محمد عبد الله
منذ أيام، يواصل مجموعة من العمال، وتحت إشراف عالم آثار إسرائيلي يدعى عوزي غرينفيلد، أعمال تنظيف للأعشاب وتنقيب، في الموقع الأثري في بلدة سبسطية، شمال غرب مدينة نابلس.
ويوم الإثنين الماضي، اقتحمت الموقع وزيرة حماية البيئة الإسرائيلية عيديت سيلمان، إلى جانب وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، ورئيس مجلس المستوطنات في شمال الضفة الغربية يوسي داغان، وأعلنوا إطلاق عملية كبيرة لإنشاء متنزه “السامرة”، بعد نحو عشرة أعوام من التوقف.
“لا نعرف إلى أي حد سيصل المشروع”
يقول رئيس بلدية سبسطية محمد عازم في تعقيب لموقع “بالغراف”، إنهم تفاجأوا يوم الإثنين الماضي، بوجود طواقم العمل داخل الموقع الأثري، وبحماية كبيرة من جيش الاحتلال، وما يجري حتى الآن هو أعمال تنقيب بالإضافة إلى تنظيف من الأعشاب، ولكن إلى أي حد سيصل المشروع، يؤكد أنهم لا يعرفون ذلك.
وأوضح عازم أن منطقة الأعمال والتنقيب حاليًا تجري في المناطق المصنفة “ج” من الموقع الأثري، حيث بدأت في شارع الأعمدة، وهو المدخل الغربي لمدينة سبسطية الأثرية، وتتجه الأعمال نحو المدرج الروماني وبقية الموقع الأثري، بمعنى أن كل المنطقة الأثرية الواقعة في المنطقة “ج” سوف تشملها الأعمال، وطبيعتها غير معلومة.
إسرائيل ماضية في إقامة “حديقة السامرة”
وتواصل المجلس البلدي في سبسطية مع الجهات الرسمية الفلسطينية – بحسب عازم – وطلبوا من الارتباط الفلسطيني فهم ما يجري، فرد عليهم بعد التواصل مع الارتباط الإسرائيلي، أن مجلس المستوطنات ووزارة التراث الإسرائيلية ماضون في إقامة ما تسمى ب”حديقة السامرة”.
لذا، ما يجري في الموقع الأثري في سبسطية – كما قال عازم – هو استمرار لاعتداءات الاحتلال المتكررة على بلدة سبسطية والتحريض الذي يقوم به مجلس المستوطنات ووزارة التراث الإسرائيلية، والذي تُوّج بالمصادقة على مبلغ أكثر من 30 مليون شيكل، لإقامة حديقة السامرة في قلب الموقع الأثري في بلدة سبسطية.
ونوّه عازم إلى أن هذا المشروع، وعلى مدار عامين، سواء من خلال عملهم في البلدية أو من خلال عمل الوزارات والمؤسسات الفلسطينية، تم إحباط العمل فيه أكثر من مرة، ولكن بسبب انشغال العالم اليوم، وعدم اكتراث هذه الحكومة اليمينية لأي شيء، فقد أعطت الضوء الأخضر للبدء بالمشروع، لوزارة التراث الإسرائيلية ومجلس المستوطنات في شمال الضفة الغربية، الذي يقوده شخصية متطرفة.
استكمال لخطة إسرائيل بضم المواقع الأثرية
بدوره، أفاد وكيل وزارة السياحة والآثار الفلسطينية صالح طوافشة أن ما يجري هو استكمال لخطة حكومة الاحتلال في ضم كافة المواقع الأثرية الفلسطينية، وإلحاقها بالقانون الإسرائيلي، وعمليًا هم بدأوا بتنفيذ مخطط ضم منطقة سبسطية الأثرية.
وأكد طوافشة في حديث ل “بالغراف” أن هذا القرار خطير جدًا، ومن شأنه أن يفصل البلدة القديمة في سبسطية عن الموقع الأثري.
كما بيّن أن هذا دليل إضافي على أن الاحتلال يستهدف التراث الوطني الفلسطيني بشكل مباشر، والذي يُعتبر جزءًا من الهوية الثقافية للشعب الفلسطيني، ويدل على وجود شعبنا منذ آلاف السنين، ومنذ العصور الحجرية على هذه الأرض.
وفي أيار/ مايو 2023، خصصت حكومة الاحتلال ميزانية قدرها 32 مليون شيكل (9 ملايين دولار) لتهويد الموقع تحت ستار الترميم وتطوير الموقع، فيما أعلنت جهات رسمية إسرائيلية عن إنشاء “متنزه السامرة الوطني”.
ما هو الموقع الأثري في سبسطية؟
تُعد سبسطية من أبرز المواقع الأثرية الفلسطينية، حيث تضم بقايا رومانية وبيزنطية وإسلامية، غير أن سلطات الاحتلال الإسرائيلية تروّج لمزاعم بوجود “قصر الملك عمري” و”مسرح هيرودسي”، ضمن روايتها التي تربط الموقع بـ”مملكة إسرائيل القديمة” وفترة “الهيكل الثاني”.
ويضم موقع سبسطية الأثري آثارًا تعود إلى عصور مختلفة، من العصر الحديدي (1200 – 586 قبل الميلاد) إلى العصر الحديث، وتم التنقيب في الموقع لأول مرة من قبل فريق بقيادة علماء آثار من جامعة هارفارد عام 1908.
أهمية الموقع الأثري في سبسطية
يقول عازم، إن هذا الموقع له أهمية ليس فقط لأبناء سبسطية والشعب الفلسطيني، بل له أهمية عالمية، فهو موقع تراث عالمي يمتد عمره لآلاف السنوات، ويكتنز بعشرات المواقع التاريخية الضخمة.
أما بالنسبة لأهميته لهم، فهو – كما قال عازم – يُعتبر منتجعًا كبيرًا جدًا، ومتحفًا أثريًا، وموروثًا حضاريًا، واعتمدت عليه سبسطية على مدار السنوات الماضية بأن يكون مصدرًا للدخل، حيث إن هناك العشرات من العائلات تعمل في القطاع السياحي وتعتاش من وراء حركة السياحة المحلية والدولية.
وأضاف عازم: “بالإضافة إلى أن هذا الموقع بداخله أكثر من 50% من مصدر زيت الزيتون لأهالي بلدة سبسطية، حيث إن هذه المنطقة خصبة جدًا، وفيها الآلاف من أشجار الزيتون المعمّر أو ما يُعرف بـالروماني، ويمتد عمره لمئات السنين، وينتج كميات من الزيت، أي أنه مصدر دخل آخر للسكان في البلدة”.
أما طوافشة، فقد أكد أن موقع سبسطية الأثري هو أحد أهم المواقع الأثرية الفلسطينية، ويعود إلى فترات تاريخية قديمة، وأقدم دلالة موجودة على استخدام الإنسان للأدوات فيه تعود إلى ما قبل 5 آلاف سنة، والمدينة بدأت بالظهور مع بداية الألف الأول قبل الميلاد، وفي الفترة اليونانية والرومانية كان هناك تطور للموقع، وهناك آثار واضحة وكبيرة من هاتين الفترتين، ومن ثم استمرت الأهمية لهذا الموقع في الفترات الإسلامية حتى يومنا الحاضر.
مزاعم إسرائيل حول الموقع الأثري
وتدّعي سلطات الاحتلال أن بلدة سبسطية كانت عاصمة مملكة إسرائيل الشمالية في القرنين التاسع والثامن قبل الميلاد.
ولا يمر أسبوع دون اقتحامات يشنها مستوطنون للمنطقة الأثرية، حيث يغلقون المكان ويعلنونه منطقة عسكرية، ثم يمارسون طقوسًا تلمودية فيه.
وردًا على ادعاءات حكومة الاحتلال، قال طوافشة إن إسرائيل تدمج بين الأيديولوجيا والخرافة والدين وعلم الآثار، رغم أن علم الآثار واضح، والحقائق على الأرض واضحة وتدل على ما هو هذا الموقع، ومع ذلك، بعض علماء الآثار الإسرائيليين يربطون بينه وبين قضايا أيديولوجية وهمية غير موجودة.
قرار إسرائيل بضم كافة المواقع الأثرية في المناطق “ج”
وهنا، لفت طوافشة النظر إلى القانون الذي قُدِّم إلى الكنيست الإسرائيلي وتم إقراره بالقراءة الثانية، بضم كافة المواقع الأثرية في المناطق المصنفة “ج”، ويترجمه إلى ما يقوم به الاحتلال والمستوطنون على الأرض.
وبيّن المسؤول الرسمي أنه يوجد لدينا في فلسطين 3750 موقعًا ومعلمًا أثريًا في المناطق المصنفة “ج”، وهذه كلها سوف تكون مهددة بشكل مباشر في هذا القرار بالضم.
وأكد أن هذه القرارات كلها مخالفة للقوانين الدولية، لأن القوة المحتلة لا يجوز أن تعبث بآثار الأرض التي تحتلها، حسب اتفاقية جنيف واتفاقية لاهاي واتفاقية اليونسكو.
وبالتالي، فإن كل هذه الإجراءات التي تقوم بها سلطات الاحتلال – بحسب ما ذكر طوافشة – هي إجراءات باطلة من ناحية القانون الدولي، ومن ناحية القانون الإنساني، فالاحتلال يريد نهب التراث الثقافي الفلسطيني وضمه.
أعمال تنقيب وحفريات متزامنة مع سبسطية
وحول إن كان هناك أعمال تنقيب أخرى بالضفة الغربية تجري اليوم، رد طوافشة على سؤال “بالغراف”، أنه يوجد اليوم أعمال حفريات في عدد من المواقع، منها ما عُرض في تقرير لوزارة السياحة والآثار بالكشف عن أعمال حفريات تجري في خربة الرفيد على أراضي بلدة سنجل شمال رام الله، والتي قامت بها جامعة أرئيل الاستيطانية، ونهبوا مجموعة من المواد الأثرية من الموقع.
وأضاف أن هناك أعمال تنقيب تجري بالقرب من بلدة حزما شرق القدس لمجموعة من المعالم الأثرية، وهناك أعمال تدمير ونهب وتنقيب غير شرعي في مدينة القدس، وأيضًا في تل الرميدة في الخليل، والعديد من المواقع الأخرى.