هيئة التحرير
يُجيد الفلسطيني إيصال صوته أينما حل، وترك بصمته على الدوام رافعًا اسم بلاده في كل مكان عربي ودولي، بصمة خطتها الصحفية الشابة تسنيم الدراويش ابنة مدينة الخليل عقب فوز فيلمها ” حق وجذور ينازعان “الطغيان”، حكاية الحاج عزت عودة” بالمركز الثالث في مسابقة ” جيزال خوري للإعلام الإنساني” في دولة الكويت.
“صديقة المزارعين والمزارعات” هكذا تحب تسنيم التعريف بذاتها، فهي خريجة الصحافة التي عملت في مجال تنسيق المشاريع منذ كانت طالبة، إلا أن الغصة كانت ترافقها كونها لم تعمل في تخصصها، فعادت باحثة عن ذاتها لتجدها في عشقها للأرض الذي جعلها تعود لتخصصها من بوابة الإعلام البيئي بفرصة وفرتها لها مؤسسة “لمة صحافة” لتكون بوابتها لتصبح الصحفية التي حَلُمَت أن تكونها يومًا.
تصف تسنيم فوزها بالجائزة أنه بمثابة إعلان عودتها لنفسها ولصوتها الحقيقي، كما أنه وبذات الوقت نجاح حقيقي في نقل صوت أبناء البلد ومعاناتهم وبخاصة المزارعين، مضيفة أنه يشرفها ارتباط اسمها ولو بشكل مجازي باسم الإعلامية الراحلة سيدة الحوار “جيزال خوري”.
ثمرة تجربة شخصية
تقول تسنيم إن الفيلم كان نتاج ثمرة شخصية ومهنية بدأت مع الحرب، حيث شعرت أن شيئًا ما بداخلها يتحرّك، فقررت العودة إلى الصحافة، لكن من باب مختلف. حيث بدأت بالكتابة وليس بالكاميرا فكتبت العديد من القصص عن المزارعين والأرض، عن أولئك الذين يعيشون في الظل ويصنعون الحياة بصمت.
وأضافت أنها تقدمت للجائزة كفرصة لتعيد وصل ما انقطع. حيث رأت إعلان المسابقة على منصة الانستغرام وتقدمت لها، مؤكدة أنها كانت هذه المشاركة الأولى التي تعود فيها للتصوير بعد سنوات من الغياب عن الميدان. مشيرة إلى أن الكاميرا لم تكن مجرد أداة عمل، بل امتداد لقلبها وذاكرتها وشغفها.
“خربة سلامة” انتهاكات متواصلة وصمود يُدَرَس
في الخليل حيث تتعدد الانتهاكات وتتصاعد الاعتداءات، تقول تسنيم إن التجربة قادتها إلى زيارة قرية فلسطينية لم تزرها من قبل إلى “خربة سلامة” واحدة من 99 قرية تابعة لمدينتها دورا، التي تغرق في الاعتداءات لكنها بعيدة عن الأضواء. مبينة أنها في هذه القرية وجدت القصة الحقيقية، قصة أنبياء المقاومة وفلاسفتها الذين لا يعرفون أصلاً أنهم مقاومون، بل يسعون فقط للعيش بسلام على أرض السلام، وأن يحموا أغصان الزيتون في أرضهم ويقطفوا ثمار زيتونهم بسلام.
ارتكزت قصة فيلم تسنيم على معاناة الحاج عزات عودة، المزارع ابن 75 عامًا، والذي أمضى حياته في زراعة أرضه وتربية أغنامه في وادي أم حذوة بمنطقة خربة سلامة.
الحاج عودة تضاعفت معاناته بعد السابع من أكتوبر، حيث أصبحت أرضه محاصرة بسبب تضييقات الاحتلال وتهديدات المستوطنين. ولم يكتفِ الاحتلال بحرمانه من أرضه، بل أحرقها، ليتركه يعاني خسائر مادية ونفسية كبيرة. وحتى موسم الزيتون لم يسلم من أذيتهم، فلم يتمكن من جني سوى القليل منه.
