بألم وبحسرة تروي الصحفية ناهد أبو هربيد معاناة الفقد والنزوح والتشريد التي عاشتها طيلة فترة الحرب، ناهد التي فقدت أفراد عائلتها خلال حرب الإبادة وفقدت أغلب معداتها الصحفية، تعيش اليوم حزنًا مضاعفًا متجرعة مرارة الفقد، فهي ما زالت تسكن في خيمة بإحدى مخيمات النزوح في غزة.
وتقول ناهد أنها كانت تسكن في مدينة غزة، بينما باقي أفراد عائلتها يسكنون في مدينة بيت حانون شمالي القطاع. مضيفة أنه حينما طلب الاحتلال من مواطني الشمال النزوح إلى الجنوب، اختار أهلها البقاء، أما هي فمع عنف الأحزمة النارية التي تعرّضت لها منطقة “تل الهوا” غربي مدينة غزة حيث تسكن، بدأت رحلة نزوحها التي ما زالت متواصلة حتى الآن.
وأضافت أنه في ذلك الوقت كانت بيوت المنطقة تهتز لشدّة القصف، فنزحوا إلى مستشفى القدس، رغم تواجدها في مستشفى الشفاء للتغطية. مبينة أنها بقيت في مستشفى القدس 50 يومًا، مع نحو 12 ألف نازح، ولم تكُن قادرة على التغطية بشكل جيد، فالاتصالات كانت صعبة والإنترنت انقطع، والمكان محاصر بالدبابات.
بعد استهداف الاحتلال للمنطقة كلها، نزحت ناهد مع عائلة شقيقتها المصابة بمرض السرطان إلى منطقة المغازي، حيث مكثت في مركز إيواء تابعٍ لوكالة الغوث مدّةً، عانت خلالها من صعوبة العيش في مكان مكتظ يفتقر إلى الخدمات، خاصةً بالنسبة لشقيقتها المريضة التي تحتاج إلى العلاج المستمر.
“من أصعب اللحظات التي عشتها كصحفية رثائي لأخي على الهواء مباشرة، أصعب شيء عايشته أني قرأَت على الهواء مباشرة خبر استشهاد شقيقي، ثم انهرت وأجهشت بالبكاء” تقول ناهد.
وتابعت ” وبعد شهرين، قرأت خبر اعتقال قوات الاحتلال لشقيقي الآخر مبتور القدمين، وانهرت من جديد. فأثناء وجودي على رأس عملي في رابع أيام شهر رمضان من العام 2024، تلقيت خبر استشهاد شقيقي محمد، وإصابة شقيقي رافع الذي يعاني من بتر في قدميه منذ عدوان عام 2008، لأخرج على الهواء، وأعلن خبر استشهاده بنفسي، ومعه ضحايا غيره، كانوا قد انطلقوا إلى دوار النابلسي غربي مدينة غزة للحصول على الدقيق، أثناء المجاعة التي تسبب بها الاحتلال شمالاً.
وزادت “وصلني الخبر نحو الساعة الحادية عشرة والنصف ليلاً، أثناء وجودي على رأس عملي، حاولت التماسك وخرجت على الهواء، تحدّثت عن كل الأحداث الميدانية في قطاع غزة، وعن مجزرة دوار النابلسي، وأعلنت خبر استشهاد شقيقي محمد، وإصابة رافع”.
لم تكن هذه أول مرة تذيع فيها ناهد خبر استشهاد شقيقٍ لها، فقد عايشت الموقف ذاته خلال عدوان عام 2008، حينما كانت مراسلة لإذاعة مسموعة، حيث شنّت قوات الاحتلال عدوانًا على القطاع بتاريخ 28/12/2008، وكان شقيقها الأكبر محمود الذي كان يعمل شرطيًا ضمن شهداء المجزرة التي راح ضحيتها نحو 400 شرطي، مضيفة أنها خرجت على الهواء لتتحدث عما جرى. مؤكدة أنه كتب عليها أن تغطّي أحداث الحرب، وأن يصبحوا الخبر نفسه.
وأوضحت ناهد أنه وعلى الرغم من أن شقيقها رافع تماثل للشفاء، لكنه نزح إلى أحد مراكز الإيواء التابعة لوكالة الغوث شمال القطاع. وهناك اقتحمت قوات الاحتلال المدرسة، وجرّدته من أطرافه الصناعية، واعتدت عليه بالضرب المبرح، رغم عدم قدرته على الدفاع عن نفسه وهو مبتور الأطراف، ثم وضعوه فوق الدبابة، وخرجوا به إلى جهة مجهولة.
وأفادت بأنها تواصلت مع الصليب الأحمر الذي أبلغها بإمكانية الحصول على أخبار حول وضعه بعد ثلاثة أسابيع. مبينة أنها تمنت للحظات لو يصطفيه الله شهيدًا، فهي تعلم تمامًا التعذيب الوحشي الذي يتعرض له أسرى قطاع غزة، مشيرة إلى أنها غطت بنفسها شهادات لعدد من الأسرى الذين أفرج عنهم، وكانت رواياتهم تنفطر لها القلوب حزنًا ودمًا، فما بالك بمن هو عاجز عن الدفاع عن نفسه أصلاً.
ناهد أردفت بأن هذه ليست تجربتها الأولى، فقد بدأت العمل الميدانيّ مع عدوان عام 2008، واكتسبت خبرةً كبيرةً في نقل الأحداث والقصص بمصداقيةٍ وإنسانية عالية، لكن هذه المرة ليست كسابقاتها، فهذه المرة تعجز الكلمات عن التعبير. لأنها حرب إبادةٍ بكل ما تحمله الكلمة من معنى، مؤكدة أنها نجت شخصيًّا خلالها من الموت المحقق لأكثر من مرة.
كان لناهد أربع أشقاء، استشهد محمود ومحمد، واعتقل رافع، فيما لا تعلم عن أخيها الرابع إيهاب شيئًا، ولا توجد اتصالات، متمنية من الله أن يكون بخير. مؤكدة على فخرها كونها أخت لشهيدين ولشقيق جريح وأسير، مشددة على إصرارها على مواصلة التغطية، رغم تلقيها تهديدات من أرقام إسرائيلية على هاتفها النقال بالنيل من حياتها، مشيرة إلى أنه وصلتها عبر صفحة الفيس بوك رسائل تشمت باستشهاد شقيقها، مؤكدة أنها تردُّ على كل ما تعانيه بمواصلة التغطية.
تقول ناهد “نجونا لأكثر من ثماني مرات من القصف المستهدف للمكان الذي نتواجد فيه بمستشفى شهداء الأقصى واحترقت خيامنا وملابسنا وأوراقنا الثبوتية، ما أثر علينا بشكل كبير سيما في كل مرة يحدث استهداف نكون نحن بجانب القصف والخيام المستهدفة بشكل مباشر من قبل طيران الاحتلال الاسرائيلي”.
وبعد عام كامل من الحرب تؤكد ناهد أنهم يواصلون العمل وتغطية جرائم الإبادة المتواصلة بحق أبناء الشعب الفلسطيني المنكوب، مشددة على أنهم سيبقون صامدين وصابرين، ويواصلون تقديم رسالتهم الإعلامية وفضح جرائم الاحتلال.