محمد عبد الله
بعد خمسة أيام من الحصار والإغلاق التام لكافة مناحي الحياة، سمحت قوات الاحتلال الإسرائيلي، ولوقت محدود، بفتح بعض المحال التجارية في بلدة بروقين غرب سلفيت، عقب عملية إطلاق النار التي وقعت قرب البلدة وأدت إلى مقتل مستوطِنة وإصابة آخر بجراح خطيرة.
الإعلان، الذي صدر عبر الارتباط الفلسطيني وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي في البلدة، جاء مفاجئًا في تفاصيله؛ إذ سمحت سلطات الاحتلال بفتح 8 محال تجارية فقط، بعد تحديد مواقعها عبر نظام GPS، ونشر أسماء أصحابها وأرقام هوياتهم الشخصية، ما يعكس إجراءات معقدة ومراقبة مشددة.
هذه الواقعة ليست سوى واحدة من عشرات الانتهاكات التي تتعرض لها بلدتا بروقين وكفر الديك منذ تنفيذ العملية يوم الأربعاء الماضي، حيث فُرض حصار عسكري خانق، واقتحامات يومية بحجة “التمشيط” للبحث عن المنفّذ، بينما يُنظر إليها ميدانيًا كعقاب جماعي استهدف آلاف المواطنين.
اقتحامات وتنكيل جماعي
يقول مراد سمارة، الناشط في بلدة بروقين، إن قوات الاحتلال اقتحمت البلدة فور وقوع العملية، وأغلقتها بالكامل، ونشرت حواجز عسكرية داخلية. وأضاف أن حوالي 90% من منازل البلدة خضعت للتفتيش، وأكثر من نصفها تم تفتيشه أكثر من مرة.
وفي حديثه لـ”بالغراف”، أشار سمارة إلى أن الاحتلال استولى على 15 منزلًا وحوّلها إلى ثكنات عسكرية ومراكز تحقيق ميدانية. وفي بعض الحالات، طُرد السكان من منازلهم، وفي حالات أخرى جُمع أفراد الأسرة في غرفة واحدة.
ولفت إلى أن الحركة في البلدة مشلولة بالكامل، باستثناء ساعتين فقط تم خلالهما، وبترتيب مسبق، السماح بفتح 8 محال تجارية وصيدليات. وحتى خلال هذا الوقت القصير، لم يُسمح للمواطنين بالبقاء أكثر من ساعة واحدة للتزود بحاجاتهم، قبل أن يُجبروا على مغادرة المحال التي أُغلقت فورًا بعد ذلك.
إعدام ميداني وتجريف للأراضي
أبرز الانتهاكات، بحسب سمارة، تمثلت في استشهاد الشاب نائل سمارة (36 عامًا) بعد احتجازه 8 ساعات في أحد مراكز التحقيق الميداني. وأوضح أنه أُعدم بدم بارد وهو مقيّد اليدين ومعصوب العينين في حديقة منزله، تلا ذلك اعتقال عدد من أشقائه وأبناء عمومته، بينما لم يُعرف حتى الآن عدد المعتقلين من شبان البلدة.
أدى الحصار والإجراءات العسكرية إلى شلل تام في المرافق الأساسية، بما في ذلك المدارس والعيادات، إضافة إلى منع دخول البضائع والمواد الغذائية.
كما وتحدث سمارة عن اعتداءات نفذها المستوطنون، منها نصب خيام قرب منازل المواطنين، وحرق جرافة، والاعتداء على ثلاثة منازل. وأضاف أن رئيس مجلس المستوطنات في شمال الضفة الغربية، يوسي داغان، زار المنطقة وحرض علنًا على هدم المنازل في المناطق المصنفة “ج”، ومعاقبة أهالي البلدة.
وأشار إلى أن أعمال تجريف واسعة تجري بمحاذاة الشارع الالتفافي، حيث تم تجريف نحو 250 دونمًا من أراضي البلدة، واقتلاع أشجار زيتون وخروب معمرة، بمشاركة 10 جرافات ثقيلة تعمل على مدار الساعة. ونتيجة لهذا التحريض، هدمت جرافات الاحتلال يوم الثلاثاء بناية سكنية متعددة الطوابق في البلدة.
كفر الديك.. وجه آخر للمعاناة
في بلدة كفر الديك المجاورة، الوضع لا يقل سوءًا. فوفق المتحدث باسم البلدية، محمود الديك، وفي حديث لـ”بالغراف”، أوضح بأن قوات الاحتلال اقتحمت البلدة واعتدت على السكان ومنازلهم، واعتقلت عددًا من المواطنين بعد تحويل منازلهم إلى مراكز تحقيق ميدانية.
وأضاف أن مداخل البلدة أُغلقت بالكامل، وتعرضت المدارس للتخريب، كما مُنع الأذان في المساجد، واستُخدمت مكبرات الصوت فيها للإعلان عن فرض حظر التجول.
وأكد الديك أن سيارات الإسعاف والإطفاء مُنعت من دخول البلدة، إضافة لوجود نقص في المواد الغذائية، حيث لا يوجد خضار في المتاجر ولا طحين في المخبز الوحيد.
كما أشار إلى استمرار محاولات الاستيلاء على الأراضي وشق طرق استيطانية جديدة، مما أدى إلى مصادرة مئات الدونمات، ومنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم.
عزلة سلفيت الكاملة
من جانبه، قال مدير الإعلام في محافظة سلفيت، معين ريان، إن الإغلاقات طالت جميع مداخل المدينة، ما أجبر المواطنين على قطع أكثر من ساعة ونصف للوصول إلى مركز سلفيت عبر طريق اللبن الشرقية، وهو ما تسبب في صعوبات كبيرة خاصة للحالات المرضية والموظفين.
وأوضح في حديث ل “بالغراف” أن محافظة سلفيت، وبروقين، وكفر الديك تحولت إلى “سجن كبير”، مع منع الدخول والخروج، ووجود عائلات لم تتمكن حتى الآن من العودة إلى منازلها.
وأشار إلى أن يوسي داغان أقام خيمة عند مدخل بروقين، متعهدًا بإقامة مستوطنة جديدة على أراضي البلدة، وبدأت الجرافات العمل فعليًا منذ اليوم التالي للعملية، حتى وصلت أعمال التجريف إلى حدود المنازل.
وبين ريان أن سلطات الاحتلال منعت الفلسطينيين من استخدام شارع رقم (5) الذي يربط مستوطنات آرئيل ببروقين وكفر الديك، حيث أصبح السير عليه يُعَرِض المواطنين للاعتقال أو إطلاق النار.
تهديد وجودي
وأكد ريان أن الاحتلال أصدر قرارًا بمصادرة أكثر من 240 دونمًا من أراضي بروقين وكفر الديك، بينها 14 دونمًا لأغراض عسكرية، في حين يُجرى تجريف البقية.
وأشار إلى أن محافظة سلفيت تُعد ثاني أكثر المحافظات الفلسطينية استهدافًا بعد القدس، إذ تضم 18 تجمعًا سكنيًا فلسطينيًا، بينها 9 مجالس بلدية و9 قروية، في مقابل 24 مستوطنة إسرائيلية، و3 مناطق صناعية، وأكثر من 10 بؤر استيطانية.
وأوضح أن 75% من أراضي سلفيت مصنفة “ج”، وهناك توجه إسرائيلي لبدء عمليات تسوية في هذه المناطق، ما يهدد بمصادرة وضم مساحات واسعة من أراضي الفلسطينيين.