loading

هل تسببت “هوليوود” في قتل الهذالين؟!

جيفارا سمارة

في الـ28 من شهر تموز، وقعت مشادات خلال تصدي شبان من قرية أم الخير بمحافظة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة، لاقتحام مستوطن يدعى ينون ليفي للقرية، أسفرت عن اغتيال ناشط، تشير كل الدلائل إلى أن جريمة قتله كانت مدبرة ومقصودة، ولربما مخطط لها.

الشهيد عودة الهذالين (31 عامًا) كان يقف على بعد 50 مترًا على الأقل من المشادات، ووثقت كاميرا المخرج والصحفي الإسرائيلي يوفال إبراهام، الذي كان متواجدًا هناك عدم انخراط الشهيد في المشادات، بل وكان يقف بعيدًا ما لا يقل عن 50 مترًا دون أن يأتي بأية حركة، وفي نهاية الفيديو الجريمة، يرتفع صراخ نسوة، يندبن عودة بعد أن سقط مُضرجًا بدمائه قتيلًا.

ووفقًا لمنظمة “السلام الآن”، فقد بعث الشهيد الهذالين رسالة عبر تطبيق واتساب للنشطاء في المنطقة أبلغهم فيها بأن ليفي يحاول قطع أنبوب المياه الرئيسي لقرية أم الخير، في محاولة منه لدفع خطر المقتحم بأقل الخسائر.

فيما يعكس خطف جثمان الشهيد ورفض تسليمه نية مبيتة على قتله، وهو إجراء عادة ما تتبعه سلطات الاحتلال مع المقاومين، لا مع شهداء الذين لا يُصنفون بـ”المطلوبين” لديها.

دافع الجريمة

المجرم لم يكن مستوطنًا عاديًا بل كان مالكًا لشركة للهدم والإنشاءات، وفي عام 2024 فَرضت عليه الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، عقوبات على خلفية قيادته أعمالًا إرهابية، ما يعكس أنه على صلة بالدوائر الإسرائيلية الرسمية التي سارعت للإفراج عنه عقب الجريمة دون إدانته.

والشهيد عودة لم يكن مواطنًا عادياً أيضًا، بل كان ناشطًا سلميًا معروفاً في المنطقة، وله حضور واسع بين الصحافيين والنشطاء الدوليين، يتقن اللغة الإنجليزية ويدرسها، فيما يبدو أن الشعرة التي قصمت ظهر البعير كانت مشاركته في إنجاح فيلم “لا أرض أخرى” الذي فاز بجائزة أوسكار، فلم يكن لملامحه العربية وبشرته السوداء أن تخاطب العالم وتفضح جرائم الاحتلال.

عودة الهذالين أب لثلاثة أطفال، أكبرهم لا يتجاوز السادسة من العمر، وعُرف بنشاطه الحقوقي والمجتمعي في مواجهة الاستيطان، وتوثيق الانتهاكات الإسرائيلية، على مدى أكثر من عشر سنوات، شارك في المبادرات الشعبية والمقاومة المدنية، وكان وجهًا مألوفًا في الوقفات الاحتجاجية، وعُرف بإسهاماته في التوعية المجتمعية والتعليمية في المناطق المهددة بالمصادرة.

إلا أن تاريخ الثاني من مارس عام 2025 كان تاريخًا واضحًا لإصدار الحكم، فقد وصف وزير الثقافة الإسرائيلي، ميكي زوهار الفوز بأنه “لحظة حزينة لعالم السينما”، مؤكّدًا أن الفيلم يقدم “سرديات تُشوّه صورة إسرائيل”، ويطالب بعدم استخدام دعم الدولة للأفلام التي يصفها بأنها “تشوّه الدولة”، بل توجيهه نحو أعمال تخاطب الجمهور الإسرائيلي فقط داعيًا إلى تشريع لمنع تمويل المشاريع التي تُصوّر إسرائيل بصورة سلبية على المستوى العالمي.

فيما أدانت جمعية منظمات المجتمع المدني في كيان الاحتلال Regavim، الفيلم واصفة إياه بـ “فيلم دعاية يُقدّم سردًا ملفقًا يتجاهل الحقائق الواقعية” ويهدف إلى فرض مقاطعة أو عقوبات على إسرائيل.

فيما اتهمت منظمة Creative Community for Peace  الفيلم بأنه “سرد من جانب واحد يشيطن الإسرائيليين ويتجاهل السياق الأمني” ، وهاجمته وسائل إعلام عبرية كصحيفة ينيّت واصفة الفيلم بالدعاية الخطيرة على مصالح وأمن إسرائيل عدا عن السخط في وسائل التواصل الاجتماعي.

فكان الأمر كيف لعربي فلسطيني بدوي ان يقتحم “هوليوود” معقل القوة الناعمة الأميركية الداعمة لإسرائيل، ويشارك في تشويه صورة إسرائيل الزائفة أمام العالم.

خطورة نموذج الهذالين على إسرائيل 

استندت إسرائيل في ارهابها وجرائمها، على سردية تبرر لها في العالم كل ما ترتكب، وباتت هذه السردية تتلاشى بسبب الحقائق على الأرض التي ينقلها صحفيون وناشطون ومؤثرون مثل الهذالين، وهو ما بات اليوم واضحًا في ردود الأفعال الشعبية (من مسيرات ومواقف مؤثرين) وحتى الرسمية (من قبيل الاعتراف بدولة فلسطين) الرافضة للإبادة والجرائم في غزة وحتى الضفة. 