لكن الحاج عودة وكعادة الفلسطيني الذي يرفض الاستسلام تحدى الاحتلال وحاول الوصول إلى أرضه فجرًا، لكنه تعرض للاعتقال. الحاج يعيش حلمًا بسيطًا: “بأن يمضي ما تبقى من عمره وسط شجر زيتونه وأغنامه. فيما وجه رسالته للعالم ولمؤسسات حقوق الإنسان: “أنصفوني وأعيدوا لي حقي في أرضي.”
وأفادت تسنيم بأنها اختارت فكرة هذا الفيلم بهدف تسليط الضوء على الانتهاكات التي يتعرض لها المزارعون الفلسطينيون في الضفة الغربية، وأيضًا كون هذه الاعتداءات لا تحظى بالتغطية الإعلامية الكافية رغم تصاعد الانتهاكات بحقهم بشكل كبير.
وأكدت أنها عندما رأت صورة الحاج عودة يعاني من آثار اعتداء المستوطنين عليه، شعرت بحاجة مُلحة لإيصال صوته وقصته للعالم
مراحل عديدة وصولًا لشكله الحالي
تؤكد تسنيم أن الفيلم مر بمراحل عديدة، بدأتها بالكتابة ثم التصوير والمونتاج، لتخرج بفيلم مدته 4 دقائق ونسخة أخرى مختصرة ليتم نشره ك ” ريل” على منصة الانستغرام
وأفادت أنه وعقب تسليم الفيلم بأربعة أشهر، تلقت رسالة من مؤسسة الجائزة تفيد بأنه تم ترشيح الفيلم ضمن أفضل 7 أفلام مشاركِة في جائزة “جيزال خوري” للإعلام الرقمي الإنساني، وذلك بعد مروره بعدة مراحل من التقييم والمراجعة من قِبل لجنة تحكيم من المختصين.
وعقب أسبوعين، أُعلنت النتائج في الكويت، ووصلها الخبر السار بحصولها على المركز الثالث. مؤكدة أنها حينها شعرت بأنها استعادت صوتها، معبرة عن فرحتها بأنها استطاعت إيصال رسالة مهمة لخارج البلاد واستطاع الناس سماع حكايتها وحكاية أهل “خربة سلامة”.
وأشارت إلى أن الجائزة تهدف لتشجيع الشباب العربي على إنتاج محتوى رقمي هادف عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يسلط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان، خاصة في فلسطين.
إهداء لأرواح الصحفيين والمزارعين
أهدت تسنيم هذا الإنجاز لأرواح الصحفيين الذين استشهدوا في غزة والضفة الغربية، ممن دفعوا حياتهم ثمنًا للحقيقة. كما وأهدته إلى من كانت قصصهم منارة لهذا العمل: للمزارع الشهيد يوسف أبي ربيع من غزة، الذي كان أول من ألهمها للتركيز على قضايا المزارعين، مشيرة إلى أنه عندما حاورته أخبرها بأنه ترك الطب ودرس الهندسة الزراعية ليكون بعون المزارع المظلوم وبعد استشهاده أرادت أن تُكمل رسالته.
ونهاية أهدته للمزارع الحاج عزات عودة، الذي شاركها قصته وأيضًا لكافة المزارعين والمزارعات الصامدين في البلاد رغم كل الانتهاكات والاعتداءات التي يتعرضون لها من قوات الاحتلال ومستوطنيه.
اصنعوا الفرص بأيديكم
وختامًا وجهت تسنيم رسالتها للشبان والشابات بالتفكير خارج الصندوق في ظل الظروف الصعبة التي يعيش بها الشعب الفلسطيني، وأن لا ينتظروا الفرصة الكبرى، بل يسعوا لتحقيق أحلامهم وأن لا يؤجلوا أحلامهم بانتظار اللحظة المثالية.
وتابعت “ابدؤوا بخطوة بسيطة، بإنجاز صغير، وامنحوا أنفسكم الوقت لتتطورا وتنضجوا. طوّروا أنفسكم، حتى لو شعرتم أن الطريق طويل، ففي يوم من الأيام، ستجدون أن هذا التعب لم يذهب هباءً، وأن البذور التي زرعتموها في الظل قد أثمرت نورًا”