بشار عودة
في أحد الأزقة الضيقة بمخيم النصيرات، وبين أصوات المولدات المتقطعة ورائحة الدخان المتصاعدة، يقف الشاب أحمد أبو صقر أمام فرن حديدي محكم الإغلاق، يراقب بعين خبيرة تحوّلات كيميائية لا تُرى بالعين المجردة.
في قلب الحصار الذي أوقف الحياة، وتحت سقف من القصف والدمار، وجد أحمد في النفايات البلاستيكية فرصة للنجاة.
بفكرة بسيطة وإرادة لا تلين، نجح في تحويل أكياس وعبوات البلاستيك إلى وقود حيوي يُستخدم لتشغيل السيارات والمولدات، في وقت بات فيه الوقود عملة نادرة وأغلى من الذهب.
يقول أبو صقر لـ “بالغراف”: “بدأت الفكرة من الحاجة. لم يكن هناك وقود لتشغيل المولدات أو السيارات، ففكرت كيف يمكن للبلاستيك المهمل أن يصبح مصدرًا للطاقة”.
ومع ازدياد الحصار ومنع دخول الوقود إلى غزة، لجأ أحمد إلى هذه الفكرة البديلة، مستثمرًا ما كان يُعتبر عبئًا بيئيًا ليجعله مصدر حياة.
يشير أبو صقر إلى أن العملية تمر بمراحل دقيقة تبدأ بجمع وفرز البلاستيك من مختلف مناطق القطاع، وهي مهمة شاقة بسبب شحّ الموارد وتحديات النقل.
وأوضح أنه بعد الجمع، يُقطع البلاستيك إلى أجزاء صغيرة لتحسين عملية الانصهار، ثم توضع هذه القطع داخل فرن حديدي محكم الإغلاق، مشيرًا إلى أن درجات الحرارة تتراوح بين 400 و600 درجة مئوية، وهي المرحلة التي يُطلق عليها محليًا “طبخ البلاستيك”.
كما أوضح أبو صقر أن العملية تنقسم إلى مرحلتين أساسيتين؛ في المرحلة الأولى، يتم استخراج الشحوم الثقيلة من البلاستيك، أما في المرحلة الثانية، فتُعاد هذه الشحوم إلى الفرن مرة أخرى ليُستخلص منها الديزل، بنسبة صفاء تصل إلى 95%.
ويكمل أن خلال عملية الانصهار، يتحول البلاستيك إلى غاز يتبخر ويمر عبر شبكة من الأنابيب المتصلة بجهاز تبريد خاص، وهناك يتحول الغاز إلى سائل، لتبدأ مرحلة فصل المشتقات.
ولفت إلى أن البنزين يخرج أولًا لكونه أخف كثافة ويتبخر بدرجة حرارة أقل، يليه السولار (الديزل) الذي يحتاج إلى حرارة أعلى.
في نهاية العملية، يُجمع الوقود الناتج ويُستخدم مباشرة لتشغيل المولدات الكهربائية والسيارات، في ظل انقطاع الكهرباء اليومي وغياب أي بدائل حقيقية.