فقد استشهد منذ السابع من أكتوبر 2023، 230 صحفيًا، وجرح قرابة 500، حيث معظم الشهداء والجرحى من قطاع غزة، فيما دمرت قوات الاحتلال 112 مؤسسة إعلامية، وحتى شهر حزيران 2025، كان عدد الأسرى الصحفيين الفاضحين لهذه الجرائم 50 صحفيًا 2 منهم محكومين مدى الحياة.

وهي سياسة قتل حذر منها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي أشار إلى تقارير “مرعبة” حول استهداف ممنهج لصحفيين يرتدون زي الصحافة، ما يُظهر استراتيجية واضحة لإسكات من يوثّق الأحداث. 

أما على صعيد النشطاء السلميين والمؤثرين الفلسطينيين، فلا أرقام دقيقة ولكن وليس بعيدًا عن الشهيد عودة فإن قريبه الشيخ الذي تجاوز السبعين من عمره، سليمان الهذالين كان أيضًا هدفًا على قائمة الاغتيال، بعد أن تعمدت آلية للاحتلال دهسه عام 2022، بعد أن قارع الاحتلال الإسرائيلي 30 عاما وتحول إلى أيقونة المقاومة الشعبية.

أما في قطاع غزة حيث النصيب الأكبر من الشهداء، نأخذ منهم مثالين على المؤثرين: أولهما المؤثر على منصة تيك توك محمد الحليمي، الذي استشهد في غارة إسرائيلية في خان يونس في أغسطس 2024، وكان لديه أكثر من 258,000 متابع، والطفلة يقين حمّاد  فتاة فلسطينية تبلغ من العمر 11 عامًا، أصبحت معروفة بنشر فيديوهات إنسانية وإرشادات للبقاء خلال الحرب، قُتلت في قصف إسرائيلي على دير البلح في مايو 2025.

فيما باتت حادثة الطفل عبود كناشط وثّق مأساة غزة، دليل على حقد الاحتلال على كل من يوثق، فقد اختطفه الجنود، وتعرض للتعذيب قبل الإفراج عنه، ما بلغ مجتمع القانون والمنظمات الحقوقية عن فظاعة استخدام المرضى والمصابين كشهود ناقمين على النظام العسكري. 

فلسطيني الداخل أيضًا، كان لهم نصيب من القمع، منذ حرب غزة، قامت السلطات الإسرائيلية بالتحقيق مع أكثر من 400 مواطن فلسطيني داخل إسرائيل بتهم “التحريض على الإرهاب”، واحتُجز أكثر من نصفهم فعليًا. من بين هؤلاء كان معلمين، رموز رأي، ومؤثرين فيوسوبيا تمّ طردهم من وظائف أو حرمانهم من التعليم بسبب منشورات أو مظاهرات سلمية. 

في الأردن، وثّقت أمنيستي أن أكثر من 6 ناشطين تم توقيفهم قضائيًا بسبب منشورات تعاطف مع غزة أو انتقاد السياسات الرسمية أو الدعوة للإضرابات، وجُرّد بعضهم من حقوق التعليم أو العمل بناءً على قانون “الجرائم الإلكترونية” لعام 2023.

في مصر، أربع حالات اعتقال جرى توثيقها لطلاب ونشطاء بينهم أطفال بسبب منشورات أو مظاهرات تؤيد غزة، مع احتجاز جماعي تجاوز الـ123 حالة بين أكتوبر 2023 ومايو 2024، من بينهم على الأقل 53 لا يزالون رهن الاحتجاز قبل المحاكمة، فيما أظهرت مقاطع فيديو منتصف شهر حزيران 2025، مشاهد مصورة اعتداء بلطجية على النشطاء الموجودين في مصر، والذين أتوا للتضامن والمطالبة برفع الحصار عن غزة ضمن “قافلة الصمود”، وبفتح معبر رفح الحدودي في مصر، وضمت “المسيرة العالمية إلى غزة” نحو 4 آلاف مشارك من 50 بلدًا. 

أما على صعيد المتضامنين والنشطاء الأجانب، فقد سجل استشهاد 17 متضامنًا على الأقل منذ العام 2000، وجرح كثيرون آخرهم كان الناشط الأمريكي Daniel Santiago تم إطلاق النار عليه بالرصاص الحي من قبل جندي إسرائيلي أثناء احتجاج في بيتا (8 أغسطس 2024)، نتيجة ذلك تعرض لإصابة في ساقه وتحميله مشقة للوصول للمستشفى بسبب الحواجز العسكرية، واعتقل كثيرون كان آخرهما ناشطتين أجنبيتين كانتا في خيمة عزاء الشهيد الهذالين قبل أيام فقط. 

فيما اتبع أساليب أخرى مثل المراقبة والتشهير والضغط، فقد تم توثيق حملات دكسينغ وتشويه سمعة من خلال ما يعرف باسم Shirion Collective، حيث نشرت الشبكة معلومات خاصة عن ناشطي التضامن مع فلسطين في وسائل التواصل، بهدف الضغط والترهيب والاعتقال المحتمل.

كما كشف عن أن المخابرات الإسرائيلية تستخدِم برمجيات تجسس مثل “بيغاسوس” لمراقبة الهواتف الخاصة بالمدافعين عن حقوق الإنسان الفلسطينيين، بهدف كتم الأصوات المعترضة.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة