محمد عبد الله
تستعد مدينة شرم الشيخ المصرية، غدًا الاثنين، لاستضافة قمة دولية رفيعة المستوى، برئاسة مشتركة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الأمريكي دونالد ترامب، وبمشاركة قادة أكثر من عشرين دولة، لبحث سبل إنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وسط غياب لافت للسلطة الفلسطينية عن جدول الدعوات الرسمية، ما أثار جدلًا واسعًا حول دلالات هذا التغييب وتداعياته المستقبلية على المشهد السياسي الفلسطيني.
وقالت الرئاسة المصرية في بيان رسمي، السبت، إن القمة التي تحمل عنوان “قمة شرم الشيخ للسلام” تهدف إلى “إنهاء الحرب في قطاع غزة، وتعزيز جهود إحلال السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وفتح صفحة جديدة من الأمن والاستقرار الإقليمي”.
وأضاف البيان أن القمة تأتي “في ضوء رؤية الرئيس الأمريكي لتحقيق السلام في المنطقة، وسعيه الحثيث لإنهاء النزاعات حول العالم”، مشيرًا إلى أن عقدها يأتي بعد “تقدم ملموس” في المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحركة حماس، التي جرت خلال الأيام الماضية في شرم الشيخ برعاية مصرية وقطرية وتركية، وبإشراف أمريكي مباشر.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن الخميس عن توصل إسرائيل وحماس إلى اتفاق على المرحلة الأولى من خطة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، تضمنت انسحابًا متدرجًا للجيش الإسرائيلي من مناطق داخل القطاع، وإطلاقًا متبادلاً للأسرى، وإدخال المساعدات الإنسانية بشكل فوري، على أن تشمل المراحل اللاحقة نزع سلاح حماس وإعادة إعمار غزة.
ودخلت المرحلة الأولى من الاتفاق حيز التنفيذ الجمعة عند الساعة الثانية عشرة ظهرًا بتوقيت القدس، بعد أن صادقت عليه الحكومة الإسرائيلية فجر اليوم نفسه.
ورغم أن القمة تهدف إلى تثبيت الاتفاق ووضع آلية لتنفيذه، إلا أن استبعاد السلطة الفلسطينية من المشاركة أثار تساؤلات حادة حول طبيعة الأطراف التي ستوقع الاتفاق النهائي ومدى شرعيته السياسية.
الخبير في قضايا الصراع، نزال نزال، رأى في مقابلة خاصة مع “بالغراف” أن “عدم دعوة السلطة الفلسطينية إلى قمة شرم الشيخ ليس خطوة عرضية، بل مؤشر على تحولات عميقة في طريقة تعامل الأطراف الدولية والإقليمية معها”.
وأضاف: “السلطة الفلسطينية تتعرض لتغيير في أسلوب التعامل معها سواء من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة. ورأينا مؤخرًا كيف رفضت واشنطن منح تأشيرة دخول للرئيس الفلسطيني والوفد المرافق له لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في رسالة سياسية واضحة”.
ويشير نزال إلى أن “واشنطن وتل أبيب تنظران إلى السلطة كجسم يعاني من الفساد ويحتاج إلى إصلاح قبل أن يكون جزءًا من أي رؤية جديدة للسلام التي يقودها ترامب”، لافتًا إلى وجود تفاهم أمريكي–إسرائيلي حول ضرورة إعادة هيكلة النظام السياسي الفلسطيني ليصبح أكثر توافقًا مع الرؤية الأمريكية والإسرائيلية للمرحلة المقبلة.
ويرى الخبير أن “العتب الأكبر يقع على العرب ودول الإقليم التي لم تمارس ضغطًا كافيًا لدعوة السلطة الفلسطينية، رغم كونها العنوان السياسي المعترف به للشعب الفلسطيني”، موضحًا أن “حماس لا تعترف بإسرائيل، ولا إسرائيل تعترف بحماس، وهو ما يجعل جلوس الطرفين في قاعة واحدة أمرًا محرجًا ومعقدًا، لذلك تم تحييد كل ما هو فلسطيني عن المشهد الحالي”.
ويذهب نزال إلى أبعد من ذلك، معتبرًا أن “هذه القمة ليست مجرد حدث دبلوماسي، بل جزء من مشروع سياسي كبير قيد التبلور، سيتم الحديث عنه في وقت لاحق”، متوقعًا أن يكون هناك “توجه لإعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة في إطار تسوية جديدة، مع استبعاد أي وصاية دولية كاللتي كان يُطرح أن يقودها توني بلير سابقًا”.
ولكن هل عدم دعوة السلطة الفلسطينية قد يقود إلى مزيد من تهميشها سياسيًا في المستقبل، في الوقت الذي يتصاعد فيه نفوذ دول إقليمية مثل مصر وتركيا وقطر في الملف الفلسطيني؟ رد نزال على ذلك بأن “الولايات المتحدة وإسرائيل حاولت نقل الصراع مع السلطة الفلسطينية من إدارة الصراع إلى حسم الصراع، ولم ينجح ذلك، وهما الآن تحاولان نقله من مرحلة إدارة الصراع إلى تحويل الصراع إلى صراع اقتصادي اجتماعي بدلاً من سياسي”.
ويتابع: “هناك توجه إسرائيلي لجعل السلطة الفلسطينية بمثابة شركة أمنية وبلدية كبيرة، تنحصر مهامها في تقديم الخدمات والأمن الداخلي، دون التطرق إلى الملفات السياسية الكبرى كالقدس واللاجئين والحدود، أي تحويلها إلى سلطة وظيفية”.
في المقابل، يشير نزال إلى أن هناك “محاولات عربية لإقناع واشنطن بالإبقاء على دور للسلطة الفلسطينية في غزة والضفة، وعدم تفكيكها بالكامل، بل تحويل وظيفتها تدريجيًا بما يتوافق مع الرؤية الجديدة”.
ومع انعقاد القمة غدًا، تبقى الأسئلة مفتوحة حول مستقبل الدور الفلسطيني الرسمي في أي تسوية مرتقبة، وما إذا كانت “قمة شرم الشيخ للسلام” ستشكل نهاية للحرب في غزة أم بداية لترتيبات سياسية جديدة، قد تعيد رسم معالم القضية الفلسطينية من جديد.