جيفارا سمارة
في الثاني من شهر أغسطس/آب الجاري، نشر موقع “بالغراف” تقريرًا حمَّل فيه الاحتلال المسؤولية عن التخطيط لاغتيال الناشط عودة الهذالين، مستندًا في تقريره إلى مقطع فيديو وشهادات مواطنين كانوا في موقع الجريمة، أثبتت شهاداتهم أن الاستهداف كان مُدبرًا ومخططًا له. تلاه تقرير لمنظمة “بتسيلم” الحقوقية الإسرائيلية، في العاشر من الشهر ذاته، أي بعد ثمانية أيام، يؤكد ما جاء في تقرير “بالغراف”.
التقرير تطرق إلى إحصائيات تؤكد أن استهداف الهذالين كان ضمن سياسة ممنهجة، أسفرت منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى 10/8/2025 عن استشهاد 237 صحفيًا، وإصابة قرابة 500 آخرين، معظمهم من قطاع غزة، وتدمير 112 مؤسسة إعلامية، واعتقال 50 صحفيًا حتى شهر يونيو/حزيران 2025، بينهم اثنان محكومان بالسجن المؤبد، كما شملت الاستهدافات ناشطين ومؤثرين، كان أصغرهم الطفلة يقين حمّاد (11 عامًا) والتي استشهدت في دير البلح في مايو/أيار 2025، فضلًا عن ترهيب مؤثرين ونشطاء سواء من فلسطينيي الداخل عام 48، أو في الدول العربية، وحتى أجانب، كما جاء في التقرير.
“إسرائيل باتت تعتمد على سمعة المجرم لفرض أجندتها”
لكن ما كان من استنتاجات في حالة الشهيد الهذالين، التي بُنيت على معطيات وقرائن، اختلف تمامًا في حالة اغتيال الشهيد الصحفي أنس الشريف وزملائه الصحفيين الذين كانوا معه في خيمة الصحفيين أمام مجمع الشفاء في مدينة غزة ليلة العاشر من أغسطس/آب.
فبعيدًا عن أي تكهنات أو استنتاجات، جاءت الحقيقة فجة صادمة، بعد أن خرج المجرم في بيان يعترف فيه أمام العالم كله، دون أدنى خشية من العواقب، قائلًا: “استهدفنا القيادي في حركة حماس أنس الشريف، الذي تظاهر بصفة صحفي في شبكة الجزيرة، مع خلية تابعة للحركة ومسؤول عن تنسيق هجمات صاروخية ضد مدنيين إسرائيليين وقوات الجيش”.
واعترف كذلك أن الجريمة نُفذت بطائرة مسيرة، قادها جندي من غرفة تحكم عبر شاشة تنقل مباشرة من موقع الجريمة في باحة المستشفى، يقف فوق رأسه ضباط وقادة، قرروا حجب مشاهد القتل والدمار والتجويع والتعطيش عن العالم، خاصة بعد موجة السخط العالمي المتمثلة في المسيرات المنددة بجرائم الإبادة في غزة في شتى أنحاء العالم، ومواقف مشاهير ومؤسسات تصف الاحتلال بارتكاب جرائم حرب، بل وحتى وصول الأمر إلى درجة أن حلفاء الاحتلال قرروا الاعتراف بالدولة الفلسطينية كرد فعل على هذه الجرائم.
وقد جاء القتل عقب قرار المجلس الوزاري المصغر للاحتلال بتصعيد الحرب، ما يعني أنه كان مخططًا لفقء آخر العيون التي تنقل مشاهد القتل والدمار والتجويع، وإسكات الأصوات التي تصدح بصراخ الأيتام وآهات الجرحى وحسرات الثكالى، خاصة في المنطقة الشمالية من القطاع حيث أكثر الجرائم والإبادة.
وسواء قررت إسرائيل بأنها ستمضي قدمًا في عملية عسكرية واسعة، أو وضعت خُططًا بديلة، فإن أياً من السيناريوهات يقتضي تغييب عين الحقيقة.
