loading

التعليم الجامعي رهن الاعتقال الإداري

هيئة التحرير:

في العشرين من أيار/ مايو الماضي أصبح القرار العسكري الإسرائيلي، الذي يقيد التحاق أكاديميين وطلبة من الخارج بالجامعات الفلسطينية، ساري المفعول، في خطوة تشبه الاعتقال الإداري الذي تطبقه سلطات الاحتلال في سجونها بحق الأسرى الفلسطينيين.

ودأبت سلطات الاحتلال على فرض قيود على التحاق الأكاديميين الأجانب للجامعات الفلسطينية، وتجديدها في كل عام، بما تتضمن من شروط وآلية حصول الأكاديميين والطلاب الأجانب على تصاريح الإقامة.

 وحدد القرار العسكري عدد المسموح بهم بـ 100 أستاذ، و 150 طالباً، حيث تنص شروط الاحتلال أنه على المتقدم التوجّه إلى سفارة أو قنصلية دولة الاحتلال حيث يُقيم ليقدّم الطلب، ومن ثم تُجرى معه مقابلة، تقوم جهة في وحدة “المنسق” بفحص نتائج المقابلة ووثائق الطالب لتقرير ما إذا ستعطى له تأشيرة دخول، على أن تكون التأشيرة لمدة سنة واحدة، مع إمكانية تمديدها.

ونشر منسق أعمال حكومة الاحتلال في الضفة وغزة في شباط/ فبراير بنود القرار العسكري، وهي تسمح للمنسق بتحديد مواضيع الدراسة في الجامعات الفلسطينية المفتوحة أمام الطلاب الأجانب، وبالتالي هذا يجعله مسؤولا عن تحديد توجهات وخطط الجامعات الفلسطينية، كما أنها حددت فترة التعليم القصوى المسموح بها للمحاضرين الأجانب بـ 5 سنوات غير متواصلة، يتخللها إلزام المحاضر بالمكوث مدة 9 أشهر خارج البلاد بعد الأشهر الـ 27 الأولى من نيل تصريح التعليم.

وإذا كان القرار يعيق تطور الجامعات الفلسطينية، ويمنع فتح برامج تدريسية جديدة يعتمد تدريسها على أكاديميين أجانب خاصة ما يتعلق بمساقات اللغات، ويُفشل قدرة الجامعات على التخطيط والتطور، فإنه يعكس حقيقة الوضع في الضفة الغربية، الخاضعة لقرارات “المنسق” الذي تحول إلى الحاكم الفعلي للضفة الغربية، وصاحب القرار على المؤسسات الأكاديمية والتعليمية الفلسطينية.

وقال نائب رئيس جامعة بيرزيت للتنمية والاتصال غسان الخطيب لـ “بال جراف”، إن القرار العسكري الإسرائيلي هو امتداد لسياسة تقييد الحياة الأكاديمية في فلسطين، مضيفا ” منذ أكثر من عامين ونحن في مواجهة إعلامية وقانونية ودبلوماسية مع إسرائيل حول هذا الملف”.

وقال الخطيب “هذا القرار يعتبر أكبر قيد أمام تطور وتوسع ونمو الجامعات الفلسطينية، لأنه لا يوجد جامعة تستطيع أن تعيش دون تبادل أكاديمي، كون أحد معايير تقييم الجامعات هو مدى وجود زائرين أجانب من الطلاب والأساتذة لها”.

ويحرم قرار الاحتلال طلاب الدراسات العليا، من الاطلاع على خبرات وطرق تدريس ومنهجيات بحث أكاديمية عالمية، إذ يقول الخطيب “هذا القرار هو أحد أشكال محاربة الشباب الفلسطيني”.

جامعة بيزريت

وأشار الخطيب أن أخطر ما يحمله القرار العسكري، هو أنه “يحدّ من قدرة الجامعات من الاستفادة من أساتذة من الخارج، ويعطي إسرائيل حق التدخل في تقرير عدد الملتحقين في الجامعات والتخصصات المسموح بها وغير المسموح بها”.

يعد القرار العسكري الجديد استكمالا لقرارات عسكرية مشابهة سابقا، جرى توسيع بنودها بما يسمح بمزيد من التدخل في الأكاديمية الفلسطينية، وقد أكد الخطيب “في عام 2019 كان هناك زيادة ملحوظة في القيود المشددة، وصار لدينا عدد كبير من الأساتذة الذين ترفض إسرائيل تجديد الإقامة لهم أو الموافقة على قدومهم، بمعدل يفوق المعدل الاعتيادي”.

ودفعت السياسة الإسرائيلية الجديدة، جامعة بيرزيت إلى إطلاق حملة دبلوماسية مع السفراء والدبلوماسيين الأجانب لشرح خطورة سياسة الاحتلال، وتوكيل مؤسسة عدالة في الداخل الفلسطيني المحتل، للقيام بجهود قانونية في هذا المسار، إلى جانب الاستعانة بهيئة الشؤون المدنية الفلسطينية، لكن دون نتائج.

وقال الخطيب ” قبل أسابيع كانت هناك طالبتين ألمانيتين في طريقهما إلى جامعة بيرزيت في برنامج تبادل أكاديمي، في مجال تكنولوجيا المعلومات، وعند وصولهما إلى مطار اللد وسؤالهما عن وجهتهما، التي كانت جامعة بيرزيت، تم ارجاعهما وعدم السماح لهما بالمرور، ومنعوهما من دخول إسرائيل لمدة 10 سنوات قادمة”.

