محمد عبد الله
تعيش قرى وبلدات الضفة الغربية تصعيدًا خطيرًا في وتيرة عنف المستوطنين، الذين كثفوا اعتداءاتهم بشكل غير مسبوق خلال الشهور الأخيرة، وسط دعم وحماية مباشرة من جيش الاحتلال الإسرائيلي. هذه الهجمات لم تعد حوادث فردية، بل باتت تشكّل نمطًا منظمًا من الإرهاب المنهجي يهدف إلى تهجير الفلسطينيين وفرض واقع استيطاني جديد على الأرض.
من كفر مالك والمغير ودير جرير وبلدتي سنجل وترمسعيا، وصولًا إلى قرى وبلدات جنوب نابلس وحتى مسافر يطا جنوب الخليل، تمتد سلسلة الاعتداءات التي تنفذها مجموعات المستوطنين المسلحين، مخلفة شهداء وجرحى، ومستخدمة الرصاص الحي والحرق والاقتحامات الليلية، في ظل غياب أي مساءلة دولية.
رئيس مجلس قروي كفر مالك ناجح رستم قال، إن عددًا من المستوطنين هاجموا أطراف قرية كفر مالك شرق رام الله، من الجهة الشرقية قرب الشارع الالتفافي، وأحرقوا عددًا من المركبات، كما حاولوا إحراق منازل.
وأضاف رستم لموقع “بالغراف” إن مناشدات انتشرت بين الأهالي للتصدي لاعتداءات المستوطنين، وقد تم طردهم بعد مواجهات معهم، لكنهم عادوا وجددوا الاعتداء بعد حشد عشرات المستوطنين، وبحماية من جيش الاحتلال.
وتابع رستم أن مواجهات عنيفة اندلعت مع الشبان خلال التصدي للاقتحام الجديد، أطلق خلالها المستوطنون والجيش الرصاص الحي بشكل مباشر نحو الشبان، ما أدى إلى استشهاد ثلاثة شبان، وإصابة ثمانية آخرين بجراح متفاوتة.
والشهداء الثلاثة في هجوم المستوطنين على كفر مالك هم: مرشد نواف حمايل (35 عامًا) وهو متزوج ولديه أطفال، وصاحب منزل تم الاعتداء عليه من قبل المستوطنين، والشاب لطفي بعيرات (18 عامًا)، وهو أسير محرر من سجون الاحتلال، والشاب محمد ماهر الناجي (21 عامًا).
وفي السياق، قالت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان إنه باستشهاد المواطنين الثلاثة في كفر مالك، يرتفع عدد الشهداء على يد المستوطنين منذ السابع من أكتوبر إلى 26 شهيدًا.
وأشارت الهيئة في تقرير صادر عنها إلى أن المستوطنين كثفوا من الهجمات الإرهابية بحق المواطنين العزل، نتيجة التبادل الوظيفي والرعاية المطلقة من قبل المؤسسة الرسمية في دولة الاحتلال.
وطالبت الهيئة المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية بالوقوف عند مسؤولياتها لحماية الشعب الفلسطيني وفرض العقوبات على دولة الاحتلال.
وبالعودة إلى رئيس مجلس قروي كفر مالك، قال رستم إن قرية كفر مالك محاطة بعدد من المستوطنات ومعسكر للجيش، وبعد حرب الإبادة على غزة، تم إقامة أربع بؤر استيطانية في مناطق متفرقة من أراضي القرية، ومن خلالها تنطلق اعتداءات المستوطنين على منازل وممتلكات المواطنين، والتي تتكرر بشكل دائم، فيما تشهد القرية اقتحامًا شبه يومي من قبل قوات الاحتلال.
وليس ببعيد عن كفر مالك، تتعرض بلدة سنجل شمال رام الله لاعتداءات شبه يومية من المستوطنين.
ويوم الجمعة الماضي، حاول مجموعة من المواطنين من بلدة سنجل والمزرعة الشرقية، بعد صلاة الظهر، الوصول إلى أراضيهم المهددة بالمصادرة في منطقتي “الباطن” و”التل” جنوب بلدة سنجل، لكنهم تعرضوا لملاحقة من جيش الاحتلال والمستوطنين وإطلاق النار عليهم حتى أطراف البلدة.