مواقف دولية وحقوقية منددة
وفي أواخر يوليو/تموز 2025، أصدرت لجنة حماية الصحفيين – وهي منظمة دولية غير حكومية وغير ربحية مقرها مدينة نيويورك – بيانًا أعربت فيه عن قلقها إزاء ما وصفته بـ”تهديدات مباشرة وتحريض علني” ضد أنس الشريف، عقب تداول مقاطع وتصريحات على منصات التواصل الاجتماعي تشير إليه بالاسم وتشُكك في عمله الصحفي.
ودعت اللجنة في بيانها سلطات الاحتلال إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان سلامته وسلامة جميع الصحفيين العاملين في غزة، مشددة على أن استهداف الصحفيين أو التحريض عليهم يشكل انتهاكًا للقوانين الدولية التي تحمي العمل الصحفي أثناء النزاعات.
وقالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحرية الرأي والتعبير، أيرين خان، إن “التحريض العلني ضد الصحفيين في مناطق النزاع يضاعف من احتمالات تعرضهم للاستهداف، ويقوض قدرة وسائل الإعلام على القيام بدورها الرقابي”.
وفي بريطانيا، دعا المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، إلى إجراء تحقيق مستقل بشأن مقتل أنس الشريف وزملائه، مؤكدًا أن على إسرائيل ضمان قدرة الصحفيين على العمل بأمان ودون خوف. وأضاف أن ستارمر يشعر بقلق بالغ إزاء الاستهداف الإسرائيلي المتكرر للصحفيين في قطاع غزة.
من جانبه، وصف الأمين العام المساعد للاتحاد الوطني للصحفيين في بريطانيا مقتل صحفيي الجزيرة بأنه “صادم”، معتبرًا أنه استهداف إسرائيلي واضح يهدف إلى طمس حقيقة ما يحدث في غزة.
وفي لندن أيضًا، قالت منظمة العفو الدولية أنها تدين بشدة “قتل إسرائيل المتعمد للصحفيين في غارة جوية على خيمتهم الإعلامية في مدينة غزة المحتلة”.
جبارين: الميدان القانوني والحقوقي فاعل لكن بدعم من كافة المجالات
وفي تعليقه على استمرار إسرائيل في استهداف واغتيال الصحفيين والنشطاء الحقوقيين والمؤثرين، قال مدير عام مؤسسة الحق، شعوان جبارين، لـ”بالغراف”: إن حجم الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، من جرائم إبادة وجرائم حرب في غزة، وجرائم جيش الاحتلال والمستوطنين في الضفة، يعكس تبني مجتمعًا كاملًا للوحشية والإرهاب.
وأضاف: إن تبني سياسة اغتيال الصحفيين والنشطاء والمؤثرين هو رد فعل على الرفض الدولي والعالمي لإرهاب هذا المجتمع، الذي بات يخشى فعليًا من المستقبل وما يحمله نتيجة جرائمه.
وأكد جبارين أن ما نشهده من ملاحقات قانونية من عدة جهات رسمية ومؤسساتية للقادة والجنود على جرائمهم، والرفض الشعبي والرسمي لجرائم الحرب والإبادة، وحتى على المستويين الثقافي والرياضي الرافضين للفكر الصهيوني وجرائمه، والمقاطعة الاقتصادية، هو ثمرة لجهود الصحفيين والنشطاء والمؤثرين في فضح هذه الجرائم.
لكن مدير عام مؤسسة الحق استدرك قائلًا: “التوثيق الصحفي والحقوقي عمل مهم جدًا، لكنه مجرد جبهة أو مجال واحد، والاعتماد عليه وحده وهمٌ بالتحرر من الاحتلال والحماية من جرائمه ووحشيته”، مؤكدًا ضرورة تكاتف مختلف المجالات الأخرى، من الميداني والسياسي والرسمي وغيرها، لضمان التحرر.