جيفارا سمارة
في الثامن عشرة من شهر أيلول 2025، أغلقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي المعبر الحدودي بين الأردن والضفة الغربية، عقب مقتل مستوطنين اثنين في عملية إطلاق نار على جسر “اللنبي” نفذها جندي أردني متقاعد كان يقود شاحنة قبل ان يستشهد.
المعبر أعيد فتحه لحركة المسافرين، ولكنه منذ ذلك الوقت وحتى الآن، والاحتلال يرفض إدخال البضائع المستوردة، ما تسبب في خسائر اقتصادية هائلة، على قطاع الصناعات وانعكس أيضًا على السوق والمستهلك.
يقول رئيس اتحاد الغرف التجارية الصناعية الزراعية عبده إدريس لـ”بالغراف”، إن الخسائر الاقتصادية هائلة فلا المواد الخام اللازمة وعلى رأسها الأسمنت، وللصناعات في مختلف المجالات، تمنع سلطات الاحتلال إدخالها كما ويمنع تصدير أي منتجات تجارية وصناعية وزراعية، وهو ما يخلق آثار كارثية.
وبلغت إجمالي الصادرات الفلسطينية لعام 2022 حوالي 1.3 مليار دولار أمريكي، أبرز صادرات فلسطين هي المنتجات الزراعية (مثل الزيتون وزيت الزيتون)، بالإضافة إلى المنتجات الصناعية (الأسمنت، الحجر والرخام)، والمنتجات الغذائية، فيما بلغ إجمالي الواردات الفلسطينية لعام 2022 بلغ حوالي 6.7 مليار دولار أمريكي، تشمل الواردات بشكل أساسي الوقود، المعدات الكهربائية، المواد الغذائية، الأدوية، والمركبات.
ويشير إدريس إلى أنه وقبل السابع من أكتوبر كان يدخل إلى الضفة من 450-600 شاحنة، بعد العملية الأولى التي نفذها سائق شاحنة أردني أدت إلى مقتل 3 من قوات الاحتلال، على معبر “اللنبي” في سبتمبر/أيلول 2024، انخفض هذا العدد إلى حوالي 30 شاحنة يوميًا، أما الآن ومنذ العملية الثانية هناك منع تام.
ويؤكد رئيس اتحاد الغرف التجارية الصناعية الزراعية أن إسرائيل تنقل تجربة معابر غزة إلى الضفة وتطبقها، لافتًا إلى أن المعابر بين الضفة وإسرائيل أيضًا تواجه مصاعب جمة.
وبحسب تقرير البنك الدولي لعام 2020، تتسبب الحواجز العسكرية والجدار الفاصل في خسارة نحو 2.5 مليار دولار سنويًا من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني، وهذا يشكل حوالي 10-15% من إجمالي الناتج المحلي الفلسطيني، كما يلاحظ التقرير أن هذه الخسائر تزداد بشكل تدريجي إذا استمرت هذه القيود على الحركة والتنقل.
في تقرير أعده البنك الدولي حول “التجارة الفلسطينية”، أشار إلى أن الحواجز تحد من قدرة الفلسطينيين على التصدير، حيث يتعين عليهم عبور نقاط تفتيش متعددة، مما يرفع تكاليف النقل بشكل كبير.
فيما قدر تقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا ESCWA أن الحواجز ترفع تكاليف النقل بنسبة تتراوح بين 30% إلى 40% للمنتجات المحلية عند محاولة دخول الأسواق في الضفة الغربية أو غزة.
سامر دحادحة تاجر من محافظة رام الله، يمتلك مصنع دهانات كان يعمل فيه 20 عاملًا اليوم أصبح لا يعمل معه سوى إخوته، بعد أن ألحقت الإجراءات الإسرائيلية به خسائر فادحة.
