loading

غيث يامين . .الشهيد الأنيق

هيئة التحرير:

يخشى ثلاجات البرد والوحدة والنسيان وحزن من يحبهم ودموعهم، ويحب اسوارته البسيطة، ينتمي للحياة ولا يخاف الموت، طفلا بجمال البلاد، غيثا كله خير، انهمر دمه غزيرا فوق تراب نابلس، ففاح مسكه في البلاد، التي زفته بالدموع والرصاص.

وصية الشهيد

هذه وصية الطفل غيث يامين الذي استشهد فجر 25 أيار/مايو برصاصة في الرأس من مدينة نابلس، وجرى تداولها مع صوره البهية، كانت مؤلمة بقدر غياب ابتسامة طفل ينبض بالحياة، قاسية بقسوة الثلج الذي يلف جثامين عشرات الشهداء في ثلاجات الاحتلال الذي يرفض تسليمهم لذويهم وتم استذكارهم اليوم صباحا، مبكية بحزن زملائه في مدرسة عبد الحميد السائح، الذين انتظروا صباحا امام ثلاجات الموتى لإلقاء نظرة الوداع عليه، بدلا من التواجد معه في الصف المدرسي في يوم خال من الدموع، حيث كان من المفترض أن يؤدوا جميعا امتحان اللغة الإنجليزية لكنه نال شهادة اسمى من كل الشهادات.

واستشهد الطفل غيث يامين 16 عاما برصاصة في الرأس خلال مواجهات اندلعت بين قوات الاحتلال والشبان في المنطقة الشرقية في مدينة نابلس فجر الأربعاء الماضي، اذ قال صديقه محمد العامودي ” أن قناصا استهدف يامين بالرصاص في رأسه أثناء وقوفه على أسطح إحدى المباني دون أن يشكل أي خطر عليهم، حيث اخترق الرصاص جبهته الأمامية وخرجت من الخلف”.

بينما يقول زياد يامين الشقيق الأكبر للشهيد غيث لـ”بال غراف” ان “غيث طلب الشهادة وقد نالها، كان يبحث عنها منذ زمان، لقد كبر غيث مرة واحدة وتغير وكان ملتزم بالصلاة، لكنهم أخذوه مرة وحدة، ما لحقنا نشوفه كبير”.

وأضاف ” قبل استشهاده توجه غيث وأدى الصلاة، واشترى ملابس جديدة وعطر جديد، وكتب وصيته وتوجه الى المكان الذي استشهد فيه، وقبل ذلك اعد فيديو وكتب عليه البسوا أحلي لبس، تعطروا بأحلى عطر، لعلكم تكونون من بين الشهداء”.

كان غيث صديق زياد قبل أن يكون شقيقه، وقد كان معه لحظة اصابته برصاص الاحتلال وهو من أبلغ والده بإصابته قبل نقله الى المستشفى.

رفاق غيث في المدرسة أمام المشفى قبيل تشييعه

يقول زياد” انا بشعر بالقهر كل ما اتذكر، وأكثر اشي أثر فيي انه لما استشهد غيث كان جنبي وما اقدرت احمله او ارفعه”، وأضاف “اتصلوا علي اصحابي وخبروني انه غيث نزل عند قبر يوسف، ورحت ابحث عنه وحاولت لنص ساعة اصل اله، وما اقدرت بسبب الغاز المسيل للدموع، لفيت من طريق عراق التايه ولما شفته، قلتله شوبتعمل هون يلا نروح، قلي بس خمس دقايق بدي أخلى اصحابي يديروا بالهم عحالهم وإذا بقدر اروحهم معي بدي اروحهم. قلتله امشي واصحابك بروحوا لحالهم، قلي أصلا كلهم روحوا وما ظل غير اثنين، فبدي اخذهم معي واتصل عليهم، وقلهم انا بدي اروح مع أخوي وديروا بالكم على حالكم. ودع أصحابه وما ودعني، قلهم بدي اروح، وراح وما رجع”.

في الثامن من شباط/فبراير، اغتالت قوات الاحتلال الشهداء أدهم مبروك الشيشاني ومحمد الدخيل وأشرف مبسلط، وسط مدينة نابلس، في جريمة هزت غيث الذي انهار حزنا عليهم، اذ يقول صديقه العامودي “قبل استشهادهم بيوم كان يامين برفقة الشهداء في أزقة البلدة القديمة في مدينة نابلس، وبعد استشهادهم استمر بزيارتهم والتقاط الصور بجانب قبورهم وخاصة الدخيل”.

ويضيف العامودي ” عندما استشهد الشبان، توجهت الى غيث ووجدته منهارا، كان يبكي بشده ويقول انه يريد اللحاق بهم، يريد ان يستشهد ويلحق بهم”.

كان يامين يحب اغنية ” ومضى الرجال الى جوار الله في دار الخلود، لم يرتضوا عيش الذلالة أنهم نعم الجنود، قد حاربوا ظلم العدى، وقفوا كماة وأسود، هم زمجروا في الساح صالوا، زلزلوا مثل الرعود” ودائم الحديث عن الشهادة، كأنه كان يراها امامه ويمضي اليها، خاصة منذ اغتيال الشهداء، حيث جمعته صداقة بالدخيل، وكان يرتدي قلادة تحمل صورته، وقد التقط فيديو عند قبره قبل استشهاده بساعات وطلب مني نشره في حال استشهاده، كما يقول صديقه.

اما والد غيث رفيق يامن، فقد بجريمة قتل ابنه برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، متسائلا عن القانون الذي يسمح بتفجير رأس ابنه وتحويله إلى أشلاء، مشيرا انه تلقى الخبر من ابنه الذي أبلغه أن شقيقه أصيب أثناء اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي لمنطقة محيط قبر يوسف في نابلس.

وقال والده في تصريحات صحفية “بأي حق وأي دين يتلقى طفل رصاصة في رأسه، ماذا فعل ابني؟ وهو لا زال يرتاد المدرسة ويحلم بغد أفضل”.

وقال إن الاحتلال يقتل أحلام الصغار قبل أن يكبروا، وأضاف “كان الاحتلال الإسرائيلي يستهدف الشباب، أما الآن فقد أصبح يغتال الأطفال قبل أن يصيروا شبانًا، حتى يزيحوهم من طريقهم”.

وتابع “لا يحق للفلسطينيين أن يحلموا ويطمحوا، بل إن حياتهم محكومة بالموت منذ البداية”، ومضى والغصة تملأ كلماته “من الطبيعي أن يكتب الفلسطيني وصيته بعد الولادة لأنه يعرف سلفًا مصيره القريب”.

كانت وصية الشهيد غيث، المشرط الذي فتح وجع البلاد وأهالي الشهداء المحتجزة جثامينهم على برد الثلاجات الذي يغطي نحو 105 شهيدا، تحتجزهم قوات الاحتلال وتحرم عائلاتهم من دفنهم.

فقد استذكرت اليوم عائلة الشهيد حسن مناصرة حين قرأت وصية الشهيد غيث ما حدث معها عام 2016 حين رفضت استلام جثمانه ابنها تحول الى “قالب ثلج” بمعالم غير واضحة، بعد احتجازه في الثلاجات لخمسة أشهر، بينما استذكرنا اليوم احتضان والدة الشهيد محمد علي من مخيم شعفاط جثمان أبنها المجمد 88 يوما، طوال الليل لتدفئته قبل دفنه.

وتشابهت وصية غيث مع وصية الشهيد احمد سناقرة قائد كتائب شهداء الأقصى في مخيم بلاطة، الذي استشهد عام 2010.

عاش سناقرة لسنوات حياة المطاردة والملاحقة منذ طفولته، بعيدا عن بيته، وخاض معارك شرسة سجلت في الذاكرة كمعارك فاصلة، أبرزها معركة المقاطعة التي خاضها لوحده ضد جيش الاحتلال، فقد عاش تحت أنقاض المقاطعة في مدينة نابلس 3 أيام بعد ان هدمها فوق رأسه جيش الاحتلال بطائراته ومتفجراته، وخرج من تحت الأنقاض منتصبا.

أكثر من خمس سنوات من المطارة والملاحقة، كان ينام في برد والعراء والليل، كانت الأرض فراشه والسماء غطاءه، فأوصى بان لا يضعوه في ثلاجة الموتى عندما يستشهد، فقد امتلأ جسده ببرد الليل والعراء، وبوضع “بطانية دافئة” في قبره، لعله يحظى بنوم دافئ طويل لجسده المنهك. 

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة