هيئة التحرير:
بدأ حراك “بدنا نعيش” الذي شهدته مدينة الخليل في الخامس من حزيران خجولا إلى حدٍ ما، سواء بالمسيرة الاحتجاجية التي نظمت وسط المدينة، إلى الاعتصام المفتوح الذي شارك فيه بضعة شباب، احتجاجا على ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، ورغم ذلك كان خطوة أولى في التعبير عن الغضب المجتمعي ضد الغلاء، وتأسيس حراك جماهيري اجتماعي أوسع وأشمل.
وعُرقل الحراك في خطوته الأولى بعد اعتقال الأجهزة الأمنية لـ 11 ناشطا فيه، أثناء اعتصامهم المفتوح على دوار ابن رشد، وتحويل ثمانية منهم للنيابة العامة، قبل أن يفرج عنهم لاحقا، ما يطرح تساؤلات حول مستقبل الحراك الجماهيري الاجتماعي الذي بدأ في الخليل، وكان مرشحا للانتقال إلى مدن ومناطق مختلفة.
يسود التذمر والغضب المواطنين في الضفة الغربية بسبب ارتفاع الأسعار المبالغ فيه، وحالة الفوضى التي تسود الأسواق، وسط غياب الضبط والرقابة، الأمر الذي جعل المواطن في مهب الغلاء المتزايد دون أي تدخلات حكومية، بالتزامن مع تفاقم الأزمة المالية وعدم انتظام صرف رواتب الموظفين
ورغم الغلاء وارتفاع الأسعار الذي بات حديث الشارع، كان ملاحظا حالة الصمت في الشارع الفلسطيني، الذي غابت عنه أي فعاليات احتجاجية أو دعوات للتظاهر، أو حتى بيانات من المؤسسات والجمعيات والأطر ذات الصلة.
وقال الناشط في الحراك رامي الجنيدي (٤٠ عاما) من مدينة الخليل لـ”بال غراف” إن التظاهر والاعتصام بدأ بطريقة سلمية وقانونية، بموجب ترخيص من محافظ الخليل، لكن ما حدث لاحقا كان هدفه تخريب الحراك”.
وحول ما جرى، قال الجنيدي ” كنا قرابة 17 شخصا قررنا المبيت على دوار ابن رشد، لكن فوجئنا بمجموعة من الشباب يقدر عددهم بـ 15 شخصا بالتواجد في مكان الاعتصام، وبدأوا بافتعال المشاكل في المكان والتخريب والتدمير والحرق، ورفضوا الاستجابة لمطالبنا بمغادرة المكان، إلى أن بادرنا بالاتصال بالأجهزة الأمنية وإبلاغهم ان هذه الفئة لا صلة لها بنا ولا تمثلنا وليسوا منا”.
ولفت الجنيدي أن الأجهزة الأمنية أخذت هذه المجموعة ذريعة لقمع الحراك، حيث اقتحمت الأجهزة مكان مبيتنا واعتقلت 11 شخصا، بينما تمكن البقية من الانسحاب من المكان، لكن الشبان الذين قاموا بالتخريب والحرق لم يتم اعتقالهم، مضيفا “ما بعرف مين دفعهم علينا أو من يقف خلفهم”.
يعتقد الجنيدي أنه جرى التخلي من قبل الجمهور عن الشباب الذين شاركوا في الحراك، مبينا ” كان عدد الأشخاص الذين شاركوا في الاعتصام بالمئات، وكذلك الذين طلبوا منا الالتزام بالحراك وأبدوا الاستعداد للمبيت ودعمنا نحو ثلاثمائة شخص، لكن من بقي في النهاية 17 شخصا فقط.
وتابع الجنيدي “أحبط الحراك، احنا انصدمنا من ردة فعل الناس، كان المواطنون يناشدوننا للنزول إلى الشارع للتعبير عن غضبهم واحتجاجهم من الغلاء، وحين نزلنا، كنا نعلم ونتوقع أن يتم اعتقالنا، لكن ثمن ذلك الاعتقال لا يكون مجانا، بل بمقابل وهو ايقاظ الناس وإسماع صوتهم للحكومة، ودق ناقوس الخطر، والتنبيه إلى أن المجتمع و الشريحة الأوسع من الناس ذاهبة للفقر المدقع، مضيفا “حراكنا لا صلة له بأي طرف وهو حراك شبابي مجتمعي اقتصادي دون أي أبعاد أخرى”.
وألقى ما جرى من قمع واعتقال للحراك على خطواتهم القائمة، إذ قال الجنيدي “الآن سنأخذ وقتا لنفكر كيف يمكن أن نعود إذا كنا سنعود، وما هي الطريقة التي سنعود بها”، في إشارة إلى تجميد الحراك فعالياته في الوقت الراهن.
ظهر حراك “بدنا نعيش” في الخليل بداية العام الجاري، على ضوء التداعيات الاقتصادية التي تركتها جائحة كورونا على العديد من القطاعات الاقتصادية، إلى جانب الغلاء وارتفاع الأسعار، وقد نفذ فعاليات احتجاجية في مدينة الخليل.
ووقع الحراك اتفاقا مع الحكومة ممثلة بوزيري المالية والاقتصاد، في شباط/ فبراير برعاية غرفة تجارة الخليل تضمن العديد من البنود، متهمين الحكومة بعدم تنفيذها.
وقال المنسق العام والناطق الرسمي باسم الحراك أمجد الأطرش لـ”بال غراف” إنه منذ تاريخ الاتفاق مع الحكومة حتى الآن لم يُرد علينا، وأبسط الأمور التي بحاجة إلى توقيع وزير أو وكيل وزارة لم يوقع عليها، وهو ما سبب الأزمة بيننا وبين الحكومة، ودفعنا للخروج إلى الشارع للاحتجاج، لأننا نطالب بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في غرفة تجارة وصناعة الخليل.
وأكد الأطرش “نحن متمسكين بهذه الاتفاقية، وأنا مستمر في اعتصامي ومطالب الناس ولن أتوقف حتى تنفيذ هذه المطالب”، مشيرا إلى أن “أول المطالب التي رفعناها هي توفير الأمن والأمان في ظل ما تعانيه الخليل من فلتان أمني وإطلاق نار وفوضى سلاح، وهذا كان مطلبا رئيسيا، وحملنا هذا الموضوع إلى وزير الداخلية لكن لم يجرِ أي معالجة لذلك، رغم أنه مطلب شعبي”.
ولفت الأطرش أن الحراك طلب من اللجنة المشتركة لبحث أمور الغلاء المكونة من وزيري الاقتصاد والمالية ورئيسة الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، للنظر في الحد الأدنى للأجور 1880 شيكل، كون ذلك المبلغ لا يفي باحتياجات العائلة الفلسطينية الأساسية.
وأوضح الأطرش أن هناك مطالب جرى تسليمها إلى مدير عام المخابرات ووزير الاقتصاد الوطني من قبل الحراك تتعلق بمطالب لقطاع النقل والمواصلات، ومطالب أخرى للتأمين الصحي والفحص الطبي، وقد جرى الموافقة عليها، لكن دون تنفيذها.
وحول مستقبل الحراك بعد الأحداث الأخيرة، أكد الأطرش أن الحراك لم ينتهِ، ومستمر وهو للناس ومنهم، ويطالب بهموم الناس ومطالبهم والاتفاق الذي جرى في غرفة تجارة وصناعة الخليل مع الوزراء والغرفة التجارية، ونحن ملتزمين فيه.
من جانبه، قال المحامي والناشط فريد الأطرش، مدير مكتب الهيئة المستقلة في الجنوب “بال غراف” إن “الحراك قدموا إشعارا ‘إلى المحافظ دون أن يشيروا إلى نيتهم إغلاق الشوارع والاستمرار في الاعتصام”، لكننا تفاجئنا صباحا باعتقال 11 شخصا وتحويل 8 منهم إلى اللجنة الأمنية في أريحا.
وقال الأطرش ” إن الهيئة المستقلة تابعت القضية وتم إعادتهم إلى النيابة العامة في الخليل، وكان محامي الموقوفين موجود، حيث وجهت لهم تهم التجمهر غير المشروع، وتخريب الساحات العامة، وتمديد توقيفهم، وقد طرحت الهيئة مبادرة تجاوبت معها النيابة العامة أن يتم الإفراج عنهم، لأن توقيفهم غير قانوني ومارسوا حقوقهم بشكل قانوني، وأن يتم الحديث مع شباب الحراك على عدم إغلاق الشارع، مع ضمان حقهم في التجمع السلمي، وأن يوقعوا على تعهد بذلك وقد جرى توافق على ذلك”.
وعن الجهة التي تقف خلف عمليات التخريب وحرق الحاويات والاعتداء على الساحات، قال الأطرش ” أؤكد بشكل قاطع أن من قاموا بذلك ليسوا من الحراك، ولكن جرى تحميل تلك الأفعال للحراك”، مضيفا ” في الحراكات السابقة كانت هناك جماعات منظمة ومعروفة تقوم بالتخريب، لأنها لا تريد وجود حراك منظم”، موضحا ” لم يتم اعتقال او توقيف هؤلاء الأشخاص رغم أن كاميرات المراقبة أظهرتهم، ما يدلل على وجود نوايا لإجهاض الحراك”.