loading

وحدها هزمت التوحد

ديما دعنا

” الطفل التوحدي ليس عارا، أو عيبا لنخفيه عن المجتمع، أشعر بالرضا لأن الله وهبني تاليا فهي تذكرتي إلى الجنة “، بهذه الكلمات بدأت المقدسية وسام أبو ارميله، وهي أم لأربعة أطفال ( نور وايلانا وعز واصغرهم تاليا ) حدثيها لـ ” بال غراف” عن طفلتها الصغيرة تاليا المصابة بطيف التوحد.

وأضافت: الحمدلله على كل شيء، فإن من أشد الابتلاءات ان يبتليك  الله بمرض أحد ابنائك، فعندما رزقت بابنتي تاليا، شعرت بأنها مختلفة عن باقي إخوتها، فجمالها آخاذ، طفلة شقراء وعيناها خضراوتان، وهادئة جدا لكن كما يقولون كان الهدوء الذي يسبق العاصفة فحين بلغت من العمر عامين ونصف انقلب حالها لأسوأ حال حيث أصبحت صغيرتي كثيرة الصراخ والبكاء والعصبية وشديدة الانفعال، وتعاني من ضيق في التنفس وكانت تقوم بضرب رأسها بالأرض باستمرار، ولم تكن تهدأ يوما ولا تنام، هذا عدا انها لم تكن تتكلم وكان لديها تأخر في شتى المجالات.

“وسام ” الحاصلة على درجة البكالوريوس في الأدب الانجليزي وتستكمل دراستها حاليا بالعلاج السلوكي من أجل طفلتها، تحملت ما لا يتحمله أحد، حيث تتجلى الأمومة في اعلى مستوياتها حين ترعى الأم طفلها المريض وتراعيه وتسعى لعلاجه مهما واجهت من صعوبات وتحديات حتى اصبحت نموذجا للأم الملهمة الصابرة المكافحة ومثالا يحتذى به لكل الأمهات اللواتي لديهم طفل مصاب بطيف التوحد.

وحدها هزمت التوحد

صدمة .. وتكّيف

كان وضع ” تاليا” يزداد سوءا يوما بعد يوم، ولم تكن وسام تعرف سبب ذلك، حيث تقول: “عرضت ابنتي على عشرات الاطباء والمختصين حتى تم تشخيصها أخيرا باصابتها بطيف التوحد، كانت صدمة كبيرة بالنسبة لي ورفضت تقبل الأمر لكن سرعان ما استيقظت من صدمتي وكان عليَّ أن أتكيف واتقبل الامر فطفلتي ليس لها أحد سواي، وباهمالي لها ستضيع مني، فالطفل دوما يكون الاقرب لأمه ويشعر بمشاعرها فإن يئست ستضعف طفلتي وتستسلم لمرضها لكني كنت دائما قوية أمامها، ولم أظهر ضعفي يوما لها”.

وتتابع قائلة: “كانت أعراض تاليا شديدة، حتى وصف لها الأطباء المهدئات وأدوية الأعصاب لكني رفضتها بكل حزم وقوة، لأنه كان هناك شيء بداخلي ” حدس الأم” يقول أن ابنتي تعاني من مرض عضوي أو مسبب آخر يسبب لها تلك النوبات وتابعت بحثي عن طبيب يشخص تاليا بشكل صحيح حتى وصلت للطبيب فادي خفش في رام لله الذي أخبرني بأن ابنتي تعاني من مشاكل في التنفس سببت لها مشاكل في وضعية الفك وبحاجة لعلاج سريع لانها صغيره حيث العلاج المبكر سيعمل على تكيف الفك مع النمو في حال تم علاج التنفس”.

شعرت وسام بتفاؤل كبير بأن ابنتها سيتغير حالها وبالفعل كما تقول : خضعت تاليا للعملية وتكللت بالنجاح وتحسن وضعها الصحي كثيرا حتى أن عصبيتها قلت بنسبه كبيره عن السابق وأصبحت أكثر هدوءا، وتقبلا للكثير من الأمور واهمها وقف الأكل المطحون بشكل نهائي حيث كان تضخم اللوزتين يسببان لها عدم القدرة على البلع، وتضيف: بعد نجاح العملية بدأت أعاملها كأخوتها ، فلم أكن اشعرها بأنها دونا عنهم أو أنها تختلف عنهم في شيء، حيث كنت أضع لها الصحن على الطاولة واتبع معها كل الأنظمة التي أتبعها مع اخوتها في الطعام والنوم والمساعدة في أعمال المنزل ورغم أنها كانت تواجه الأمور بعصبية وانفعال وبكاء متواصل إلا أنني تحملت وصبرت ولم أكن ابادلها الصراخ او الضرب حيث أنّ كسر الروتين يكون صعبا جدا لاطفال التوحد والروتين السلبي بحاجه لصبر كبير من الاهل حتى يتغير، لكني نجحت واستطعت أنا أفطم تاليا عن الحليب والاكل المطحون والحفاض وعلمتها الكثير من الكلمات بعد أن كانت تفقد القدرة على النطق”.

الصبر والحب والتدخل المبكر 

تحملت كثيرا، وصبرت لم يكن الأمر سهلا أبدا، لكني كنت مصّرة على علاجها وأن أكون لها الملاذ الآمن والحضن الدافئ، وتضيف بحزم: أدعو كل أم لديها طفل مصاب بطيف توحد أن تتحلى بالصبر الكبير وذلك فقط لمساعدة طفلها؛ فالطفل التوحدي كما تقول يحتاج إلى حب كبير وتدخل مبكر وصبر لا محدود، وبالصبر وقوة التحمل، مشيرة إلى ان الكثير من الأمهات يشعرن بالعار من طفلهم المصاب بالتوحد ولا يسعين لعلاج اطفالهن ابدا .

تشعر وسام بالفخر والقوة لجهودها في علاج طفلتها، رغم احباط الكثيرين من حولها، ونظرات المجتمع التي لا ترحم وكلماتهم التي تسبب اليأس والاحباط والدونية لكنها لم تهتم لذلك وكانت تاليا دوما مصدر فخرها امام الناس فهي من علمتها الحب والتحدي والصبر، ولم تكن تشعر يوما أن اضطراب تاليا هو شيء يعيبها فهو كأي اضطراب عصبي نمائي آخر يسبب تأخر للطفل واختلاف، مؤكدة على ضرورة تقبل أطفالنا كما هم وليس كما نحن نريد.

رسالة 

وتوجه وسام رسالة إلى كل أم : لا تخجلي من طفلك، فطفل التوحد يحتاج إلى أم قوية، جبارة، صلبة، صابرة، محتسبة كل عملها لوجه الله ومن أجل طفلها الذي ليس له أحد سواها ، مشيرة إلى أن لولا الدعم والتدخل الذي قدمته لطفلتي مبكرا لكانت اليوم تعيش على المهدئات وأدوية الاعصاب لكنها اليوم طفلة ذو أربع سنوات تتمتع بجمال آخاذ ووجه طفولي لطيف مبتسم طوال الوقت، هي طفلة بريئة تستحق العيش كأي طفل في العالم دون تمييز.

اليوم تحصل على سلة العلاجات الموسعة في روضة الاميره بسمه في القدس صف التوحد حيث تحصل على علاج سلوكي ، وظيفي، نطق، نفسي ومائي ، مشيرة إلى انها تتابع كل التفاصيل التي تتعلق بعلاج ابنتها، مؤكدة على ضرورة نشر الوعي فيما يخص التوحد على النطاق الفلسطيني والعربي والعالمي ايضا ، وتسعى اليوم وسام لرفع معنويات كل أم ومساعدتها في علاج طفلها دون الوصول لأي أدوية قد تؤذي جهاز طفلها العصبي وبناء توجهات ايجابيه في تقبل اطفال التوحد في كل مكان.

ويؤكد الدكتور مهند دعنا أخصائي أعصاب الأطفال وتطور الطفل، ومدير عام مراكز تطور الطفل في صندوق المرضى كلاليت في شرقي القدس ومراكز المستقبل التخصصي؛ أن التوحد هو اضطراب سلوكي نمائي غير معروفة أسبابه حتى اليوم ويرجح بعض المختصين أن اسبابه تعود لفرضيات جينية وراثية وبيئية.

وفيما يخص الاحصائيات أشار دعنا إلى أنه قلما توجد احصائيات دقيقة وخاصة في السنوات الأخيرة في ظل ازدياد اعداد تشخيص اضطراب التوحد والذي يعزى ذلك إلى زيادة الوعي عند الأهل والوسط الطبي والزيادة الملموسة في الأعداد أطفال، موضحا أنه لا يوجد مصادر ولا جهات تعليمية ومدارس متخصصة حسب الأجيال لاحتواء أطفال اضطراب التوحد من الروضة وحتى الثانوية في مناطق الضفة الغربية

فيسبوك
توتير
لينكدان
واتساب
تيلجرام
ايميل
طباعة