loading

الرياضيون في غزة: من لم يستشهد بالقصف مات جوعًا

جيفارا سمارة

عقب العدوان على قطاع غزة في أغسطس عام 2022، انتشرت مقاطع فيديو عديدة لغزيين بين الأنقاض ترتسم على وجوهم البسمة والإثارة وهم يتابعون مبارايات كأس العالم، صحيح أن العدوان آنذاك لا يقارن بمجازر اليوم، وأن العالم لم يشهد مجازر وتجويع وإبادة، كما هو الحال الآن، إلا أن الرياضة تبقى نبضًا حياً وشعاع أمل في أرضٍ لم يبقى فيها شبر إلا وانتشرت فيه رائحة الموت والبارود.

وفي غزة فإن الرياضة  ليست مجرد نشاط بدني، بل وسيلة مقاومة تتحدى الخراب حيث يُدفن المستقبل تحت الأنقاض، وهو ما تعمد الاحتلال قتله عند استهدافه للحجر والبشر، عندما دمر أكثر من 288 منشأة متنوعة ما بين استادات مركزية، وملاعب فرعية معشبة، وصالات مغطاه، ومسابح، ومقرات أندية ومراكز شبابية، كما وعمد إلى تحويل ما تبقى من ملاعب إلى مقابر ومعتقلات.

وعمد الاحتلال على تحويل ملاعب كرة القدم في قطاع غزة إلى سجون ومراكز تعذيب وإعدامات، وهذا ما حدث في ملعب اليرموك في غزة؛ إذ أجبر العشرات من المدنيين على خلع ملابسهم في العراء، كما أن عددًا من الملاعب الترابية في قطاع غزة تحولت إلى مقابر جماعية، ومنها إحدى الملاعب الملاصقة للمستشفى الإندونيسي شمالي غزة. 

من لم يستشهد من الرياضيين بالقصف يتهدده الموت جوعًا

وحسب معطيات المجلس الأعلى للشباب والرياضة، فإن 800 رياضي ارتقوا شهداء خلال العدوان، منهم: إسماعيل أبو دان، سامي الحلو، عماد يوسف الحواجري، عماد العبد الفيومي، أحمد علي أسعد صلاح،  الزهرة الصغيرة إيمان محمد حرز، أحمد بخيت، وسقط لاعب كرة اليد محمد عمر عبد الله أبو عبده، وأخيرًا رحل القائد أسعد أبو شوقة، نائب رئيس الاتحاد الفلسطيني للكاراتيه، شهيدًا للنزوح الطويل، بعد أن فقد منزله وابنته وأحفاده، رحل دون أن يشكو، وكأنه يعتذر من الحياة لأنه أحبّها أكثر مما يجب.

وأسفرت حرب الإبادة عن توقف النشاط الرياضي وشلله بالكامل، وهو ما أدى لفقدان أكثر من 6000 لاعب ومدرب وكادر رياضي مصدر رزقهم الوحيد، فمن المعروف أن النشاط الرياضي يساهم في إعالة الآلاف من الأسر الذين أصبحوا بلا مصدر رزق بسبب حرب الإبادة على قطاع غزة، وهو ما يعني عدم قدرتهم على توفير متطلبات الحياة في ظل الأزمة الإنسانية الكبيرة التي يعيشها المواطنون جرّاء نقص الغذاء والدواء، كما حرمت الحرب لاعبي ومدربي وكوادر الأندية من تمثيلَ فلسطين في البطولات العربية والدولية الأخيرة.

كحالة لاعب كرة القدم محمد سلمي، الذي لعب مع النادي الأهلي المصري واتحاد الشجاعية ونادي اتحاد بيت حانون، حيث قال في تصريحات صحفية: “أُجبرت على النزوح من بيتي في حي الشجاعية في مدينة غزة في ظل الحرب المشتدة، ولم أكن أتخيل أنني سوف أنزح إلى المكان الذي عشت فيه أجمل لحظات حياتي، وهو المكان الذي سجلت فيه الأهداف، واحتفلت فيه مع الجماهير، والآن أصبحت كلما دخلته أشعر بالضيق والمعاناة.

ويضيف سلمي: “حين بدأت الحرب، كانت بطولة الدوري الممتاز لكرة القدم لا تزال في البداية، في الأسبوع السابع، وآخر مبارة كانت ضد فريقي السابق نادي اتحاد الشجاعية، وكانت هذه المباراة بالنسبة إليّ خاصة جدًا، وامتزجت فيها مشاعر الحزن بسبب فريقي السابق الذي قضيت معه أجمل أيامي، لأنني سجلت فيها هدفاً، وبعد ذلك تحطمت كل أحلامي وطموحاتي، وتأثرت نفسيًا وبدنيًا وجسديًا، واستقر الأمر بي في نهاية المطاف في ملعب الدرة وسط القطاع، وكان همي الوحيد في بداية الأمر أن أوفر خيمة لعائلتي، واستطعت توفير واحدة، وبعض الحاجات البسيطة التي تقينا البرد في فصل الشتاء ومن أجل حماية أطفالي أيضًا”


ذكريات الملاعب تحت الأنقاض

كان ملعب غزة الرياضي في سابق عهده مركزًا للأحلام والتدريب، واليوم هو عبارة عن ركام محطم، مئات الأطفال والشباب الذين كانوا يرتادونه يوميًّا أصبحوا نازحين أو شهداء أو مصابين، وأصبحت الكرة نفسها ترفًا بعيدًا.

محمد أبو حجير لاعب كرة قدم شاب، كان قد تلقى عرضًا للانضمام إلى أكاديمية تدريبية في إسبانيا، وحجز مكانه على أعتاب الاحتراف، لكن اندلاع الحرب الأخيرة دمّر كل شيء، ملعبه سُوِّي بالأرض، وعائلته تضررت، وهو الآن عاجز عن السفر أو حتى التدريب.

 يقول في حديثه لصحيفة “الغارديان” البريطانية :”لقد سُرقت أحلامي..الرياضة كانت كل شيء بالنسبة لي… كانت هروبي من القلق، وكانت مستقبلي، الآن لا أملك سوى الذكريات، وأحاول ألا أفقد نفسي في هذا الظلام.”

محمد ليس حالة فردية، بل نموذج لمئات الرياضيين الغزيين الذين كبروا على الأمل، وسُحب منهم المستقبل بأشلاء القصف والحرمان. بعضهم لا يزال يحاول الركض بين الركام، وآخرون قرروا أن يُدرّبوا الأطفال في المخيمات ولو بلا معدات، لأن الحلم لا يموت حتى وإن دفنوه حيًّا.

أبطال من تحت الحصار

من بين الرموز الرياضية التي تحدت الألم، قصة ناجم أبو سمرة، بطلة الكاراتيه الغزية التي فقدت ساقها وأُصيبت في غيبوبة عقب قصف منزلها، رغم حاجتها للعلاج خارج القطاع، لم يستجب أحدٌ لنداءات عائلتها، واستشهدت وهي ما زالت رمزًا للشجاعة والإصرار. 

وفي عالم الرياضات بالتحدي، برز فريق Gaza Sunbirds للدراجات على الرغم من نقص المعدات والتشريد، ومن أبرز أعضائه: أحمد الدالي، الذي فقد ساقه في 2014، ثم استشهد في هجوم جوي في مايو 2025، فكان رمزًا للصمود والإبداع رغم كل شيء، وحازم سليمان، الذي فقد ساقه عام 2018، لكنه استمرّ بالتدريب والمساهمة في توزيع المساعدات داخل غزة، مؤمنًا بأن الرياضة هي رسالة أمل وبقاء.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة