محمد أبو علان/ خاص بالغراف
عنف المستوطنين في الضفة الغربية ليس بالسلوك الجديد، بل هو سياسة ممنهجة ومدعومة من المستوى السياسي الإسرائيلي، وبحماية المستوى العسكري، وقد توسع هذا العنف تحت غطاء الحرب على غزة، حيث تم تهجير قرابة (33) تجمعاً رعوياً في الضفة الغربية غالبيتها بشكل كلي من منطقة الأغوار الشمالية وحتى جنوب جبل الخليل بفعل عنف المستوطنين وغض الطرف من الجيش الإسرائيلي.
في الأيام الأخيرة وصل عنف المستوطنين لمستوى لم يعد حتى بمقدور المستويات السياسية والعسكرية والإعلامية الصمت عليه، وكان آخرها إحراق مسجد في منطقة سلفيت، واقتحام قرية الجبعة في منطقة بيت لحم وإحراق مركبات ومنازل، بالأمس وزير الحرب الإسرائيلي ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو اضطروا لإدانة أعمال العنف لمئات المستوطنين في قرية الجبعه في منطقة بيت لحم في أعقاب إخلاء جيش الاحتلال لبؤرة استيطانية لفتية التلال في المنطقة، حيث عبر وزير الحرب عن دعمة لقيادة المنطقة وضباط الجيش في مواجهة عنف المستوطنين، ورئيس الحكومة عبر عن إدانته لأخذ القانون باليد من قبل المستوطنين، وقال سيعالج الأمر بنفسه عبر نقاش الأمر مع الوزراء ذات العلاقة.
وعلى الرغم من الإدانة لعنف المستوطنين في الضفة الغربية، وإعرابه عن دعم لقائد المنطقة وضباط الجيش الإسرائيلي، وزير الحرب كاتس عاد وفي ذات التصريح وأكد دعم حكومة نتنياهو للتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وقال في هذا السياق: “الحكومة برئاسة نتنياهو مستمرة في تطوير ونمو الاستيطان في كل أنحاء الضفة الغربية مع قيادة المستوطنات، ومن خلال الحفاظ على القانون وعلى أمن المواطنين واستقرار المنطقة”.
إسرائيلياً هناك من حمل وزير الحرب الإسرائيلي كاتس جزء من المسؤولية المباشرة عن عنف المستوطنين في الضفة الغربية، آفي اشكنازي المحلل العسكري لمعاريف كتب: قرار وزير الحرب الإسرائيلي مع تسلمه منصبه إلغاء الاعتقالات الإدارية ضد المستوطنين نزع أداة فاعلة في يد الجيش الإسرائيلي لمحاربة الإرهاب اليهودي في الضفة الغربية.
يانيف كوبوفتش كتب هو الآخر في صحيفة هآرتس عن عنف المستوطنين في الضفة الغربية: الضباط في الجيش الإسرائيلي يخافون التحدث مع المستوى السياسي عن عنف المستوطنين في الضفة الغربية، ويرون أن الإرهاب اليهودي يدفع بالضفة الغربية إلى حافة الانفجار.
ويرى الضباط في الجيش الإسرائيلي أن مواقف المستوى السياسي الإسرائيلي تجاه المستوطنين أضعفت موقف الجيش، ودعم وزراء الائتلاف للمستوطنين يمنع الجيش من إنفاذ القانون في الميدان، مصدر عسكري إسرائيلي قال:” لا يوجد من يقوم ويتحدث، لأنه فوراً سيتحول هدف للمتطرفين”.
وتابع المصدر العسكري الإسرائيلي حديثه لصحيفة هآرتس:” لا يوجد من ينشغل بالضفة الغربية، كلهم يعلمون أننا على حافة الانفجار، لكن لا يوجد من يقوم ويتحدث، هناك خوف حقيقي لدى الضباط من تطبيق القانون في الميدان، لأنهم فوراً يصبحون هدف للمتطرفين الذين يحظون بدعم من وزراء وأعضاء كنيست من الائتلاف الحكومي، الضفة الغربية تعتبر أكثر منطقة فيها توتر، ولكن المستوى السياسي مهتم بغزة ولبنان، نحن صامتون على ذلك، ولكن حدث واحد يمكن أن يشعل الضفة الغربية، ويدفع بكل الجيش الإسرائيلي للضفة”.
وفي سياق رصد ردود المستوى السياسي في دولة الاحتلال، هاجم رئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد جرائم فتية التلال، وقال في هذا السياق:” أعمال العنف لفتية التلال في قرية الجبعة هي مرحلة أخرى في أعمال عنف تتزايد، فتية التلال مجرمين خارجين عن القانون، وحان الوقت للتعامل معهم بقوة، يتسببون بأضرار في إسرائيل، ويتسببون بأضرار لإسرائيل في العالم، إنهم عار على اليهودية وعار على الصهيونية. حان الوقت لتنحية بن جفير جانبًا ووضع حدٍّ لهذا الأمر.”.
يلاحظ من إدانات المستوى السياسي الإسرائيلي بكل أطيافه، وهذا ما ظهر من تصريحات لبيد وآخرين لعنف المستوطنين أن الإدانة ليست من باب الحرص على الفلسطينيين وأمنهم وسلامتهم، وعلى سلامة ممتلكاتهم التي تخرب، بل من باب الحفاظ على صورة إسرائيل في العالم، وكون هذا العنف يوجه في بعض الأحيان ضد جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وهناك من كانت إدانته لعنف المستوطنين في إطار الصراع السياسي الداخلي الإسرائيلي ليس أكثر، وليس من باب مصلحة الفلسطيني المتوقفة على وقف الاستيطان، يائير جولان رئيس حزب الديموقراطيين قال: في ظل حكومة نتنياهو سموتريش الإرهاب اليهودي خرج عن السيطرة، ما يجري من إرهاب يهودي ليست غلطة، بل سياسة تعرض إسرائيل للخطر، وإن على الجيش والشاباك والشرطة أن يعملوا فوراً، وحان الوقت “للتعامل مع الإرهاب اليهودي كما يتم التعامل مع الإرهاب الفلسطيني”.
وزير الخارجية جدعون ساعر أدان هو الآخر عنف المستوطنين من ذات المنطلق بالحفاظ على صورة إسرائيلي وصورة اليهودية والصهيونية، وقال في هذا السياق: “مثيرو الشغب اليهود في الضفة الغربية يُلحقون الضرر بدولة إسرائيل، ويُحرجون اليهودية، ويُلحقون الضرر بالمشروع الاستيطاني. إنهم ليسوا نحن. إنهم ليسوا دولة إسرائيل. على الجيش الإسرائيلي، وجهاز الشاباك، وشرطة إسرائيل أن يتصرّفوا بحزم لوقف هذه الأعمال التخريبية، التي تستهدف أيضًا جنودنا وشرطتنا”.
وحتى قبل أحداث قرية الجبعة كان المراسل السياسي ليديعوت أحرنوت قد كتب في ذات السياق: على الرغم من وقف الحرب على قطاع غزة صورة إسرائيل العالمية لم تتغير، عنف المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية بات الأبرز في وسائل الإعلام العالمية، وانتقادات حادة توجه الآن للحكومة الإسرائيلية، التغيير في صورة إسرائيل لن يأتي إلا في أعقاب تغيرات جدية وكبيرة، والتحدي المركزي يبقي الرأي العام العالمي.




