loading

الحكومة بين القيل والاقالة

هيئة التحرير

كثر الحديث في الساعات الأخيرة في الصالونات السياسية، ووسائل الإعلام عن نية رئيس الوزراء محمد اشتية تقديم استقالته للرئيس عباس خلال الساعات القادمة.

وتعددت الأسباب التي ساقتها المصادر التي سربت الخبر كمبرر للاستقالة، وقالت إن بعضها يعود لخلافات داخل الحكومة وتحديدا بين اشتية ووزير المالية شكري بشارة الذي ذكرت مصادر إعلامية تقديمه الاستقالة قبل أيام على خلفية الوعودات المالية التي قدمها اشتية لبعض القطاعات والنقابات، مثل: المعلمين والمهندسين دون وجود تغطية مالية حقيقية لها، وتحميل الحكومة خسارة حركة فتح انتخابات بيرزيت بسبب أدائها.

وبين القيل والقال حول اقالة الحكومة او استقالتها، ونفي بعض وسائل الإعلام للخبر وتأكيد أخرى له، يتابع المواطن كل ذلك وسط أزمات سياسية واقتصادية وحياتية يعيشها يوميا، لا يجد لها مخرجا في المنظور القريب، سواء أقيلت الحكومة أم استقالت.

لم تصارح الحكومة الجمهور بحقيقة ما يجري ولا أي جهة أخرى، وهو الأمر الذي غذى التسريبات وبات المواطن يتلقف المعلومات من هنا وهناك، والتي وصلت إلى الإعلام العبري، والذي يستقي معلوماته، للأسف، في الكثير من الأحيان من أعلى الدوائر السياسية.

وزعم الصحفي الإسرائيلي يوني بن مناحيم أن عضو مركزية فتح وتنفيذية المنظمة حسين الشيخ يعمل لدى الرئيس محمود عباس على تهيئة الأجواء لتغيير رئيس الحكومة محمد اشتية برئيس صندوق الاستثمار محمد مصطفى.

وتزامن ذلك الخبر مع نشر الكاتب الإسرائيلي ديفيد واينبرغ، مقالا صحفيا في صحيفة جيروزاليم بوست، هاجم فيه اشتية، مطالبا بضرورة رحيله عن المشهد الفلسطيني واصفا إياه بأنه الشخصية الرئيسية لسياسة “لا تعاون مع إسرائيل”، وأنه قام في كثير من الأحيان بـ “تخريب السلام”، وأنه “يسعى لمحاربة وهزيمة “إسرائيل”، شاملا في التحريض الرئيس محمود عباس، الذي قال عنه “أن هذه الدعوة تنطبق تماما مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس”، واصفا إياه بأن شريك اشتية في “الجريمة”.

وتعقيبا على ما نشر في الإعلام العبري حول ذلك، قال المحلل المختص بالشأن الإسرائيلي فايز عباس لـ”بال غراف” أن ما نشرته صحيفة جيروزاليم بوست المعروفة بتطرفها اليميني ضد الشعب الفلسطيني وقيادته، جزء من حملة التحريض على كل الشخصيات الفلسطينية دون استثناء.

 وأضاف عباس أن ما أدرجته الصحيفة في مقالها حول ما يفعله اشتية من زيارات لأهالي الشهداء والأسرى هو واجبه وملزم به بصفته رئيس للحكومة الفلسطينية، وليس كما يحاول بعض الكتاب الإسرائيليين التحريض عليه.  

المواطن والتغيير والحكومة !!

وأكد عباس أن هذا جزء من التحريض على القيادة الفلسطينية وهو يخدم أجندة يمينية فاشية ضد الفلسطينيين دون استثناء إن كان رئيساً للحكومة أو وزيراً أو حتى الإنسان الفلسطيني الذي لا يرفع الراية البيضاء أمام عنجهية القمع الإسرائيلية.

الحكومة في أنفاسها الأخيرة

وفتح الحديث عن استقالة اشتية الباب أمام تقييم عمل حكومته، منذ أدائها اليمين القانونية في منتصف نيسان 2019، والتي كادت أن تشهد تعديلا وزاريا العام الماضي، لكن جرى إلغائه في اللحظة الأخيرة، في ظل تراكم الأزمات التي عصفت بالحكومة على المستوى الاقتصادي، والصحي، والتعليمي، والنقابي والحريات العامة.

وقال الكاتب والمحلل السياسي جهاد حرب لـ”بال غراف” إن الحكومة الحالية فشلت منذ أشهرها الأولى في رفع مكانة وقيم الدولة التي نصت عليها وثيقة الاستقلال، وفشلت في معالجة التحديات التي واجهتها في جائحة كورونا فيما يتعلق بالصحة أو التعليم وكذلك الجانب المالي والاقتصادي.

الحكومة تلتقط أنفاسها الأخيرة سواء قدمت استقالتها أو تنوي تقديم استقالتها، خاصة أنها استنفذت جميع الإمكانيات التي جعلتها باقية إلى الآن”.

ويجمع مراقبون، أن الحكومات المتعاقبة في السنوات الأخيرة، كانت تمتاز بالضعف العام، بسبب التدخلات في تشكيلها من أطراف عدة، وبالتالي فإن التوقعات بقدوم حكومة جديدة أفضل من سابقاتها دائما كان منخفضا.

وأكد حرب ذلك قائلا” أن الخلل بنيوي في النظام السياسي، لكننا نريد حكومة صادقة ومنفتحة مع الجمهور وتدافع عن القرارات التي تتخذها، ولا تختبئ خلف الرئيس، نريد حكومة قوية برئيسها ووزرائها قادرين على إدارة وزاراتهم ومؤسساتهم بفاعلية”.

وعن التدخلات في تشكيل الحكومة وتأثير ذلك على أدائها، قال حرب ” حين يكون رئيس حكومة قوي يستطيع تشكيل حكومته وفرضها وتحمل المساءلة والمسؤولية، ودون ذلك يستطيع رفض تشكيل الحكومة، لكن إذا وافق على التدخل في تشكيل حكومته فهو سمح للأطراف الأخرى منذ البداية بالتدخل في عمل حكومته وإضعافها”.

وإلى جانب الأسباب الأخرى المتعلقة بالخلافات داخل الحكومة، وضعف أدائها، ترافق تسريب استقالة اشتية مع التغيرات التي شهدتها منظمة التحرير، بتكليف عضو اللجنة التنفيذية حسين الشيخ أمين سر لها، الأمر الذي اعتبره البعض جزء من الترتيبات للمرحلة المقبلة.

 وقال حرب “الحديث اليوم عن التغيير الحكومي له أسباب عدة، فهي فشلت وباتت غير قادرة على أداء مهامها وضعيفة، وفي نفس الوقت من الواضح أن ترتيبات رئاسة السلطة في الفترة المقبلة، تحتاج إلى رئيس حكومة من خارج اللجنة المركزية لحركة فتح ومستقل لا يشكل ضغط أو منافس لأي من الأشخاص المرشحين لذلك المنصب”.

الرئيس يكلف اشتيه بتشكيل الحكومة

تحجيم صلاحيات الحكومة

اُستحدث منصب رئيس الوزراء في السلطة الفلسطينية عام 2003 بطلب من إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، وقد عيّن الرئيس الراحل ياسر عرفات، الرئيس عباس في منصب أول رئيس وزراء في السلطة الفلسطينية، بعد أن كانت الحكومة تابعة للرئيس مباشرة قبل ذلك.

سرعان ما استقال عباس آنذاك من الحكومة بسبب عدم منحه الصلاحيات التي تتيح له تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية، وكذلك فعل لاحقا سلام فياض الذي طالب بتلك الصلاحيات، لكن اليوم يدور الحديث عن مزيد من تحجيم الحكومات المتعاقبة مؤخرا وسحب صلاحياتها.

وقال الدكتور غسان الخطيب الذي شغل حقيبة وزارة العمل في الحكومة التي قادها عباس 2003 سابقا لـ”بال غراف” إن التحديات المختلفة التي نواجهها ليس لها علاقة مباشرة في أداء الحكومة، بل بعوامل واعتبارات سياسية تديرها قيادة منظمة التحرير مثل العلاقة مع إسرائيل والولايات المتحدة، والعلاقة مع الاتحاد الأوروبي.

وأضاف الخطيب ” قد يكون هناك إيجابيات وسلبيات في أداء الحكومة، لكن تغيير الحكومة لن يكون له إثر على التحديات والصعوبات والمشاكل التي يعاني منها الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية.

ولفت الخطيب الى تراجع الدور والصلاحيات التي تمنح للحكومات مؤخرا، موضحا ” الحكومات السابقة كانت سياسية أكثر من الحكومة الحالية، ووجود رئيس وزراء ليس من تنظيم معين لا يعني أنه ليس سياسي”.

وأشار الخطيب أن التغيير وسحب الصلاحيات من الحكومة بدأت مع حكومة رامي الحمد الله، واستمر ذلك الأمر تدريجيا، حيث جردت الحكومة من أدوارها السياسية واقتصر عملها على القضايا الخدماتية المباشرة بدلا مما كانت عليه سابقا، حيث كانت جزءا من الكيان السياسي على كل المستويات.

ولفت أن “سحب صلاحيات الحكومة وانحسارها، سببها صراعات داخل السلطة وحركة فتح باتجاه ازدياد نفوذ وقوة مراكز ثقل خارج الحكومة، فقد تراجعت صلاحيات الحكومة لصالح جهات أخرى مثل الرئاسة ومؤسسات رسمية غير حكومية، وأصبحت هذه الجهات لها أدوار ونفوذ متعاظم على حساب الصلاحيات والدور الذي كان يناط سابقا بالحكومة ما تسبب باختلال في الموازين”.

وقال الخطيب ” إن أي حكومة قادمة في ظل المعطيات الحالية، لن يكون لديها السقف الكبير لتحقيق إنجازات طالما بقيت محدودة الصلاحيات، وبقيت التوازنات الحالية كما هي، لكن إذا جاء رئيس وزراء وأصر على التمتع بصلاحيات الحكومة الأصلية الدستورية وعمل على استعادة دورها وصلاحياتها ربما يتغير الموقف للاتجاه الأفضل وهذا يتوقف على التوازنات الداخلية ومن هو رئيس الوزراء ومن هي تشكيلة الحكومة”.

يعتقد الخطيب أن الحالة الفلسطينية لا تحتاج إلى تغيير حكومي، قائلا ” هناك انتقادات وملاحظات على جوانب عديدة لدى الحكومة تحتاج إلى إصلاح وتطوير، لكن لا أعتقد أننا بحاجة إلى تعديل حكومي، لأن نوع المشاكل التي نعيشها ليست ناتجة عن سوء أو حسن سلوك وأداء الحكومة وإنما لعوامل أخرى لها علاقة بعوامل خارجية كالاحتلال والمانحين والانقسام، وهذه قضايا ليست من شأن الحكومة وإنما القيادة السياسية”.

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة