محمد عبد الله
عبر رسالة نصية، أُرسلت إلى الهواتف التي تعمل بواسطة شرائح البث الإسرائيلية، طالب المستوطنون بضرورة فرض سيطرتهم على مياه نبع عين سامية، الواقعة على أراضي قرية كفر مالك شرقي محافظة رام الله والبيرة.
وفيما يعتمد نحو 100 ألف مواطن فلسطيني على المياه المستخرجة من نبع عين سامية في كافة مناحي حياتهم، كثف المستوطنون في الأشهر الأخيرة من اعتداءاتهم على آبار مياه العين، لدرجة قطع أحد الخطوط الرئيسية، وفقدان طواقم مصلحة مياه محافظة القدس السيطرة على نظام التحكم فيها لعدة ساعات.
وفي تطوّر غير مسبوق، أعلنت مصلحة مياه محافظة القدس، عن توقف الضخ بشكلٍ كامل من آبار ومحطات المياه في منطقة عين سامية شرق كفر مالك، نتيجةً لتصاعد اعتداءات المستوطنين على المنشآت والمرافق الحيوية هناك.
وأكدت المصلحة، في بيان صحفي، صدر اليوم الأثنين، أن طواقمها فقدت السيطرة والتحكم التقني والإداري على كامل المنظومة المائية في عين سامية، بفعل سلسلة من الاعتداءات التي استهدفت على نحو مباشر شبكات الكهرباء، معدات الضخ، وأنظمة الاتصالات وكاميرات المراقبة، ما أدى إلى توقف العمل كلياً وتعطيل الضخ إلى عشرات القرى والبلدات الفلسطينية في شمال وشرق محافظة رام الله والبيرة.
وأكدت المصلحة أن المنطقة ما زالت تشهد انقطاعاً في خدمات الإنترنت وخطوط الاتصالات، مما يصعّب من عملية الوصول الفني أو إعادة تشغيل المحطات، ويحول دون تأمين الحماية اللازمة للطواقم الميدانية.
الدكتور حمد الله بعيرات، أستاذ هندسة متقاعد من جامعة النجاح الوطنية وأحد أبناء قرية كفر مالك، يحذر من أن الاستيلاء على عين سامية والأراضي المحيطة بها من قبل المستوطنين، سيشكل كارثة إنسانية بكل معنى الكلمة.
تكثيف للنشاط الاستيطاني ومحاولات للسيطرة على النبع
وفي حوار خاص مع “بال غراف”، يقول بعيرات، إنه في الأشهر الأخيرة تم تكثيف النشاط الاستيطاني في منطقة عين سامية، وشهدت المنطقة تصعيدًا في عمليات الاعتداء والتخريب والنهب للمشاريع الزراعية وأماكن إقامة رعاة الأغنام الفلسطينيين هناك.
ويلخص بعيرات مجمل هذه الاعتداءات، قائلاً: إنهم تمكنوا من تدمير كلي للمشاريع الزراعية الموجودة في منطقة عين سامية، وذلك بتخريب أو نهب كل المعدات الزراعية والبنية التحتية، وتدمير المنتجات الزراعية، وتكسير أشجار الفاكهة، وسرقة كل ما تقع أيديهم عليه، وكذلك لم تنجُ الأغنام وخلايا النحل من النهب.
الأخطر من ذلك – وفق بعيرات – أنه في الأسابيع الأخيرة قام المستوطنون بزرع مزيد من البؤر الاستيطانية الرعوية في محيط عين سامية، وذلك من الشرق والشمال والجنوب، أي أنه تم حصار منطقة العين والآبار الارتوازية، وازداد تحرشهم واعتداؤهم على موظفي مصلحة المياه، إلى أن تمادوا في الأيام الأخيرة إلى درجة اقتحام محطات الضخ وتكسير كاميرات المراقبة، وفك وسرقة البوابات، وكسر بعض أنابيب الضخ، والاستيلاء على بركة السباحة الوحيدة في سهل سامية، حيث جاؤوا بعائلاتهم للاستحمام فيها بحماية دائمة من جيش الاحتلال.
وحذر بعيرات من أننا قد نشهد في الأيام أو الأسابيع القادمة الاستيلاء الكامل على محطات الضخ والتحكم بها.
مصدر مياه رئيسي لمئة ألف نسمة
يقول بعيرات، إن عين سامية تمثل أهم مصادر المياه في محافظة رام الله والبيرة، حيث تزود المحافظة بما يزيد عن عشرة آلاف متر مكعب في اليوم الواحد، أو ما يزيد عن ٣ ملايين ونصف المليون متر مكعب من مياه الشرب والري في السنة.
وبيّن بعيرات أن منطقة عين سامية تضم 6 آبار مياه، تعمل منها حاليًا خمسة آبار، إحداها يزود مياه الري لأراضي سهل سامية التي تعود ملكيتها لأهالي كفر مالك، في حين يزيد عدد سكان البلدات الفلسطينية المستفيدة من مياه عين سامية عن مئة ألف نسمة، ولا يوجد لهم أي مصدر بديل لهذه المياه.
وبناءً على ذلك – يؤكد بعيرات – فإن عين سامية والأراضي المحيطة بها في غاية الأهمية لقرية كفر مالك ولمحافظة رام الله ككل، لأنها تشكل مصدر مياه الشرب الرئيسي، سواء للسكان أو أنعامهم أو لري أراضيهم، وكذلك للمنشآت الصناعية العديدة في المنطقة.