وأكد الخطيب أن رئيس الجامعة السابق خليل الهندي كان أكبر مثالا على قيود الاحتلال، حيث كان يجدد له الإقامة كل 3 شهور، وأحيانا يضطر إلى السفر للخارج والانتظار شهور حتى تصدر الإقامة.

ويأتي القرار العسكري الإسرائيلي في الوقت الذي بدأت به المؤسسات الأكاديمية والجامعات العودة إلى الحياة التعليمية الطبيعية وفتح المجالات، بعد عامين من جائحة كورونا، التي اعتمدت خلالها الجامعات على التعليم عن بُعد ولم تكن بحاجة إلى استقدام أكاديميين من الخارج.

وتعمل جامعة بيرزيت مع مركز عدالة في الداخل المحتل ومؤسسات حقوقية منذ نحو 3 سنوات، من أجل وقف سياسة الاحتلال في منع الأكاديميين الأجانب من دخول فلسطين.

وطالبت جامعة بيرزيت ومؤسسة الحق ومركز عدالة، في خطاب أرسلته في 30 نيسان/ ابريل 2019 إلى وزير داخلية الاحتلال، أرييه درعي، والمستشار القضائي لحكومة الاحتلال، أفيحاي مندلبليت، والنائب العام الجنرال شارون آفيك، ومنسق أعمال حكومة الاحتلال في المناطق المحتلة بجيش الاحتلال، كميل أبو ركن، برفع القيود التي تحُول دون إقامة الأكاديميين الأجانب الذين توظّفهم جامعة بيرزيت في الضفة الغربية والعمل فيها ومنحهم التأشيرات المطلوبة، والامتناع عن فرض قيود تعسّفية على فترة إقامة الأكاديميين الأجانب أو على تمديدها.

وقالت مديرة الوحدة القانونية في مركز عدالة سهاد بشارة لـ “بال جراف” إن حكومة الاحتلال لا تملك الصلاحية للتدخل في مؤسسات التعليم العالي الفلسطيني، والقرار العسكري الأخير هو تدخل بالحرية الأكاديمية للمؤسسات والمحاضرين واستقلالية مؤسسات التعليم وهذا لا يتماشى مع قانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الساري في الضفة الغربية المصنفة منطقة محتلة.

ولفتت بشارة “نحن حاليا في صدد ارسال إصدار رسالة قانونية مفصلة مع جامعة بيرزيت توضح فيها تفاصيل هذا الملف بشكل كامل، وتقديم طلب لسلطات الاحتلال تطالبها بالالتزام بالقانون الدولي”.

وحسب وزارة التربية والتعليم، يبلغ عدد مؤسسات التعليم العالي في فلسطين (49) مؤسسة (14 جامعة: 2 حكومية، 3 خاصة، و9 عامة) وعدد الكليات الجامعية (15)، والكليات المتوسطة (20)، ينخرط فيها حوالي (214) ألف طالب وطالبة، منهم حوالي (6600) طالب في برامج ماجستير، وحوالي (65) ألف طالب وطالبة في التعليم المفتوح موزعين جميعاً على تخصصات يقارب عددها حوالي (1000) تخصص وبرنامج أكاديمي، ويعمل فيها (14600) موظف موزعين على كادر أكاديمي وإداري وخدماتي (21% منهم غير متفرغين).

الجامعة العربية الأمريكية

من جانبها، قالت نائب رئيس الجامعة العربية الأمريكية لشؤون العلاقات الدولية دلال عريقات إن القرار العسكري الأخير جزء من منظومة القرارات والقوانين الكولونيالية الإسرائيلية التي تكرس سياسة العنصرية والأبارتهايد ضد الشعب الفلسطيني.

ولفتت عريقات أن القرار العسكري الجديد يسهم في التضييق على المؤسسات الأكاديمية ويحرمها من وجود كفاءات علمية، ويقيد حريتها الأكاديمية، مضيفة ” إذا ما أرادت أي جامعة عقد مؤتمر دولي، أو علمي، أو ورشات عمل أو برامج لتبادل الطلاب، فهي لا يتوفر لها الحرية لتقرر ما المشاريع أو التخصصات التي تريدها ويمكن عليها استقدام كفاءات أكاديمية من الخارج”.

ولفتت عريقات إلى أن القرار هو شكل جديد من العنصرية الإسرائيلية وجريمة الأبارتهايد، خاصة أن هذه القيود لا تفرض على الجامعات الإسرائيلية، وهو يخالف القوانين الدولية وتحديدا المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية جنيف الرابعة، والمادة 13 من الاتفاقية الدولية للحقوق الثقافية.

يحد هذا القرار من قدرة الجامعة على تلبية احتياجاتها في التعاقد مع أكاديميين من الخارج، بما يخدم برامجها التدريسية، إذ تقول عريقات “لدينا ما لا يقل عن 40 أستاذ أجنبي، ونحن بحاجة لتعزيز طاقم التدريس بأكاديميين، وتبادل الخبرات والأساليب والخبرة المعرفية والنظرية واطلاع الطلاب على أساليب مختلفة، وهذه الحرية حق لنا”.

ونجحت عريقات في تجهيز مسودة ورقة موقف، حول الحريات الأكاديمية في الجامعات على أن يتم التشاور حولها مع الجامعات كلها لإخراجها وهي تعبر عن الرفض لقيود الاحتلال، وموقف المؤسسات الأكاديمية وحقوقها.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة