loading

الذراع الرسمي لدولة إسرائيل

جيفارا سمارة

يُظهر مقطع فيديو انتشر، على وسائل التواصل الاجتماعي حجم الدعم المالي من مخازن للالبسة والتجهيزات اللوجستية، والاسناد الرسمي من قوانين وتشريعات، واسلحة لعصابات المستوطنين في الضفة الغربية، تجعل منهم اشبه بجيش نظامي او دولة لها من الوزراء اكثر ما ليهود الساحل.

وأكدت هيئة البثّ الإسرائيلي الرسمية نفسها، على صفحتها على الانترنت بتاريخ 26.6.23، تحت عنوان: “شبيبة التلال على علاقة متواصلة بوزراء ونواب” ان عصابات المستوطنين وخاصة شبيبة التلال يستمدون تصرفاتهم من علاقتهم بوزراء 4 منهم على الأقل من المستوطنين بن غفير يقيم في مستوطنة كريات أربع، 

سموترتش يقيم مستوطنة قدوميم، أوريت ستروك وزيرة المستوطنات والمهام القومية يقيم بالخليل، أميخاي إيلياهو  وزير التراث يقيم في مستوطنة ريمونيم.

وبحسب إحصائيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان فإنه ومنذ عام 2015 وحتى منتصف العام الجاري 2020، فإن عدد جرائم وانتهاكات المستوطنين تجاوزت الـ14300 جريمة، من قتل وسرقات وتخريب لممتلكات ومزروعات، واعتداءات وإغلاق طرق…وغيرها من جرائم.

وتُعرِّف الأمم المتحدة «الجماعة الإجرامية المنظمة» بانها مجموعة مُنظَّمة قائمة لفترة من الوقت أو تعمل معًا، ذات نشاط يمتدّ زمنياً وتهدف إلى ارتكاب الجرائم الخطيرة مع وجود ارتباط منظّم بين مرتكبيها.

ويصف صبري صيدم نائب أمين عام اللجنة المركزية لحركة فتح، والمستشار السابق للرئيس الفلسطيني والوزير حكومتين سابقتين، أن ما يجري في الضفة الغربية المحتلة بانه، حرب متكاملة الأركان هدفها هو ضم الضفة والسيطرة عليها، بخلاف ما يقوله الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

ويشير  صيدم إلى أن ما قاله ترامب عن عدم سماحه بالضم هو كلام للاستهلاك الإعلامي لا اكثر، وأن ما يجري في كل لحظة هو دليل واقعي على أن إسرائيل تضم الضفة باستخدام رعاع المستوطنين المدعومين من قبل جيش الاحتلال وقوانينه الجائرة.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد قال في اب/أغسطس الماضي “أنه لن يسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية”حيث شككت وكالة “أسوشيتيد برس” الأميركية آنذاك، بجدية وقدرة ترامب على إجبار نتنياهو على اتخاذ قرار في هذا الشأن، فيما قالت “وول ستريت جورنال” إن العلاقة بينهما موضع تدقيق بعد أن تحدى نتنياهو مراراً وبشكل علني رغبات الرئيس الأميركي.

أما صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، أكدت أن الحقائق التي تفرض على الأرض بفعل جرافات المستوطنين تعني ضمًا كاملًا، أو حتى جزئيًا ولكنه يقضي على احتمال قيام دولة فلسطينية.

ويشير الباحث في الشأن الإسرائيلي وليد حباس إلى أن عصابات المستوطنين مثل شبيبة التلال تحوّلت من هامش راديكالي إلى ذراع تنفيذية ميدانية في إطار مشروع “إعادة الاستيطان في غزة والضفة”، مدعومة من وزراء ومسؤولين يتبنّون رؤيتها العقائدية.

ويؤكد حباس أن أفراد هذه العصابات يتعمدون عيش شظف الحياة بشكل مقصود في أكواخ خشبية أو خيام فوق التلال دون كهرباء أو ماء دائم. يربّون الأغنام، يزرعون الأرض، ويعملون بأيديهم في البناء والحراسة، ويرتدون ملابس بسيطة ومتسخة غالبًا، فوق شعر طويل ولُفّات جانبية كثيفة. يأكلون طعامًا بسيطًا محليًا – خبزًا، خضارًا، جبنًا من إنتاجهم – ويرفضون المأكولات الصناعية. يستمع بعضهم إلى موسيقى دينية عبرية أو أغاني شعبية روحية، بينما يتجنب آخرون التكنولوجيا تمامًا. يعيشون بانعزال شبه تام، يرون في هذا النمط “طهارةً” من الحداثة وعودةً إلى حياة التوراة الأصلية.

ويضيف مرت هذه العصابات بمراحل تطور عدة، أولها التكوين والتمرد الأول التي جمعت بين الحماس الديني–الخلاصي والتمرد على الدولة ومؤسساتها، مع قناعة راسخة بأن الاستيطان اليدوي والرعوي هو فعل خلاص ديني يسرّع “قدوم المخلّص”، شملت انتهاكات تعد بسيطة مقارنة مع جرائم هذه المرحلة.

ويقول الباحث أن المرحلة الثانية كانت “الراديكالية العقائدية” عقب الانسحاب من غزة عام 2005 التي شكلت نقطة تحوّل مركزية في مسار شبيبة التلال؛ إذ رأى أفرادها في هذه الخطوة خيانة من الدولة ونهاية لمشروع الاستيطان الديني، لتصبح التلال مختبرًا أيديولوجيًا يرفع شعار إعادة بناء “مملكة إسرائيل على أساس التوراة، مجتذبة أفرادًا من خلفيات حضرية فقيرة، شعروا بالتهميش داخل المجتمع الإسرائيلي، ووجدوا في التلال فضاءً يمنحهم هوية ومعنى وروح انتماء. 

ويشير حباس إلى أن المرحلة الثالثة تمثلت بـ”الدمج المؤسسي” حيث أدّى قتل الطفل أبو خضير في القدس (تموز/يوليو 2014) ثم إحراق عائلة دوابشة في قرية دوما (تموز/يوليو 2015) إلى زلزال داخل إسرائيل، إذ صُنّفت الأفعال “إرهابًا” حتى من قبل قادة اليمين. أعقب ذلك موجة اعتقالات استخدمت فيها الأجهزة الأمنية، على نطاق واسع، الاعتقال الإداري ضد إسرائيليين. ومع ذلك، تراجعت الحملة تدريجيًا مع صعود اليمين الديني المتشدد إلى الحكم.

ويتابع: بين عامي 2017 و2023، تحوّلت العلاقة من الشجب إلى الدمج غير المباشر: جرى تشريع عشرات البؤر الاستيطانية، وشارك خريجو شبيبة التلال في تأسيس منظمات زراعية واستيطانية تحظى بتمويل حكومي مباشر، وتزاوج أيديولوجيًا “الاحتلال الرعوي” مع الخطاب الرسمي “السيادة على يهودا والسامرة”، وأصبح بعض قادة شبيبة التلال، مثل تسفي سوكوت، فاعلين سياسيين مؤثرين؛ إذ تولّى سوكوت مسؤولية “ملف يهودا والسامرة” في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، وهي لجنة محورية في صنع القرار الاستراتيجي، وتصاعدت الهجمات خصوصًا في شمال الضفة، حيث تحوّلت مجموعات الرعي إلى ميليشيات محلية تعمل تحت غطاء “حماية الأرض”، مما عمّق الطابع العنيف والعقائدي للحركة.

وعن المرحلة الرابعة (ما بعد حرب 2023): من الهامش الراديكالي إلى الذراع التنفيذية، يقول الباحث أعقبت حرب غزة عام 2023 مرحلة جديدة اتسمت بارتفاع غير مسبوق في مستوى العنف المنهجي ضد الفلسطينيين، وسط قبول رسمي ضمني من مؤسسات الدولة، واستُخدمت الحرب كغطاء سياسي وميداني لتوسيع البؤر الاستيطانية وإقامة مزارع رعوية جديدة بتمويل مباشر من وزارات حكومية، ولا سيما من وزارة الاستيطان والزراعة التابعة للتيار الديني–الصهيوني. 

ويضيف: تحوّلت شبيبة التلال من هامش راديكالي إلى ذراع تنفيذية ميدانية في إطار مشروع “إعادة الاستيطان في غزة والضفة”، مدعومين من وزراء ومسؤولين يتبنون رؤيتهم العقائدية. وقدّمهم الإعلام اليميني كـ”طليعة أمنية وزراعية” تعمل على “تأمين الأرض” و”استعادتها وترافق ذلك مع إعادة صياغة خطابهم الديني والإعلامي عبر شبكات مغلقة تستخدم التكنولوجيا الحديثة على نحو انتقائي، كوسيلة تعبئة أيديولوجية ودعائية، مع الاستمرار في رفض مظاهر الحداثة في حياتهم اليومية.

ويلفت حباس إلى أن ذلك كله منح العصابات طابعًا يجمع بين الانعزال الديني والتوظيف السياسي المباشر داخل مشروع الدولة الاستيطاني، وأصبحوا اليوم يمثلون جيلًا جديدًا من المستوطنين المتمرّدين–المدمجين: خارج القانون الشكلي، لكن داخل المشروع الرسمي. هكذا، تحوّل التمرد الأول إلى مؤسسة استيطانية هجينة تجمع بين الفوضى الدينية والشرعية السياسية، في هذه الفترة بدأ إرهابهم يتخذ طابع أكثر تنظيمًا، واتساعًا، وتكرارًا.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة


جميع حقوق النشر محفوظة - بالغراف © 2025

الرئيسيةقصةجريدةتلفزيوناذاعةحكي مدني