بشار عودة
في زاوية صغيرة من مطبخها المتواضع في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، تجلس المسنة عايدة المصري (60 عامًا)، تحاول بشق الأنفس إعداد نوع بديل من الخبز، باستخدام العدس والمعكرونة المطحونة، بعدما غاب الطحين عن مائدة عائلتها منذ أسابيع.
وتقول المسنة عايدة بحزن عميق لـ”بالغراف” :”نقعنا العدس في المياه، وفي اليوم التالي صفّيناه، وخلطناه بصحن دقيق وقليل من الخميرة. عجنّاه وخبزناه…ما بيغني عن الطحين، بس مضطرين نأكله، لأنه ما في شيء تاني!”.
ومنذ الثاني من مارس/آذار الماضي، أغلقت إسرائيل معابر القطاع أمام دخول المساعدات الغذائية والإغاثية والطبية والبضائع، مما تسبب في تدهور كبير في الأوضاع الإنسانية للفلسطينيين، وفق ما أكدته تقارير حكومية وحقوقية ودولية.
وأضافت المسنة المصري بصوت متهدج :”إلنا أسبوع ما دخل بيتنا ولا رغيف خبز. أطفالي ببكوا طول الليل من الجوع. اضطرينا نطحن العدس والمعكرونة، ونمزجهم بشوية دقيق حتى يمسكوا ببعض”.
ومع أن هذه الوصفة البديلة لا ترقى إلى مستوى الغذاء المتوازن، فإنها لا تجد بديلاً أمام صراخ أطفالها من الجوع قائلة: “جرّبنا نعملها، بس كانت تتفتت وتتكسّر، والأولاد ما تحملوها. حتى اضطريت آخذهم على المستشفى بسببها!”.
تروي المسنة عايدة لـ”بالغراف” كيف استمعت لنصيحة الجيران الذين جرّبوا طحن العدس كخيار للبقاء، فذهبت وجمعت القليل مما تبقى في الأسواق، في ظل ندرة المواد وارتفاع الأسعار الجنوني.
وتشير بأسى :”كيس الطحين صار بـ1200 شيكل – يعني تقريبًا 400 دولار! ما في شيء بالسوق، وإذا لقيت، سعره فلكي. إحنا فعليًا بمجاعة من أربع شهور في بداية الحرب، واليوم مش بس شمال غزة، المجاعة وصلت لكل المواطنين شمالًا وجنوبًا”.
“ورغم معاناة الأطفال مع هذا الخبز البديل، إلا أن المسنّة المصري تواصل المحاولة لإبقائهم على قيد الحياة: “أطفالي يأكلونه بالغصب… بس ما في بديل. بنجرّب أي شيء بس يشبعوا!”
في ذات السياق، أكد المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة أن أكثر من 3,500 طفل أصبحوا قريبين من الموت جوعاً، جراء استمرار منع جيش الاحتلال إدخال حليب الأطفال والمواد الغذائية منذ 64 يومًا.
وجدد المكتب الحكومي في تصريح صحفي تحذيره من كارثة إنسانية وشيكة في قطاع غزة، بفعل استمرار جريمة إغلاق المعابر وتشديد الحصار الخانق.
وأشار إلى أن أكثر من 70 ألف طفل وصلوا إلى المستشفيات بسبب سوء التغذية الحاد.
ومع اشتداد الحصار، بين المكتب الإعلامي أن نحو 290 ألف طفل يقفون على حافة الهلاك، في وقت يفتقر فيه 1.1 مليون طفل يوميًا إلى الحد الأدنى من الغذاء اللازم للبقاء على قيد الحياة.
ويعتمد فلسطينيو غزة -البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة- اعتمادًا كاملاً على تلك المساعدات، بعدما حوّلتهم الإبادة الجماعية التي تواصل إسرائيل ارتكابها منذ 19 شهرًا إلى فقراء، وفق ما أكدته بيانات البنك الدولي.
وتأتي هذه الأزمة الإنسانية في ظل نزوح أكثر من 90% من فلسطينيي القطاع من منازلهم، بعضهم مرّ بهذه التجربة لأكثر من مرة، حيث يعيشون داخل ملاجئ مكتظة أو في العراء، مما زاد من تفشي الأمراض والأوبئة.