محمد أبو علان/ خاص بالغراف
خلال العام الأخير تحدثت مستويات سياسية وعسكرية إسرائيلية أن الأردن قد تكون الساحة القادمة التي قد تستغل من أجل العمل ضد إسرائيل، وتستند تلك الرؤية الإسرائيلية على أن إيران بعد خسارتها ساحة لبنان وساحة سوريا وساحة غزة ستبحث عن ساحة جديدة للعمل ضد إسرائيل، وتدعي الجهات الإسرائيلية أن الأردن أنسب منطقة مرشحة لهذا الغرض، كونها تمتلك أطول حدود مع إسرائيل، ولكن على ما يبدو أن الادعاءات الإسرائيلية لم تتوقف عند هذا الحد، بل ذهبت حتى للتحريض على مكونات الدولة الأردنية نفسها، الرسمية منها والأهلية.
وهذا ما ظهر من خلال تقرير إخباري نشرته صحيفة معاريف العبرية حول دراسة للمناهج الدراسية في الأردن علق عليها الباحثان الإسرائيليان البروفيسور إيلي بوديه، والبروفيسور رونين يتسحاق، وهما مختصان في الدراسات الإسلامية والقضايا الشرق أوسطية عما أطلقوا عليه “مظاهر معاداة السامية في الأردن”، وقالوا إن تلك المظاهر تبيّن حجم التغيرات تجاه السلام مع إسرائيل خاصة بعد الحرب على غزة، موقف مستند على تقرير درس (294) كتاباً تعليمياً من مواضيع مختلفة في المدارس الأردنية كشفت نتائج مثيرة للاهتمام بشكل خاص حسب وصفهم.
وجاء في التقرير عن المناهج في المدارس الأردنية والذي أجراه “معهد رصد السلام والتسامح الثقافي في الكتب المدرسية” (IMPACT-se) ، معهد مصنف كمنظمة إسرائيلية غير ربحية تعمل على رصد محتوى الكتب المدرسية، ومدى توافقها مع معايير اليونسكو للسلام والتسامح، أنها تبث رسائل معادية للسامية وتبرر العنف ضد إسرائيل، التقرير درس 294 كتاباً في مواضيع مختلفة، وظهر أن هذه الكتب لا تتوافق مع معايير اليونسكو لتعزيز السلام والتسامح.
من الأمثلة الذي أوردها التقرير ما هو موجود في كتاب التاريخ الإسلامي للصف العاشر والذي عنوانه “خيانة اليهود”، فيه يتعلم الطلبة الأردنيين أن اليهود خانوا النبي محمد على الرغم من التعامل الإيجابي معهم، والدرس يعرض العديد من المواقف في التاريخ الإسلامي فيها قبائل أو أفراد يهود حاولوا المس بالنبي محمد أو بالمسلمين، بما فيها محاولة قتل النبي بالتعاون مع عبدة الأصنام، لذلك اعتبر قيام النبي محمد بطرد القبائل اليهودية وقتل محاربيها أمر مبرر.
ووراء “التشويه التاريخي” حسب وصف الباحثان الإسرائيليان، الرسائل التي تحملها الدروس ليست فقط معاداة السامية، بل تبرر العنف ضد دولة إسرائيل، في أحد الكتب جاء أن أحداث السابع من أكتوبر جاءت رداً على القمع الإسرائيلي للفلسطينيين، النتائج التي توصل إليها التقرير ليست مفاجئة، قبل عدة سنوات، في دراسة أجرتها “رابطة مقاومة التشهير” (ADL) أظهرت نتائج مشابهة، وهنا ظهر أن الكتب تنشر رسائل كراهية ضد اليهود، وتحمل رسائل معادية للسامية.
على الرغم من أنه منذ عقد من الزمان تقريبًا وعلى خلفية ظهور حركة داعش وتهديدات الإرهاب، وزارة التعليم الأردنية قامت بعملية إصلاح في المناهج التعليمية، وقامت بتعزيز محتوى التسامح، ولكنه كان تسامج انتقائياً تجاه المسيحيين أكثر وليس تجاه اليهود، وهدفت لإرضاء الغرب وليس إسرائيل.
وادعت صحيفة معاريف العبرية أن معاداة السامية في الأردن ظاهرة منتشرة على نطاق واسع، وتظهر في كل نواحي الحياة العامة، كاريكاتيرات معادية للسامية في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، عبارات التحريض من أعضاء في البرلمان، ومن صحفيين ومحللين، ومن شخصيات عسكرية متقاعدة.
