محمد عبد الله
أحداث متصاعدة تشهدها مدينة جنين على وجه الخصوص منذ نحو 100 يوم، رافقها حالة عامة تعيشها الأراضي الفلسطينية بعد حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، أدت إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية في هذه المدينة بشكل كبير.
جملة من الأسباب مجتمعة انعكست على أسواق مدينة جنين، ألحقت أضرارًا كبيرة بتُجارها، لدرجة قيام بعضهم بإغلاق محله بشكل نهائي، وسط تساؤل من التجار “وينتا بدها تهون؟
رجل الأعمال وصاحب مول السيتي سنتر الأكبر في مدينة جنين قائد السعدي يصف الوضع في مدينة جنين بـ “السيء جدًا لدرجة تفوق الوصف”، قائلًا إن الأضرار التي لحقت بجنين منذ 100 يوم، أثرت على الوضع الاقتصادي بشكل كبير، وأن الأسواق تضررت بشكل كبير جدًا.
يقول السعدي في حديث ل”بالغراف”، إن ما جرى خلال آخر 100 يوم هو أحداث أجهزة أمن السلطة مع المخيم والتي أدت إلى قلة الحركة، وخوف المواطنين من التوجه إلى جنين، ومن ثم بعدها شهدنا الاجتياح الكبير المتواصل منذ نحو 50 يومًا، وما رافقه من تدمير كبير للشوارع والبنية التحتية وتهجير للمواطنين، وتفجير للمنازل، وأبرزها التفجير الكبير الذي أدى إلى تضرر الكثير من المحلات ومن بينها مول سيتي سنتر لديهم.
فالناس- بحسب السعدي، باتت تخاف التوجه إلى الأسواق، وبالأمس فقط أحد الشبان توجه إلى وسط المدينة بشكل طبيعي، لكنه تعرض للدهس من آلية لجيش الاحتلال أدت إلى استشهاده.
أما حول الوضع في المول لديهم، يقول السعدي “لا توجد حركة نهائية، والتجار اشتروا بضاعة لفصل الشتاء ولم يبيعوا منها أي شيء وسوف تتكدس لديهم للسنة القادمة، إضافة إلى أنهم يقومون ببيع البضاعة بأسعار قليلة فقط لتغطية ما عليهم من التزامات”.
يروي السعدي أن التجار سابقًا قبل سنوات كانوا يقولون “وينتا بدها تهون؟”، أما اليوم فهم يتمنون أن ترجع تلك الأيام التي كانوا يرددون فيها تلك العبارة، فشهر رمضان العام الماضي أو قبل الحرب كانت فيه حياة ولم تكن تستطيع وضع قدمك من كثرة الأشخاص في المول، أما حاليًا “لو ترمي الفشقة (الرصاصة) على الأرض سوف تسمع صوتها”- وفق وصف السعدي.
أما حول واجبهم تجاه التجار، يقول السعدي “قدمنا أكثر من مرة إعفاء بدل أجرة الخدمات، وإعفاء شهر من الأجرة السنوية للتخفيف عن أصحاب المحلات”.
في مول السيتي السنتر لوحده نحو 250 محل تجاري و100 عيادة طبية، يبين السعدي بأن هناك من أغلق محله بشكل نهائي، وهناك من لا يفتح محله خوفًا من التوجه إليه بسبب الأحداث الجارية، وأيضاً لأنه لا يوجد أي متسوقين.
من جانبها تؤكد أية جرار وهي صاحبة محل متخصص في تنظيم المناسبات وبيع الورود والهدايات وسط مدينة جنين، أن نحو 60% من أصحاب المحلات التجارية في جنين تضرروا بشكل كبير جدًا.
وفي تعقيب لموقع “بالغراف” تقول جرار، أنه منذ حوالي الشهرين لم يدخل إليها عبر هذا المتجر شيقلًا واحدًا، وهو ما أثر على قدرتها على تسديد ما على المتجر من التزامات وأجور وفواتير، كما أنها اضطُرَت لتسريح عدد من العاملين، فيما لم يتبقى لديها سوى عاملة واحدة.
والأدهى من ذلك- وفق جرار، أن هناك مناسبات كانت مجدولة لديها وحجوزات مسبقة، اضطر أصحابها إلى إلغائها بسبب الأوضاع العامة في جنين.
تعيش جرار وهي أم لثلاثة أطفال في الحي الأمريكي الملاصق لمخيم جنين، ونظرًا للأسباب الاقتصادية والأحداث المستمرة قرب منزلها، اضطُرت مؤخرًا كالكثيرين من التجار للإنتقال للعيش ولو بشكل مؤقت في تركيا.
عارف السوقي صاحب ملحمة على دوار الداخلية في جنين يقول ل”بالغراف”، إن الملحمة تعمل اليوم بنحو 40% من حجم عملها مقارنة بالسابق، وقد تأثرت بشكل كبير، بسبب العديد من العوامل، التي شهدتها المدينة منذ نحو 100 يوم، وقبلها خلال الحرب على غزة، وما رافق ذلك من تعطل العمال وإغلاق حاجز الجملة.
يؤكد السوقي، أن اقتصاد جنين مبني على ما وصفها بـ “الرجل الغريبة”، أما اليوم فلا يوجد رجل غريبة لذا تأثروا بشكل كبير جدًا.
وحول حجم الضرر لديه يقول السوقي، إنه كان لديه 5 عمال، أما اليوم لديه اثنين من العمال وقدرته على سداد ما عليه من الالتزامات تأثرت بشكل كبير.
وليد السوقي هو الآخر صاحب مشتل زراعي في شارع حيفا يؤكد على تأثرهم بشكل كبير خاصة خلال اقتحام الاحتلال لجنين منذ 50 يومًا، أما قبل ذلك فكان العمل جيد إلى حد ما.
وبسبب الأوضاع يضطر السوقي إلى ترك المشتل والعمل على تنسيق الحدائق فهو لا يستطيع في ظل هذه الأوضاع أن يعتمد على المحل لوحده، وذلك لأن لديه التزامات كبيرة، وتراجع حجم الشغل لديه بأكثر من النصف.
رئيس الغرفة التجارية والصناعية في محافظة جنين عمار أبو بكر أكد في حديث ل” بالغراف” أن الأضرار الاقتصادية التي لحقت في جنين بشكل أساسي نتيجة عدة عوامل. مبينًا أن السبب الأول هو إغلاق حاجز الجلمة منذ 7 أكتوبر، والإضرابات المستمرة والإغلاقات، فالمدينة تعيش في مرحلة تصعيد منذ عام 2021 بعد أحداث نفق الحرية وهروب الأسرى الستة من سجن جلبوع.
وأوضح أنه ومنذ 4 سنوات تعيش جنين أحداثًا حيث في العام 2022 كان هناك 80 يوم من الإضراب، وفي العام 2023 كان هناك 90 يوم إضراب، بالإضافة إلى الاجتياح في تموز عام 2023، وما شهده المخيم من تدمير، إضافة إلى الأحداث الكبيرة بعد السابع من أكتوبر”.
وفصّل أبو بكر هذه الأسباب، قائلاً إن حاجز الجلمة كان يدخل منه يوميًا 3 آلاف سيارة من أهالي 48 يتسوقون في جنين بقيمة 15 مليون شيقل يوميًا.
وتابع “إضافة إلى أن أكثر من 30 ألف عامل تعطلوا عن عملهم في أراضي 48، وكان لديهم دخل يومي حوالي 15 مليون شيقل، لو أخذنا بالاعتبار أن يومية العامل كانت بالمعدل 500 شيقل”.
وأضاف “كان هناك 6 ألاف طالب من داخل 48 في الجامعة العربية الأمريكية، أما اليوم فلا يوجد سوى ألفي طالب، والطلبة سابقًا كان يحضر أهاليهم إليهم ويتسوقون من جنين، والطلبة يعيشون في السكن وعليهم مصاريف وتسوق”.
وأردف، بأن حالياً هناك عدة حواجز تحيط بالمحافظة وعند إغلاق حاجز دير شرف لوحده لا يدخل أحد إلى محافظة جنين. مضيفًا بأن من الأسباب أيضًا، وضع الموظفين الحكوميين وما يجري من تقليص الرواتب إلى 70%- بحسب ما ذكر عمار أبو بكر.
وتصاعدت الأمور منذ 4 شهور فلم تعمل المحلات التجارية سوى شهر واحد- وفق أبو بكر، قائلاً إن السبب هو الأحداث بين الكتيبة والسلطة من ناحية ومن ثم اجتياح الاحتلال الكبير لمدينة جنين ومخيمها وعدد من القرى والبلدات المحيطة بها.
لذا يؤكد أبو بكر أن هذه الأحداث كلها أدت إلى إغلاق المدينة وانهيار الاقتصاد وإغلاق المحلات التجارية، وعدم قدرة أصحاب المحلات على دفع ما عليهم من التزامات سواء لهم أو للعمال، إضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة.
ويبين أبو بكر أن غالبية المحلات التجارية في شارع الناصرة المؤدي إلى حاجز الجلمة تُغلق أبوابها أغلب اليوم، وجزء آخر من المحلات التجارية داخل المربع التجاري أغلقت بشكل كامل بسبب سوء الحالة الاقتصادية.