محمد أبو علان/ خاص بالغراف
بفعل حرب الإبادة الجماعية المستمرة على قطاع غزة منذ أكثر من عامين، شهدت العلاقات السياسية والاقتصادية الإسرائيلية حالة من التراجع مع عدد ليس بقليل من دول العالم، وحتى مستوى التصنيف الائتماني لها على مستوى العالم تراجع، وحصل تراجع في السردية الإسرائيلية التي حاولت من خلالها تبرير الجرائم الإسرائيلية على الرغم من ملايين الدولارات التي أنفقت لترويجها.
وظاهرة التراجع هذه كانت في دول تعتبر ملعب بيتي لدولة الاحتلال الإسرائيلي بشكل عام وحكومة بنيامين نتنياهو بشكل خاص منها بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة، وعلى الرغم من أن غالبية التراجع كان على المستوى الشعبي وفي القطاعات غير الحكومية إلا أنه شكل أداة ضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلي بشكل أو بآخر.
ومن القضايا التي أقلقت الجامعات الإسرائيلية، ولم تعرها الحكومة الإسرائيلية أهمية لدواعي سياسية هي المقاطعة الأكاديمية العالمية للجامعات ومراكز البحث الإسرائيلية وعلى الباحثين الإسرائيليين أيضاً، مما دفع قسم منهم التفكير بالهجرة حفاظاً على عمله ومستقبله المهني، واعتبرت المقاطعة الأكاديمية خلال الحرب على غزة بالغير مسبوقة من حيث الحجم.
موقع The Marker العبري نشر تقريراً على موقعه الإلكتروني حول موضوع المقاطعة الأكاديمية على دولة الاحتلال خلال الحرب على غزة، وكتب في هذا السياق: “أكثر من (1000) حالة مقاطعة أكاديمية على إسرائيل، الوضع الأخطر الذي كانت فيه إسرائيل”، في الوقت الذي شهدت فيه الولايات المتحدة تراجع في حالات المقاطعة ما بين أكتوبر 2024 ومارس 2025، حالات المقاطعة في أوروبا ارتفعت بعشرات المرات، رئيس جامعة تل أبيب قال:” بدل أن تقوم الحكومة بحماية العِلم الإسرائيلي، تحاسبنا على التظاهرات ضد الانقلاب القضائي”.
وتابع موقع The Marker: خلال عام ونصف العام عدد حالات المقاطعة الأكاديمية على باحثين إسرائيليين تضاعفت ثلاث مرات، و(1000) حالة كانت في العامين الماضيين، شخصيات أكاديمية إسرائيلية ادعت أن:” البحث العلمي في إسرائيل الذي هو كنز استراتيجي مهدد بالانهيار، نحن موجودون في الظرف الأسوء في العامين الماضيين، والحكومة لم تفعل أي شيء في الموضوع”.
وحسب شخصيات أكاديمية إسرائيلية، من أجل تعويض حالات المقاطعة، الجامعات الإسرائيلية تبحث عن جامعات أقل جودة في شرق أوروبا ودول آسيوية في حال تراجعت شراكة البحث العلمي في أوروبا، وهناك قلق من أن يبدأ الباحثين الإسرائيليين التفكير بالانتقال للعيش في الخارج لكي يمنعون تضرر عملهم، ومنع تضرر قدراتهم وخبراتهم المهنية.
كما يخشى الأكاديميون من تضرر موازنات البحث العلمي بسبب استبعاد الباحثين الإسرائيليين، أحد الأكاديميين قال:” يبدو الأمر كما لو أن هناك منظمة تعمل على محو الأبحاث في إسرائيل من على الخريطة، والحكومة الإسرائيلية لا تفعل شيئًا”.
رئيس جامعة تل أبيب أرئيل بورات قال:” نحن في حالة المقاطعة الأكاديمية الأسوء خلال العامين الأخيرين، نأمل أن يتغير الأمر مع انتهاء الحرب على غزة، ولكن العداء تجاه إسرائيل لم يختفي”، وأضافت البروفيسورة ملات شامير نائب رئيس جامعة تل أبيب للشؤون الدولية:” في الولايات المتحدة تبقى أعضاء هيئات أكاديمية يرفضون إقامة علاقات عمل مع أكاديميين إسرائيليين، في أوروبا الوضع أسوء بكثير، هناك المقاطعة الأكاديمية تتوسع بخطوات كبيرة، المتضررون بدرجة كبيرة هم الباحثين الشباب، وهذا ضرر بعيد المدى”.
رئيس جامعة بن غوريون، ورئيس لجنة رؤساء الجامعات الإسرائيلية، البروفيسور دانييل حايموفيتش قال: “لقد قدر زملاؤنا في الخارج أن إسرائيل ستحتاج إلى عقد من الزمن لاستعادة علاقاتها مع الجامعات الأوروبية”.
“المقاطعة الخفية أكثر بكثير”:
خلال العامين الماضيين (40) جامعة في الخارج أعلنت عن وقف التعامل مع الجامعات الإسرائيلية بشكل كلي أو جزئي، وجزء من القرارات جاء من الطاقم الأكاديمي وليس من إدارات الجامعات، سجلت لجنة رؤساء الجامعات أكثر من (1000) حالة مقاطعة للمؤسسات والجمعيات المهنية أو مجموعات البحث أو الباحثين الأفراد، وهذا يشكل ثلاثة أمثال العدد في العام الماضي.
قائمة المقاطعات الأكاديمية مكونة من تقارير الباحثين الإسرائيليين الذين واجهوا رفض التعاون معهم، أو رفض دعوتهم للقاءات من جانب باحثين في العالم، جامعات ومراكز أبحاث وجمعيات مهنية، ورفض باحثين من الخارج المجيء للبلاد، ووقف التعاون في برامج تبادل الطلبة، والتأخير في نشر الأبحاث، وتعابير معادية للسامية تجاه باحثين إسرائيليين.
عملياً، حجم الظاهرة تزايد بشكل كبير، حسب مصدر رفيع في القطاع الأكاديمي:” الجامعات الإسرائيلية لا ترصد إلا التصريحات العلنية ضد إسرائيل، ولكن المقاطعة الخفية ضد إسرائيل أكبر بكثير، الباحثون الإسرائيليون تضرروا بشكل كبير خاصة الشباب منهم، ولا يقولون لهم في الوجه أن هذا بسبب سياسة الحكومة الإسرائيلية أو بسبب الحرب، ترى تراجع في حجم تمويل الأبحاث من الخارج، والسبب أن كثير من الباحثين في الخارج يستبعدون الباحثين الإسرائيليين.
رئيس الأكاديمية الإسرائيلية للعلوم البرفسور دافيد هارئيل قال:” للكثير من حالات المقاطعة يوجد وجه مخفي، ويمكن ألا نعلم حالة الضرر التي أحدثته، أثر هؤلاء يكون على موازنة البحث في إسرائيل لسنوات قادمة”.
“الحكومة لا تقوم بدورها في الموضوع”:
في ظل غياب تحركات كافية من طرف الحكومة، أقامت لجنة رؤساء الجامعات قبل عام ونصف لجنة مواجهة المقاطعة الأكاديمية، والتي كان دورها جمع معلومات عن حالات المقاطعة الأكاديمية وخوض معركة قانونية ضدها في الخارج، وعبر الاتصال بالجامعات والجماعات المهنية والتوعوية، وهي التي يمكن أن تكون جعلت الاتحاد الأوروبي يتراجع عن استبعاد إسرائيل من مشروع أبحاث الأفق، والذي يشكل أنبوب الأوكسجين للأبحاث في إسرائيل، في المقابل للجنة المواجهة التي شكلها رؤساء الجامعات، توجد قوى كبيرة مدعومة من “حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات”، ومنظمات أعضاء هيئات التدريس، والمنظمات الطلابية في جميع أنحاء أوروبا تدفع باتجاه فرض المقاطعة.
عن دور الحكومة قال بورات أومر: “دور الحكومة الإسرائيلية الدفاع عن العلوم الإسرائيلية كما تدافع عن أهداف دولة إسرائيل الأخرى، رغم ذلك لم تتلقى لجنة رؤساء الجامعات أية مساعدة منها لمواجهة حملات المقاطعة، ولا حتى موازنة للحملات القانونية أو الحملات الإعلامية، إسرائيل تتعرض لحملات من أجل طردها من أبحاث الأفق، كنا نأمل من وزارة الخارجية أن تعمل مقابل الدول الأوروبية، للحفاظ على العِلم الإسرائيلي في أوروبا ومنعه من الانهيار، في المقابل يعملون على محاسبة الجامعات على الاحتجاجات ضد الانقلاب القضائي”.
وليس فقط الحكومة لم تقم بدورها في مساندة الجامعات الإسرائيلية لمواجهة حملة المقاطعة الأكاديمية، بل اتهمتها بأنها يسارية، وإنها هي التي جلبت ذلك على نفسها، مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية قال لهم في لقاء بينهم:” الأكاديميون يساريون، وهم من تسببوا بذلك لأنفسهم، أنتم تريدون مساعدتنا، أنتم من يتحمل المسؤولية”.
حالات المقاطعة في هولندا تضاعفت:
في 15 أكتوبر، بعد وقف إطلاق النار في غزة وعودت كل الأسرى الأحياء، أعلمت جامعة أمستردام الطاقم التدريسي والباحثين في الجامعة عن رفضها لأي شكل من أشكال التعاون مع إسرائيل، وكتب عمداء الكليات في الجامعة:” يوجد بين أيدينا أدلة على إبادة شعب في قطاع غزة، وإسرائيل لا تحترم القانون الدولي، وللمؤسسات البحثية في إسرائيل علاقة مع الحكومة، ولا يمكننا استبعاد أن يكون لهذه العلاقة دور في انتهاك حقوق الإنسان في غزة”.
ووفق تقرير أعده فريق مواجهة المقاطعة الأكاديمية على إسرائيل والذي شكله رؤساء الجامعات جاء إنه أكثر حالات المقاطعة التي كانت خلال العام 2024 وحتى شباط 2025 كانت في الولايات المتحدة وبلغت (70) حالة مقاطعة، ولكن منذ ذلك التاريخ سجلت تراجع في عدد الحالات في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن هذا التراجع في الولايات المتحدة رافقه ارتفاع في أوروبا.
في ذات الفترة الزمنية 2024 وحتى شباط 2025 سجل في اسبانيا (45) حالة مقاطعة، وهذا شكل ارتفاع بنسبة 125%، في بريطانيا وهولندا سجل ارتفاع 40%، وهذا شكل ارتفاع بنسبة 60% و100% بالتوالي، وفي بلجيكا (69) حالة، ارتفاع بنسبة 50%، وكانت أنباء عن مقاطعة في كندا وبلجيكا وفي دول أخرى.




