loading

تظاهرة كروية وسياسية: الباسك وكتالونيا يفتحان ملاعبهما لفلسطين في ذروة حرب الإبادة

محمد عبد الله

لم تكن المباراتان اللتان خاضهما المنتخب الفلسطيني في إقليمي الباسك وكتالونيا في إسبانيا، مجرد مواجهات رياضية عابرة. فقد تحولت المدرجات والشوارع والساحات إلى ساحات تضامن سياسي وإنساني، أجّجتها حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة وما خلّفته من تعاطف عالمي واسع مع الشعب الفلسطيني.

من الباسك إلى كتالونيا، بدت كرة القدم أداة لإعادة وضع فلسطين في الوعي الأوروبي، وتأكيد أن الرياضة قادرة على كسر الحصار، وفتح نوافذ لم يكن ممكناً فتحها عبر السياسة وحدها.

حدث غير مسبوق: قراءة في المشهد من منظور الاتحاد الفلسطيني

رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم جبريل الرجوب، أكد أن مشهد التضامن الواسع في إقليم الباسك يشكّل حدثاً غير مسبوق يستحق التوقف عنده. 

وقال في تصريح لقناة “فلسطين” الرسمية، إن استضافة المنتخب جاءت بمبادرة من اتحاد كرة القدم في الإقليم، “تعبيراً عن موقف تضامني واضح مع الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة”.

وشهدت بلباو مظاهر دعم لافتة؛ أعلام فلسطينية في الشوارع، ومسيرتان شارك فيهما عشرات الآلاف، إلى جانب حضور فاق 50 ألف متفرج في ملعب “سان ماميس”. 

ويرى الرجوب أن هذه المشاهد “محطة سياسية مهمة، تعكس تحوّل الرأي العام الأوروبي تجاه القضية الفلسطينية”.

وأشار إلى أن المباراة أمام منتخب كتالونيا تأتي أيضاً في إطار تعزيز الحضور الرياضي الفلسطيني وتوسيع شبكة العلاقات الدولية، مضيفاً أن “المجتمع الأوروبي بات أكثر إدراكاً للطبيعة الإجرامية للاحتلال، موجهاً رسالة للولايات المتحدة بأن دعم الاحتلال يتعارض مع مصالحها العالمية”.

وختم بالتأكيد على ضرورة وجود “قيادة فلسطينية موحدة وقادرة على حماية المنجزات والبناء على هذا الالتفاف الدولي المتزايد”.

عدسات أوروبا تُصوّب على فلسطين: عرض رياضي… ورسالة سياسية

من جهته، اعتبر الكاتب الرياضي حسين مجدوبي أن مباراة المنتخب الفلسطيني في الباسك شكّلت محطة استثنائية في صورة التضامن الأوروبي. 

وفي مقال له نشر على “القدس العربي”، أوضح أن أكثر من 50 ألف متفرج حضروا المباراة السابقة، بينما رُفعت الأعلام الفلسطينية في الملعب التاريخي وأرجاء المدينة.

وسبق المباراة تظاهرتان في بلباو، شارك في كل واحدة منهما ما لا يقل عن 20 ألف متظاهر.

ويشير مجدوبي إلى أن برشلونة تستعد لمشهد مشابه، حيث سيحتضن الملعب الأولمبي مواجهة الفدائي مع منتخب كتالونيا، وسط دعم رسمي وشعبي واسع، من حكومة الإقليم إلى بلدية برشلونة وهيئات التضامن.

وينقل مجدوبي عن وزير الرياضة الكتالوني بيرني ألباريز قوله: “الرياضة ناقل للقيم، وهذه المباراة دعوة للأمل. كتالونيا تريد دعم الشعب الفلسطيني برسالة سلام وعدالة.”

كما تبرز مشاركة بيب غوارديولا، أحد أبرز المدربين في العالم، الذي دعا الجماهير لملء مدرجات الملعب قائلاً: “إنها أكثر من مجرد مباراة… إنها تكريم لأكثر من 400 رياضي فلسطيني قُتلوا في غزة.”

وتعود جذور تضامن غوارديولا إلى مواقفه السابقة، ومنها ارتداء وشاح فلسطيني، وتصريحاته بأن ما يحدث في غزة “مؤلم جداً، ولا يتعلق بالأيديولوجيا بل بالحب للحياة”.

ما بعد المدرجات: كرة القدم الفلسطينية كقوة معنوية وسياسية

أما المعلّق الرياضي خليل جاد الله، فقال في تعقيب لموقع “بالغراف” إن التضامن الذي حظيت به القضية الفلسطينية من خلال ملاعب كرة القدم الإسبانية، وتحديدًا في هذه الفترة، كان تضامنًا تاريخيًا وغير مسبوق.