حول عين سامية
يقول بعيرات، إن عين سامية تقع على بعد مسافة 4 كم إلى الشرق من قرية كفر مالك، وتنبع العين من نقطة على ارتفاع 425 مترًا فوق سطح البحر، وتتغذى من مياه الأمطار الساقطة على قمم جبل العاصور، الذي يمثل أعلى جبال الضفة الغربية على ارتفاع 1016 مترًا فوق سطح البحر، وتتميز منطقة عين سامية بطبيعة خلابة، إذ تقع العين على حافة صدع جيولوجي.
وبحسب بعيرات، فإن منطقة سامية كانت مركزًا حضاريًا مميزًا عبر العصور، بدءًا من أواخر العصر البرونزي المبكر (2200 ق.م.) ثم العصر البرونزي الوسيط، والعصر البرونزي المتأخر، وصولًا إلى العصر الحديدي، ثم الفترات الرومانية، البيزنطية، والإسلامية، وأخيرًا إلى الفترة العثمانية المتأخرة.
حقوق ملكية المياه والتصرف بها
وبيّن بعيرات أن مصلحة مياه محافظة القدس تمتلك بموجب القانون الأردني امتياز مياه وآبار منطقة سامية، وتضخ المياه إلى بلدات شمال شرق المحافظة، من بيرزيت وسنجل شمالًا إلى دير دبوان شرقًا، بالإضافة إلى مدينة البيرة.
“كما يتمتع أهالي كفر مالك تاريخيًا بحقوق ملكية عين سامية والتصرف بها لكافة حاجاتهم من شرب وري لأراضيهم الخصبة في سهل سامية وسقاية أنعامهم”، بحسب بعيرات.
ومن الجدير بالذكر أن مشروع مياه عين سامية كان قد تم تدشينه من قبل الحكومة الأردنية عام 1963، حيث كانت تضخ الماء إلى مدينتي رام الله والبيرة، وجزئيًا إلى مدينة القدس.
أهمية زراعية واقتصادية لعين سامية
وأضاف أن سهل سامية، من الناحية الزراعية، استثمر فيه مزارعو كفر مالك بزراعة محاصيل شتى منها الحبوب والخضار والبصل والزعتر والحمضيات والعنب والجوافة والأفوكادو وغيرها.
وتابع أن مساحة الأراضي الزراعية في سهل سامية تُقدّر بما يقارب 600 دونم. ومن جهة أخرى، يُقدّر عدد العائلات المالكة لمشاريع زراعية حديثة ومنتجة قبل سيطرة المستوطنين على منطقة سامية بـ30 عائلة فلسطينية، حُرمت جميعها من مصدر رزقها، ومنعت من الوصول إلى أراضيها وما أنشأته من معدات وبنية تحتية.
وأردف: “كذلك فقد اعتمد العديد من رعاة الأغنام على هذه الأراضي الزراعية وما حولها من مراعي خصبة في تربية أغنامهم، والتي تشكل مكونًا أساسيًا في اقتصاد القرية، ولقد مُنع هؤلاء الرعاة من الوصول إلى منطقة سامية وما حولها وما بعدها من أراضي القرية الممتدة إلى غور الأردن.”
ويُقدّر عدد الرعاة – بحسب بعيرات – من كفر مالك نفسها، أو من البدو المقيمين في أراضيها، الذين منعهم الجيش والمستوطنون من الوصول إلى منطقة عين سامية مؤخرًا، بما يزيد عن 30، ويقارب عدد أغنامهم، من ضأن وماعز، العشرة آلاف رأس.
تاريخ التعدي على منطقة سامية
يروي بعيرات، أنه بدأ التعدي على أراضي كفر مالك، بما فيها منطقة سامية والبقية الممتدة حتى غور الأردن، في أواخر الستينات، وذلك بشق طريق ألون، التي اخترقت أراضيها الزراعية من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال مرورًا بسهل سامية.
وأكد أن هذا أدى إلى تدمير مئات الدونمات من الأراضي الزراعية الخصبة، وتلى ذلك إقامة مستوطنة كوكب الصباح عام 1980، والتي تطورت من بؤرة استيطانية إلى مستعمرة كبيرة سيطرت على مساحة واسعة من الأراضي الزراعية جنوب سامية، ولا زالت تتوسع غربًا وشمالًا وشرقًا، وتستولي على المزيد من أراضي كفر مالك المجاورة لعين سامية.
وأضاف بعيرات أنه “بعدها تمت مصادرة مساحة كبيرة من الأراضي الواقعة إلى الشمال الشرقي من عين سامية، وتم إنشاء كسارة كبيرة من قبل الاحتلال، لا زالت تبتلع الجبال والسهول وتمنع أهالي كفر مالك من الوصول إلى أراضيهم الممتدة إلى الشرق وإلى شمال الشرق حتى فصايل”.
“ثم، ومنذ عدة سنوات، بدأت عملية فرض بؤر استيطان رعوية شرق منطقة سامية، وتم منع أهالي كفر مالك من الوصول إلى أراضيهم وفلاحتها أو الرعي فيها، في منطقة سامية وشرقها حتى عين العوجا”