبح لا يطال الكثيرين على موائد الإفطار، تتمثل في ارتفاع غير مبرر في أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء، خاصة لحم الخروف التي وصلت في بعض المحال التجارية إلى 120 شيقل للكيلو الواحد، في حين لامست أسعار الدجاج عتبة الـ20 شيقلًا، والبيض 19 شيقلًا للكرتونة.
الاحتكار والاحتلال سببان للأزمة
قال نقيب أصحاب الملاحم وتجار المواشي في رام الله عمر النبالي، أن الأزمة هي نتيجة تراكمات سنوات طويلة تبدأ فصولها الأولى مع اتفاقية باريس الاقتصادية عام 1994، بقضية “الكوتة” وهي عبارة عن تفاهم يقضي باستيراد 50 ألف راس من الماشية بدون ضرائب جمركية، لتسهيل أمر الشراء والبيع على أصحاب الملاحم والمستهلك على سواء، إلا أن هذه الكوتة لم تراعي أن تِعداد غزة والضفة كان آنذاك حوالي 2.8 مليون، فيما هم اليوم أكثر من 5.6 مليون في غزة والضفة.
وأشار النبالي إلى أن الازمة تزداد تعقيدًا كل عام، مع الرفض الرسمي لقضية الانفكاك الاقتصادي، وصعوبة قضية استيراد اللحوم، إذ أنه ليس الجميع متاح له الاستيراد مع وضع صعوبات جمة أمام ذلك ومنها ضرورة أن يودع الراغب بالاستيراد 70 ألف دينار أردني على شكل شيك بنكي، كخطوة ثانية بعد مصاعب الحصول على رخصة استيراد، لافتًا إلى أن الحكومات رفضت فكرة أن يعاد ضريبة الجمرك للمستورد بعد أخذ المقاصة من الاحتلال.
واستغرب النقيب من عدم سماح المسؤولين للمستوردين من استيراد أكثر من 7 آلاف طن من اللحوم المجمدة في الضفة، و 5 آلاف طن في غزة في العام فقط وهو ما لا يكفي لسد حاجة السوق لأكثر من 3 شهور فقط، مؤكدًا أن هذه اللحوم ذات جودة عالية وممتازة وستشكل حلًا لأزمة اللحوم.
واعتبر النبالي أن سوق اللحوم يعاني من حكره على بعض المستفيدين، حيث ستغلق نصف الملاحم أبوابها إن استمر الوضع على ما هو عليه، مشيرًا إلى أنه إذا ما قارنا وضعنا مع أقرب الدول إلينا (الأردن) فان وضعنا أسوأ بكثير إذ أن كيلو لحم الخروف الطازج من النوع الروماني مثلًا 5-6 دنانير فقط، وهو سعر أقل بكثير من سعر كيلو اللحم المجمد عندنا.
ولفت النبالي إلى أن السوق المحلي تعرض للقتل البطيء والتهميش إما بفعل سياسة وزارات الزراعة المتعاقبة، التي لم تلتفت إلى مساعدة المزراعين ودعمهم ما أدى للاعتماد الكلي على الخارج، أو نظرًا لمصادرة الاحتلال للمراعي والأراضي الزراعية، وهدم البركسات والمنشآت الزراعية، وسرقة المستوطنون المستمرة للقطعان والاعتداء عليها وعلى المزارعين.
حماية المستهلك: هناك غياب للخطط وارتفاع سعر اللحم عائد لغياب دور وزارة الزراعة
بدوره، قال رئيس جمعية حماية المستهلك صلاح هنية، أنه حصل اجتماع قبل 3 أسابيع شمل كل الأطراف المسؤولة عن ضبط الأسواق، حيث قدمت كل الأطراف ما عليها من التزامات إلا وزارة الزراعة التي أجلت ردها عن واقع القطعان والماشية في البلد، ما أدى إلى حدوث هذه الأزمة.
وأشار هنية إلى أن الخطوة التي اتخذتها وزارة الزراعة من استيراد الماشية قبل أيام جاءت متأخرة إذ أن الأسعار ارتفعت الآن، ومن الصعب أن تنخفض لا لشيء إلا لأن هذا هو واقع السوق عندنا.
وشدد رئيس جمعية حماية المستهلك على ضرورة أن يُعمل على زيادة “الكوتة” وضرورة دعم السوق المحلي والتركيز على ذلك عبر وزارة الزراعة، مشيرًا إلى أن الدعوة إلى المقاطعة ضرورية ولكنها في ذات الوقت غير مجدية كون معظم الناس باتت غير قادرة على شراء اللحوم أصلًا، وذلك نظرًا لظروفها الاقتصادية الصعبة أساسًا.
وتابع: هناك اللحوم المبردة الطازجة وليست المجمدة وهي بديل مثالي للحم الخاروف، حيث تذبح في إسبانيا، وتوضع في الثلاجات وتُرسل للبلد، ويتم بيعه في السوق وهي شبيهة باللحم الطازج، لكنه يأخذ وقتًا أطول في التبريد، ويُباع سعر كيلو الخاروف بنحو 55 شيقلًا والعجل بنحو 27 شيقلًا، وهذه بدائل قد يستعين بها المواطن.
الاقتصاد: أسعار اللحوم ستنخفض في الأيام المقبلة
وقال مدير دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني إبراهيم القاضي أن الغلاء طال الخضار، واللحوم، وسلع أخرى وحاولنا ضبطها من خلال فتح باب الاستيراد، وضبط التهريب المعاكس بالشراكة مع وزارة الزراعة والشركاء.
وأضاف: أما بالنسبة للحوم، فكان هناك ارتفاع لأسعار اللحوم نتيجة منع الاحتلال للاستيراد من عدة دول، لكن هذه المشكلة تم التغلب عليها من خلال إدخال كميات كبيرة خلال الأسبوع الماضي، وتم التنسيق مع كبار المستوردين وإدخال 25 ألف رأس خاروف للذبح، وأكثر من 2000 عجل، وخلال الأيام المقبلة سيتم فتح باب الاستيراد بالكوتة (الاستيراد دون جمارك)، وكل ذلك سينعكس إيجابًا لصالح المستهلك في الأيام المقبلة، خاصة في شهر رمضان.
الزراعة: الارتفاع مرده جشع التجار
وقال الناطق باسم وزارة الزراعة محمود فطافطة إنه تم استيراد حوالي 12 ألف رأس غنم، وخلال الأيام المقبلة سيدخل أيضًا 20 ألف رأس غنم بما يتناسب مع الاستهلاك، وسيكون لدينا خلال شهر رمضان مليون و200 ألف طير (دواجن) وهذا الرقم يفوق استهلاكنا الذي لا يتجاوز مليون طير.
وحول العجول، قال فطافطة إن الاستيراد مفتوح دائمًا، ونحن ننتج 15-18% من احتياجنا من العجول، فيما يتم استيراد ما تبقى، حيث نستورد 100 ألف رأس سنويًا، والخراف 50-100 ألف رأس سنويًا وحسب الحاجة.
وأوضح فطافطة أن دور الوزارة الرئيسي هو إعطاء سعر استرشادي حول كلفة المنتج، وليس السعر ككل (هذا اختصاص وزارة الاقتصاد)، فعلى سبيل المثال نحن نحسب سعر كلفة كيلو الخاروف 32 شيقلًا، ولكن بعد ذلك تنتقل لمعايير أخرى، فتذهب للمزارع الذي يأخذ هامشًا من الربح، والوسيط كذلك، ثم التاجر، فالمسلخ، وبالتالي يرتفع السعر، لكن ما نراه اليوم ونسمع عنه هو جشع وطمع من التجار.