كل هذا تحول لأمر اعتيادي تدعي الصحيفة العبرية، ومن أمثلة على ذلك، الجنرال الأردني المتقاعد فايز محمد الدويري ومن خلال قناة الجزيرة قال بأن اليهود معتادين على الكذب، وإن الكذب جزء من ثقافة اليهود، وتصديقاً لكلامه ذكر بن تسيون نتنياهو والد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي عمل على تحريف التاريخ ولذلك أطلق عليه لقب “أعظم مزور للتاريخ اليهودي”.
كما ادعت الصحيفة العبرية أن العقلية والأجواء السائد في الأردن أضاعت الحد الفاصل بين الانتقاد الشرعي لإسرائيل ومعاداة السامية، والملكة رانيه نفسها ساهمت في هذا النوع من الحوار عبر تصريحها لقناة CNN في العام 2023 بقولها:” إسرائيل تستخدم معاداة السامية لصد الانتقادات لها”، بالنسبة لإسرائيل الواقع في الأردن لم يتغير منذ سنوات، كلما كانت انتقادات لإسرائيل يرتفع مستوى معاداة السامية في الأردن، كما هو الحال في العالم العربي كله.
ومن بين نقاط الخلاف بين إسرائيل والأردن قرار حكومي أردني قديم يمنع دخول اليهود الذين يحملون رموزاً يهودية مرئية أو أشياء مقدسة، والهدف رسمياً الحفاظ على أمن اليهود المتدينين عند دخولهم للأردن، ولكن ترى إسرائيل في ذلك معاداة للسامية، وتطلب من الأردن تغييره، قبل سنوات طرد يهود أرادوا الصلاة دون تنسيق مسبق مع الجهات المختصة قرب قبر أهارون في مدينة البتراء بدعوى الصلاة في المكان بشكل مخالف للتعليمات.
على الرغم من ذلك، الأردن تعتبر دولة متسامح مع اللاجئين والأقليات الدينية الموجودة فيه، ويستند هذا التسامح على تقاليد قائم عليها النظام في الأردن، والذي يريد تسويق نفسه كنظام إسلامي معتدل، الملك عبد الله الأول مؤسس المملكة الأردنية كانت على علاقة جيده مع اليهود ومتعاون معهم، والملك حسين لم يدعو يومياً للقضاء على دولة إسرائيل، ولم يكن شريك في مواقف معادية للسامية، مثل مصر تحت قيادة عبد الناصر أو سوريا تحت قيادة الأسد.
علاوة على ذلك، أنشأ شقيقه الأمير الحسن “المعهد الملكي للدراسات الدينية” في عمان في عام 1994، والذي يهدف إلى جمع ممثلي الديانات المختلفة من أجل تخفيف التوترات الدينية وتعزيز السلام، بما فيهم ممثلين يهود من إسرائيل والعالم الذين أخذوا جزء في نشاطات المركز.
أما عن الواقع الحالي كتبت الصحفية العبرية: الفجوة بين التراث الهاشمي والتعبيرات العلنية عن معاداة السامية في المجال العام تؤشر على التوتر القائم بين الأردن وإسرائيل على خلفية السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، وكانت ذروتها في الخوف من تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وقد يكون من الضفة الغربية أيضاً والذي اعتبر خط أحمر بالنسبة للأردن، والذي أظهر تزايد عدم اليقين بخصوص مصير اتفاق السلام.
واعتبرت الصحيفة أن مستوى التضامن المرتفع في الأردن مع الفلسطينيين ومع حركة حماس، إلى جانب فوز جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسي للإخوان المسلمين) في الانتخابات البرلمانية 2024 أعطت الشرعية لموجة انتقادات حادة ضد إسرائيل من جانب جهات حكومية وشخصيات عامة أردنية، انتقادات لم تشمل فقط انتقادات سياسية لإسرائيل، بل تعبيرات معادية للسامية أيضاً.
وفي موضوع المناهج المدرسية في الأردن قالت معاريف أنها وخاصة كتب التاريخ والتربية المدنية والتي أعدت من جهات رسمية أردنية تظهر محتوى الخطاب الذي تريد الجهات الرسمية الأردنية نشره، وتظهر عملية التغيير في الكتب التغيير في العلاقة بين الأردن وإسرائيل ليس فقط على المستوى الشعبي، بل على المستوى الرسمي أيضاً، استطلاع أجرته مؤسسة البارومتير العربي في يناير 2025 أظهر أن 3% من الأردنيين فقط يؤيدون التطبيع مع إسرائيل، وهي النسبة الأقل على مستوى العالم العربي.
وفي مقارنة مع دول عربية أخرى كتبت معاريف: قد تكون التغيرات في المناهج الأردنية غير مفاجئة على ضوء الأجواء السائدة، لكنها مفاجئة قياساً بالتوجهات الموجودة في المناهج المدرسية في مصر، وفي السعودية والإمارات في الأعوام الأخيرة في كل ما يتعلق بصورة إسرائيل واليهود.