الناشط ضد الاستيطان في بلدة سنجل، عايد غفري، كان في ذلك الوقت يبعد عن مركبات المواطنين نحو عشرات الأمتار، حين حاصرته سيارة من المستوطنين المسلحين، ومنعوه من العودة إلى البلدة، قبل أن تحضر مركبات أخرى للمستوطنين.
وأفاد غفري لـ”بالغراف” أن المستوطنين حاولوا إخراجهم بالقوة من السيارة، كما اعتدوا عليهم، إلا أنهم تمكنوا بعد ذلك من مباغتتهم ومواصلة السير بالمركبة وصولًا إلى تجمع لآليات جيش الاحتلال، والذين بدورهم أخرجوهم من السيارة ونكّلوا بهم، ووجهوا لهم تهمة محاولة دهس مستوطنين.
وتابع غفري أنه بعد احتجاز دام ساعتين، أخلى جيش الاحتلال سبيلهم، ولكن ما إن وصلوا إلى تجمع أهالي البلدة عند المنازل القريبة، حتى شرعت قوات الاحتلال بإطلاق وابل من الرصاص وقنابل الغاز لتفريقهم، ما أدى إلى إصابته برصاصة معدنية مغلفة بالمطاط في الظهر.
من جهته، قال مدير معهد الأبحاث التطبيقية (أريج)، جاد إسحق، إنه من الواضح أن الحكومة الحالية في إسرائيل استغلت انشغال العالم بالحرب مع إيران، وبدأت تركز على مواصلة استعمار الضفة الغربية، ولم تبقِ منطقة فيها إلا واعتدت عليها، من مسافر يطا جنوبًا وحتى جنين شمالًا.
وأضاف إسحق في حوار مع “بالغراف”، أن المستوطنين نفذوا مؤخرًا سلسلة كبيرة من الاعتداءات في بلدات وقرى ترمسعيا وسنجل وكفر مالك واللبن الشرقية وشقبا ومسافر يطا وقرى جنوب نابلس وبرك سليمان في بيت لحم، وغيرها العديد من المناطق، علاوة على الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى، التي تمر دون رد فعل دولي.
وأكد جاد أن المخطط الاستيطاني يزداد بشكل غير طبيعي، وأن عنف المستوطنين تضاعف، وعدد الاعتداءات في شهر حزيران الجاري كان ضعف ما سُجل في شهر تموز الماضي.
ولفت إلى أن الاعتداءات لم تعد تقتصر على المناطق المصنفة “ج”، بل إن إسرائيل تعتبر أن “ج” انتهت، وبدأت تتجه نحو مناطق برية الخليل وبيت لحم وتصنيفها كمحميات طبيعية، لإزالة المباني الفلسطينية فيها، رغم أنها مصنفة “ب”، وهناك مقترح الآن في الكنيست الإسرائيلي لملاحقة البناء الفلسطيني ووقفه في بقية المناطق المصنفة “ب”، وإخضاعه للإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال.
وختم جاد: “المخطط الإسرائيلي واضح، وهو: أقل عدد من السكان الفلسطينيين في أقل مساحة من الأرض. وبالتالي، لا يمكن لهذا الأمر أن يؤدي إلى إقامة دولة قابلة للحياة، خاصة في ظل غياب الشرعية الدولية، وفرض شرعية رعاة البقر من المستوطنين”.
من جانبه، قال رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، الوزير مؤيد شعبان، إن قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين نفذوا ما مجموعه 1691 اعتداء خلال أيار الماضي، في استمرار لمسلسل الإرهاب المتواصل ضد الشعب الفلسطيني وأراضيه وممتلكاته.
وأوضح شعبان في تقرير الهيئة الشهري حول “انتهاكات الاحتلال وإجراءات التوسع الاستعماري” أن جيش الاحتلال نفذ 1276 اعتداء، بينما نفذ المستوطنون 415 اعتداء، وتركزت مجمل الاعتداءات في محافظات رام الله (283 اعتداء)، الخليل (271 اعتداء)، ونابلس (265 اعتداء).
وأشار إلى أن الاعتداءات تراوحت بين هجمات مسلحة على قرى فلسطينية، وبين فرض وقائع على الأرض، وعمليات إعدام ميداني، وتخريب وتجريف أراضٍ، واقتلاع أشجار، والاستيلاء على ممتلكات، وإغلاقات، وحواجز تقطع أوصال الجغرافيا الفلسطينية.