وأكد جاد الله على ضرورة استثمار هذا الزخم بصورة أكبر وأفضل، سواء على المستوى الرياضي أو — وهو الأهم — على المستوى الوطني والرسمي، موضحًا أن كرة القدم اليوم باتت لغة الشعوب، وأن الشعوب هي التي أصبحت تحدد خيارات الحكّام والمسؤولين، ولا سيما في الغرب.

وأشار إلى أن التضامن مع القضية الفلسطينية كان استثنائيًا، وأنه سيدفع في الفترة المقبلة الكثير من الأطر الرياضية — سواء الأندية أو المنتخبات أو اللاعبين — إلى إظهار تضامن أكبر مع فلسطين، أو حتى تغيير مواقفهم تجاه القضية.

وأضاف جاد الله أن مباراة الباسك كانت استثناءً في كل شيء، وأن التضامن خلالها كان متوقعًا، لكن لم يكن من الممكن النظر إلى نتيجتها بقدر ما كان يجب النظر إلى الحالة الاستثنائية التي خلقها جمهور ملعب “سان ماميس”، خاصة أن المباراة تزامنت مع تظاهرات حاشدة في شوارع بلباو.

وأوضح أنه بعد ذلك سيلعب المنتخب في كتالونيا، وهي من أبرز المناطق المهتمة بكرة القدم في العالم، مشيرًا إلى أن اللعب هناك يشكل أحد أهم سبل الدعاية والإعلان عن القضية الفلسطينية، سواء بالنسبة للفلسطينيين والعرب أو في الوعي الأوروبي.

واعتبر جاد الله أن المباراتين قد تشكلان إعلان انطلاق جديد لموجة تضامن واسعة مع القضية الفلسطينية، على غرار ما شهدته فترة الحرب، مرجحًا أن تتزايد هذه الموجة خلال الفترة المقبلة.

الاتحاد الفلسطيني: مباراة تحمل وزنًا سياسيًا وإنسانيًا

وفي بيان رسمي، أكد الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم أن مباراة الباسك والمواجهة الثانية في برشلونة تأتيان في ظل موجة تضامن عالمية متصاعدة، وأن الرياضة باتت نافذة حقيقية لإيصال صوت الرياضيين الفلسطينيين الذين يواجهون ظروفاً قاسية تحت الاحتلال.

وأشار البيان إلى أن الصحف والقنوات الرياضية الأوروبية ركزت على البعد الإنساني لزيارة المنتخب، وعلى رمزية إقامة المباريات مع فريق يعيش لاعبوه تحديات يومية.

وأوضح الاتحاد أن المباراة في برشلونة ستقام يوم الثلاثاء 18 نوفمبر، على ملعب “لويس كومبانيس” الأولمبي، في مواجهة ينتظرها جمهور واسع نظراً لسمعة الإقليم وارتباطه التاريخي بالدفاع عن حرية الشعوب.

ويضيف البيان أن عائدات المباراة ستخصص بالكامل لبرامج دعم إنساني وثقافي وقانوني لصالح الشعب الفلسطيني، وهو ما يمنح اللقاء بُعداً إنسانياً مضاعفاً.

وتأتي هذه الجولة ضمن استعدادات المنتخب لملحق كأس العرب أمام ليبيا، إلا أن الاتحاد يؤكد أن “مباراة فلسطين وفريق الباسك لم تكن مجرد مواجهة ودية، بل حدثاً ذا وزن سياسي وإنساني يعكس مكانة الفدائي في الوجدان الرياضي العالمي”.

ومن الباسك إلى كتالونيا، يتأكد أن فلسطين ليست مجرد ملف سياسي يعالج في أروقة الدبلوماسية، بل قضية إنسانية حاضرة بقوة في ساحات أوروبا وضمائر شعوبها.

لقد تحولت الملاعب إلى ميادين تضامن، والمدرجات إلى منابر احتجاج، والأغاني إلى هتاف واحد: فلسطين حرة.

وفي ظل حرب الإبادة المستمرة على غزة، تبدو هذه المشاهد أكثر من مجرد دعم عابر؛ إنها مطالبة شعبية أوروبية واسعة بالعدالة، وفرصة سياسية يجب على الفلسطينيين استثمارها جيداً.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة


جميع حقوق النشر محفوظة - بالغراف © 2025

الرئيسيةقصةجريدةتلفزيوناذاعةحكي مدني