بشار عودة
في مشهد يومي يتكرر أمام المراكز الأميركية لتوزيع المساعدات الإنسانية وسط قطاع غزة، يتجمع آلاف السكان منذ ساعات الليل، بحثًا عن حصة طعام أو كيس دقيق قد يبقي أسرهم على قيد الحياة أيامًا معدودة في ظل المجاعة المتفشية في القطاع.
لكن هذه المراكز لم تكن يومًا مواقع إغاثة آمنة؛ بل تحولت – وفق شهادات شهود عيان – إلى ساحات إذلال وانتهاك للكرامة الإنسانية، ومصائد موت حقيقية، مع اضطرار الناس لقطع مسافات طويلة سيرًا على الأقدام من مدينة غزة إلى منطقة نيتساريم وسط القطاع، أو إلى مدينة رفح في أقصى الجنوب، حيث يعود كثيرون منهم خاوي الوفاض.
رحلة الجوع والخطر
يقول أحمد أبو عودة (22 عامًا)، وهو يجلس على الرصيف يستريح بعد مسافة شاقة من شمال قطاع غزة إلى وسطه: “أقطع هذه المسافة الطويلة يوميًا فقط للحصول على كيلو طحين وبعض العدس، لأوفرها لعائلتي في ظل المجاعة.”
ويضيف لـ”بالغراف” :” أعيل سبعة من إخوتي بعد استشهاد والدي خلال نزوحنا قبل عدة أشهر، ولا يوجد أي مصدر دخل. لا خيار أمامي سوى المخاطرة لأجل لقمة العيش رغم خطورة الوضع”.
ويتابع أحمد بنبرة يختلط فيها التعب بالخوف: “لم أحصل على كرتونة المساعدات، ونجوت من الموت بأعجوبة. المشهد مرعب، الرصاص ينهمر من كل اتجاه، والناس يتساقطون حولي من شدة كثافة إطلاق النار”.
وأوضح أن إطلاق النار كان مباشرًا على آلاف الفلسطينيين، رجالًا ونساءً وأطفالًا، وقال:”شاهدت الجرحى والشهداء يتساقطون بعيني، وركضت من غير وعي لمسافة طويلة هربًا من الموت”.
ازدحام وخطر الاختناق
أما إبراهيم العبسي (23 عامًا)، فقد تحدّث عن أخطر ما يحدث أثناء الازدحام عند نقاط التوزيع: “في كل مرة يتدافع الناس بعشراتهم، يسقط أطفال تحت الأقدام. رأيت امرأة فقدت الوعي من شدة الزحام”.
وأشار إلى أنه أصيب بشظايا في يده اليمنى، وقال لـ “بالغراف”، :”خاطرت بنفسي من أجل إطعام أسرتي، لكنني لم أنجح دائمًا من شدة الازدحام. إنها مساعدات مغمسة بالخطر والذل.”
ثكنة عسكرية لا مركز إغاثة
وصف العبسي الممرات الحديدية المؤدية إلى مركز التوزيع:”في البداية كان هناك خمس بوابات: أربع للرجال وواحدة للنساء، وبوابات تؤدي إلى مركز التوزيع المحاط بأسلاك شائكة وأكوام رملية كأنه ثكنة عسكرية”.
وأضاف: “رغم هذه الإجراءات، لم يتمكنوا من منع الناس من الهجوم على المركز، فكمية المساعدات قليلة والناس جوعى. حطموا البوابات والأسلاك من مكانها”.
ساعات الانتظار والرصاص
وأشار العبسي إلى أن المشهد اليومي يصعب وصفه، قائلًا: “يفتحون البوابة خمس دقائق فقط، وخلال هذه الدقائق يهجم الآلاف على المساعدات، ثم يبدأ إطلاق النار علينا. يتزاحم الناس حتى يختنق بعضهم ويفقدوا الوعي.”
واختتم شهادته قائلًا:”يتعمدون فتح البوابة في ساعات الليل، فنضطر للانتظار طوال الليل حتى ساعات الصباح وسط هذا الوضع المأساوي”.
في ذات السياق، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، قبل أيام، ارتفاع حصيلة ضحايا مراكز توزيع “المساعدات الأمريكية – الإسرائيلية” إلى 516 شهيدًا و3799 مصابًا، منذ بدء العمل بتلك الآلية في 27 مايو/ أيار الماضي.
وأوضح المكتب، في بيان، أن “الضحايا وهم من السكان المدنيين المجوعين قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال محاولتهم الحصول على الغذاء من مراكز المساعدات الأمريكية ـ الإسرائيلية (مصائد الموت) منذ بدء عملها بتاريخ 27 مايو 2025”.
وذكر أن “العدد الإجمالي للضحايا بلغ 516 شهيدًا، و3799 مصابًا، و39 مفقودًا”، فيما لم يذكر طبيعة الإصابات، ولا مصير المفقودين.
وبعيدا عن إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الدولية، بدأت “تل أبيب* منذ 27 مايو الماضي، تنفيذ خطة لتوزيع مساعدات محدودة عبر ما تُعرف بـ”مؤسسة غزة الإنسانية”، وهي مدعومة إسرائيليًا وأمريكيًا ومرفوضة من الأمم المتحدة.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية بغزة تشمل قتلًا وتجويعًا وتدميرًا وتهجيرًا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.