يقول دحادحة ل”بالغراف” استوردت مواد خام للمصنع بعد حصولي على تمويل بنكي بقيمة 700 ألف دولار، هي الآن محتجزة على جسر الملك حسين على 23 شاحنة، لا استطيع إدخالها ولا تقبل الجهة الموردة إرجاعها نظرًا لعدم تمكني من تسلمها، وكل شاحنة تكلفني يوميا 70 دينارًا اجرة حملها للبضاعة، وهذا حال العديد من التجار الآخرين المحتجزة بضاعتهم، لدرجة أن بعضهم وزع بضاعة بالمجان لتلافي خسائر أكبر.
ويضيف هذه البضاعة دفعت مسبقًا ضريبتها، قبل أن تعبر الحدود وقد لجأت إلى كافة الرسمية والمختصة، ولا أحد يقبل مساعدتي، وخسائري الآن هائلة جدًا ولا أعرف ماذا أفعل.
ويشير التاجر إلى أن سلطات الاحتلال تحاول القضاء على فئة التجار الفلسطينيين لجعل السوق الفلسطينية، رهينة التاجر الإسرائيلي الذي سيغرق السوق المحلي بأسوأ جودة ونوعية وبأغلى الأسعار، أو أن تستورد فقط عبر التاجر الإسرائيلي ما يرفع الأسعار إلى أكثر من الضعف، ودون أن تحصل وزارة المالية على “مقاصة” ضريبية ما يحرم الخزينة الفلسطينية من أموال طائلة.
بدوره، يشدد المحلل والخبير الاقتصادي طارق الحاج في حوار مع “بالغراف”، على أن هذا المنع سيزيد من كلفة البضائع ما سيجعل تاجر الجملة يرفع سعرها على تاجر التجزئة الذي بدوره سيرفعها على المواطن الفلسطيني المنهك والمعدم اقتصاديًا أصلًا في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وانعدام الرواتب والظروف الصعبة، عدا عن خسائر منع التصدير التي تلحق اضرارًا كبيرة بالمنتج الفلسطيني.
ويحذر الحاج من أن إسرائيل تحاول إيجاد بيئة طاردة للمواطن الفلسطيني المتمسك بأرضه، عبر الخنق الاقتصادي والإفقار والبطالة، إضافة إلى القتل والاعتقالات والاعتداءات وإغلاق الطرق ….في محاولة للتهجير.
وينوه الحاج إلى أن الخطر الأكبر يكمن في تزاوج رأسمال غير وطني محلي فلسطيني مع نظير له إسرائيلي في سبيل الكسب، على حساب المصلحة الوطنية العليا، وإذا ما نظرنا لها من زاوية اقتصادية ستكون سلع سيئة جدًا وربما حتى أكثر بجودة متدنية وبأسعار عالية.
ومنذ مايو – أيار، تحتجز إسرائيل أكثر من 10 مليارات شيقل من الأموال التي تجمعها من الضرائب والرسوم نيابة عن السلطة الفلسطينية، ما خلق أزمة رواتب دخلت عامها الخامس الآن حيث تسدد الحكومة الفلسطينية ما مقدراه نصف راتب فقط وبشكل غير منتظم، ويشير البنك الدولي إلى أن هذه الإجراءات المستمرة أدت إلى تآكل قاعدة إيرادات السلطة الفلسطينية بشدة مما فرض قيودًا شديدة على تمويل الخدمات الأساسية، ووإذا ما استمرت هذه الآليات، فقد تؤدي إلى انهيار مالي”.
فيما تشير صحيفة تايمز أوف إسرائيل (The Times of Israel) الإلكترونية إلى أن عدد العمال الفلسطينيين الذين يسمح لهم بالدخول الآن إلى إسرائيل قد تقلص إلى 11% فقط مما كان عليه قبل 7 أكتوبر، ما يتسبب في خسائر اقتصادية هائلة أيضًا.
من جانبه، قال وائل الشيخ، وكيل وزارة الصحة الفلسطينية، إن هناك نقصًا حادًا في الأدوية، بما في ذلك أدوية الأورام ومستلزمات الجراحة العامة.




